بطاريةُ حزبكَ فارغةٌ

لا آتي بجديد عندما أؤكد أن حركة فتح حاولت مرارا وتكرارا احتواء حركة حماس منذ نشأتها، ولنا في اللقاء الذي تحدث عنه غير مرة وزير الإعلام الأردني الراحل صالح القلاب خير آية.
يقول القلاب رحمه الله، إنّ القيادي خالد مشعل طلب منه التوسط لعقد لقاء يجمعه بالرئيس الشهيد ياسر عرفات، وحينها عرض أبوعمار على أبي الوليد أكثر من ثلث مقاعد المجلس الوطني مقابل انضمام حركة حماس لمنظمة التحرير الفلسطينية، لكن بالطبع قوبل العرض بالرفض بعد عدة أيام، ذلك الرفض الذي كان عرفات واثقا منه تماما ولهذا قدم ذلك العرض المغري، فهو يعلم علم اليقين أن لحماس مشروعها الذي يوازي مشروع منظمة التحرير وينافسه ويعمل على شطبه، فهم أنداد للمنظمة وليسوا شركاء. منظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت بها 138 دولة في كل أصقاع العالم ترفض حماس وشقيقتها الجهاد الاعتراف بها، فيا عجبي.
ولو انتقلنا إلى بداية العدوان الإسرائيلي الدّموي على قطاع غزّة بعد غزوة طوفان الأقصى، لكان من اليسير ملاحظة مدى تخوف حركة حماس، من عودة الشّرعية الفلسطينية للقطاع النازف، وذلك من خلال تصرفاتها وتصريحاتها التي كانت تتحدث بكل صلافة عن عودة السّلطة على ظهر الدبابة الإسرائيلية، وكأن السّلطة الوطنية هي من كانت السبب المباشر لعودة الاحتلال الإسرائيلي إليه وليست حماس. فإن كانت القيادة الفلسطينية تسعى للعودة إلى قطاع غزّة على ظهر الدبابة الإسرائيلية كما يدعي البعض، فهذا كلام ينافي الحقيقة وطرحه من العار أساسا وهو يرمي بذورا خبيثة لإشعال حرب داخلية، لأنّه يؤسس لاستهداف القوات الأمنية الفلسطينية مستقبلا ويحلل ويشرّع إراقة دمائها كونها تقع في خانة الخيانة، ويقطع آخر الآمال لعقد المصالحة الوطنية الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس.
وللعلم فإنّ السلطة تحوّل للقطاع شهريا 140 مليون دولار لصالح الكهرباء والماء وغيرها من الخدمات هذا من جانب، ومن جانب آخر لو كانت السلطة همها الأوّل والأخير كرسي الحكم كما تفعل حركة حماس اليوم، فحريّ بها أن تصمت عما يجري في قطاع غزّة كونه يستهدف أيضا حماس ويضعف من قدراتها العسكرية ويقوّض حكمها وهذا أمر واضح تماما، ويمهد للسلطة الطريق لاستلام الحكم ثانية، فالعمليات النوعية الحمساوية انخفضت حالها كحال إطلاق الصواريخ والتي بالكاد أصبحت تصل إلى مستوطنات غلاف غزّة مثل سديروت، والقوات الإسرائيلية تعربد بين شمال غزّة وجنوبها وطريقها سالك.
◄ حماس فقدت اليوم كل ما يؤهلها لحكمه، وانتهت كل محاسنها ولم تتبق منها إلا المصائب، وهذا يعيدنا إلى قول الشاعر العراقي مظفر النواب “بطارية حزبكَ فارغةٌ” ولكن كيف ستقتنع حماس بأن بطارية حركتها فارغة
لا أعتقد أنّه تبقت لحركة حماس أي مؤهلات للاستمرار في حكمها المنفرد في قطاع غزّة المحطم، فهي باتت بمثابة مغناطيس جاذب للاحتلال والحصار والجوع والعطش والهوان والتشريد والفقر والمعاناة، كما أنّ قيامها باعتقال بعض العناصر من السّلطة الوطنية من أبناء غزّة بعدما قاموا بتيسير دخول المساعدات الإنسانية، لرفض الجهات الدولية التعامل مع الحركة، يؤكد أنّها العنوان الأبرز للانقسام، على الرغم من استشهاد عبدالفتاح المصري وعبدالله البربري من جهاز المخابرات العامة، إثر استهدافهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، أثناء عودتهم من مهمتهم في تأمين إيصال المساعدات لمستحقّيها.
وفي سياق متصل، أصبحت الحركة العنوان الأبرز لاستمرار الاحتلال والشذوذ عن الحضن العربي، وهي ترسل رسائل قوية للجميع بأنها موجودة وبقوة وهي الطرف المسيطر وأنّ كل دول العالم مجبرة على التعامل معها. ومن الأهمية بمكان التطرق لما جاء في بيان لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية، الذي نشرته حماس عبر منصاتها الرقمية، بمناسبة الذكرى الـ48 ليوم الأرض الفلسطيني. وقالت باسم الفصائل إن “حديث قادة الاحتلال حول تشكيل قوة دولية أو عربية لقطاع غزة وهم وسراب وإن أي قوة تدخل لقطاع غزة مرفوضة وغير مقبولة وهي قوة احتلال وسنتعامل معها وفق هذا التوصيف”. وبدورها اعتبرت حركة فتح أن ما ادعاه البيان لا أساس له من الصحة.
فمن المعروف أنّ هذه القوات العربية أو الدولية في حال دخولها، سيكون الجيش الإسرائيلي قد انسحب من قطاع غزّة، وهي ستعمل على تأمين المعابر والحدود، وبالتالي فإن نتيجة هذا التهديد الفعلي، هو رفض أي قوات عربية أو دولية دخول القطاع، والنتيجة ستكون استمرار الاحتلال لسنوات، كما يقول ويعمل القادة في إسرائيل.
وهنا يظهر لنا بوضوح تقاطع مصالح اليمين الفلسطيني واليمين الإسرائيلي، فاستمرار حكم حماس واستبعاد السلطة الوطنية مما يعني استبعاد الشرّعية الدولية، يعني بالضرورة استمرار احتلال إسرائيل للقطاع وهذا أمر لا يحتاج إلى استنتاج.
وفي المحصلة، يظهر بشكل جلي، رفض حركة حماس استخلاص العبر، وعدم التحدث بعقلية فصائلية ضيّقة، وتقديم مصالحها الحركية على مصالح الشعب الفلسطيني بأكمله، وإن كان للمستقبل أي عنوان فسيكون رفض غالبية دول العالم وغالبية الدول العربية وغالبية الشعب الفلسطيني استمرار حكم حماس للقطاع، والأخيرة اليوم فقدت كل ما يؤهلها لحكمه، وانتهت كل محاسنها ولم تتبق منها إلا المصائب، وهذا يعيدنا إلى قول الشاعر العراقي مظفر النواب “بطارية حزبكَ فارغةٌ” ولكن كيف ستقتنع حماس بأن بطارية حركتها فارغة!