بسنت حميدة أسرع عداءة مصرية تفضح التنمر وتهزم ميراث المحافظين

البطلة المصرية فضحت التشدد الفكري وكشفت الستار عن العراقيل التي حالت دون وجود مشاركات نسائية عربية في البطولات الرياضية الكبرى.
الثلاثاء 2022/07/12
قوة وثقة في النفس

فضح الإنجاز الذي حققته العداءة المصرية بسنت حميدة بطلة سباقي مئة ومئتي متر في دورة ألعاب البحر المتوسط في وهران بالجزائر، تشدّد المجتمع ضد الرياضة النسائية، واختزل جانبا من النقاش حولها في الزي الشرعي، وبدا أن الصراع بين الميراث الثقافي الديني المحافظ والمتشدد، وبين توجه النساء للحصول على حقوقهن، ومن بينها ممارسة الرياضة، والوصول إلى منصات التتويج، لن يُحسم بسهولة.

تعرضت حميدة لحملة تنمر وسخرية غير مسبوقة، لمجرد أنها ركعت ساجدة لله على إنجازها الرياضي بعد أن أصبحت أول لاعبة مصرية تحقق ميدالية ذهبية في دورة ألعاب قوى، وتحوّل النقاش من البعد الرياضي إلى الديني بما عكس نوعية التفكير.

نجح أصحاب الأصوات المتشددة في تعكير صفو المجتمع الرياضي بعدما حوّلوا إنجاز حميدة إلى معركة دينية بامتياز، وأغفل الكثيرون الحديث عن حقيقة ما جرى في مدينة وهران من وصول بطلات عربيات إلى منصات التتويج وتحقيق ميداليات في أكثر من لعبة، ما يؤهلهن للحصول على مراكز عالمية غائبة منذ فترة.

رفع الستار عن العراقيل

◙ حميدة تواجه حملة تنمر وسخرية غير مسبوقة، لمجرد أنها ركعت ساجدة لله على إنجازها الرياضي بعد أن أصبحت أول لاعبة مصرية تحقق ميدالية ذهبية في دورة ألعاب قوى

واتسم أداؤها في مسابقات العدو القصير، بالقوة والجودة والثقة في النفس، وكان تفوقها مستحقا على كل المنافسات في اللعبة، وخطفت الأنظار من الجميع، وأهدت فوزها إلى بلدها مصر، وهي تبكي وتكاد لا تصدق ما حدث، لكنها صُدمت من ردة الفعل عندما تابعت المعارك الكلامية التي شهدتها منصات التواصل الاجتماعي بسبب الملابس التي كانت ترتديها.

أدرك أصحاب العقول المتفتحة، أن الإنجاز الأكبر الذي حققته البطلة المصرية في كونها فضحت التشدد الفكري وكشفت الستار عن العراقيل التي حالت دون وجود مشاركات نسائية عربية في البطولات الرياضية الكبرى، ولماذا أصبح صعودهن على منصات التتويج نادرا، لأن الإجابة تكمن في وجود ما يشبه العداء الذكوري للمرأة الرياضية بشكل تجاوز الزي الشرعي.

بين اتهامات بالفسق والفجور وأخرى تتحدث عن العورة والمفاتن، أصبح حال الرياضة النسائية في الكثير من المجتمعات العربية يتسم بالركود ويدور في حلقة مفرغة، وبين ما تحلم به المرأة في أن تكون بطلة رياضية، وبين مطرقة العادات والتقاليد البالية التي ترفض بشكل مطلق أن تشارك النساء في لعبة تُظهر العورات وتثير الغرائز، في استمرار متعمّد لاختزال المرأة في كونها مجرد وعاء للشهوة.

ما فعلته حميدة كشف عن عقم المؤسسات الدينية نفسها وخطورة تماهيها مع المجتمع المتشدد بالفطرة، فهي البطلة التي اقتصت لكل الرياضيات من الفتوى المتشددة التي سبق وأصدرتها دار الإفتاء المصرية في مسألة ممارسة المرأة للرياضة، بعدما قالت إنها حرام شرعا طالما لم تلتزم النساء بالزي الذي يخفي مفاتنهن ولا يجعلهن مثيرات للغرائز الذكورية.

صحيح أن وزارة الأوقاف المصرية دافعت عن حميدة، وقالت إن الناجح دائما مستهدف بالتشكيك والطعن في سلوكياته وأثنت على موقفها الشجاع في التصدي بقوة لدعاة التطرف الفكري، لكنها ليست جهة فتوى حتى يؤمن الناس بموقفها ولا هي بنفس القدر من المصداقية عند شريحة كبيرة في المجتمع ليقتنع المتصارعون بوجهة نظرها، وبدت كأنها تتعامل مع إنجاز بسنت من وجهة نظر حكومية بحتة.

◙ زوجها كان السبب الرئيسي في تطور مستواها وحصدها للبطولات

بعيدا عن اختزال النجاح الرياضي للنساء، في زي شرعي أو غيره، فالإنجاز الذي حققته بسنت حميدة أكبر من مجرد فوز بميدالية ذهبية، لأن قصتها ومسيرتها مليئة بالتحديات والدروس والعبر على المستوى الشخصي والأسري والاجتماعي، حتى صارت أيقونة للأمل لكل من تشعر بالعجز وقلة الحيلة عن تحقيق أهدافها وطموحاتها مهما بلغ تشدد المجتمع، ومهما حاولت العقليات الذكورية تحقير النجاحات النسائية.

تربت بسنت داخل أسرة رياضية بامتياز، حيث أن والدتها ريم الدسوقي رياضية سابقة وكانت بطلة في الجمباز وحصلت على العديد من الميداليات، ووالدها محمد عوض حميدة كان بطلا في لعبة التايكوندو، ومارست خالاتها ألعاب القوى، أي أنها ورثت نفس الطموح والعزيمة والإصرار على بلوغ قمة التفوق الرياضي من عائلتها.

الأسرة الرياضية

القصة الأهم في حياة بسنت مرتبطة بزوجها حيث أنها عقب فوزها مباشرة في سباق العدو، ذهبت إليه في المدرجات لتقبل يديه أمام الجمهور وأعين الكاميرات، وتبين لاحقا أنه الملهم الأول في حياتها الذي ساعدها لتصل إلى هذه المكانة، زوجها البطل السابق في ألعاب القوى محمد عباس، حيث كان صديقها وشريكها ومدربها ومشجعها في وقت تخلى عنها المسؤولون عن اللعبة في مصر.

برهنت قصتها أنه كما أن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة، فوراء كل عظيمة رجل يحبها ويدعمها ويساندها ويحميها من تلصّص الناس وظلم المجتمع للنساء وقهرهن، ووسط العقليات الذكورية المتخلفة والرجعية التي تخشى نجاح زوجاتهم بدعوى الحفاظ على الأسرة من التفكك إذا وصلت الزوجة إلى قمة التفوق ونسيان مهامها المنزلية، فهناك نماذج نجحت وحققت أحلامها وكانت نموذجا ملهما.

قالت عقب فوزها إن أهم إنجاز في حياتها عندما التقت بزوجها الكابتن محمد عباس، وكانا يتزاملان في التدريبات حتى صارا زوجين، ثم أصبح المدرب الشخصي لها وآمن بقدراتها ووقف إلى جانبها وسافر بها إلى الولايات المتحدة لتحصل على دورات تدريبية مكثفة تناسبها.

◙ النجاحات الرياضية التي حققتها حميدة تمضي بالتوازي مع قصة نجاحها الدراسي لتكون ملهمة لفتيات جيلها، فهي التي تحصلت على تقدير امتياز طوال فترة دراستها بكلية الهندسة

بلغت درجة الوفاء لزوجها أنها طالبت أيّ جهة رسمية أو غير رسمية إذا أرادت أن تكرّمها، فإن عليها تكريم زوجها، لا تكريمها هي، لأنه كان السبب الرئيسي في تطور مستواها وحصدها للبطولات، وظل سندا لها في كل أزماتها الصحية والنفسية بعدما كانت تخسر أو تخرج من أيّ بطولة، لذلك اعتبرته البطل الحقيقي لكل إنجازاتها.

تحمّل حرمانه من الأطفال كي لا يؤثر ذلك على المسيرة الرياضية لزوجته، فاتفق معها على تأجيل الإنجاب والتركيز في الهدف الأهم، بأن يكون لديها بنيان جسدي رشيق، وطبيعة حياة خاصة، في المأكل والمشرب والنوم والتحرك والتدريبات المتواصلة، لكنه لم يمتعض أو يغضب أو يساومها بأن تكون له وحده، خادمة مطيعة، بل سهل لها كل المهام وهوّن عليها الصعوبات وطمأنها باستمرار دعمها إلى ما هو أبعد من مجرد ميدالية إقليمية وسوف يكون سندا لها حتى تحصل على الذهبية في بطولة عالمية.

من بين ما كتبت حميدة عن زوجها عبر حساباتها بمنصات التواصل الاجتماعي “إلى الصديق الذي علّمني المعنى الحرفي للصداقة والإخلاص، وأن علاقة صادقة قد تغنيك عن الدنيا ومن عليها، إلى من علمني الصبر واستمددت منه قوتي في كل مرة تعثرت فيها.. إلى العائلة المكتملة في صورة زوج وأب وأخ، إلى منقذي الوحيد وملاكي الحارس، دُمت لي سالما آمنا مطمئنا بي، مُطمئنة بك، دُمت لي الشخص الوحيد الذي ينتشلني من أقسى لحظات الحزن ومن ندباتي وجروحي التي تشفى دائمًا بوجودك، إلى السعادة والأمان”.

قدمت الفتاة المصرية إلى المجتمع صورة مضيئة لعلاقة مثالية بين زوجين في مجتمع يعاني بعضه من سطوة العقلية الذكورية، وصفعت كل من انتقدوا ملابسها على وجوههم بعدما صدمتهم بأنه مهما تعرضت المرأة الرياضية لأبشع الكلمات والتوصيفات ستكون آمنة مطمئنة طالما أن معها زوجا متحضرا يُدرك قيمة نجاح شريكة حياته، لا يسحبها إلى الخلف، ولا يسعى لإفشالها، بل يذلل أمامها كل الصعاب لتصل إلى منصات التتويج.

رسالة الجيش

◙ استقبال قادة من الجيش المصري لحميدة وتكريمها صدمة أجبرت الكثيرين على الكفّ عن التنمر على البطلة
استقبال قادة من الجيش المصري لحميدة وتكريمها صدمة أجبرت الكثيرين على الكفّ عن التنمر على البطلة

تتعامل أسرة حميدة معها منذ أن كانت طالبة في الثانوية العامة كبطلة محتملة، حيث كانت تسمح لها بالتدريب طوال الوقت لدرجة أن والدتها اشترت لها جيم كامل في المنزل، وساعدتها على التوازن بين الرياضة والتفوق الدراسي، وعقب زواجها، وفي ذروة غلق النوادي الرياضية وقاعات التدريب خلال فترة الحجر عقب انتشار فايروس كورونا كان زوجها يدرّبها في الشارع، ويقيس لها المئة متر ويحسب لها التوقيت الزمني بالثانية دون أن يعبأ بنظرات الناس إليه واستغرابهم مما يفعله.

تظهر تلك الحكاية إلى أيّ مدى يمكن للمرأة أن تحقق المعجزات، وتكسر القيود وتحطم العراقيل، طالما أن زوجها وأسرتها خلفها، فالعبرة من المنزل إذا كان المجتمع لديه عداء مطلقا ضد أيّ إنجاز نسائي، ويبحث عن مبرر مقنع أو غير مبرر لتشويه النجاحات التي تحققها المرأة، المهم ألا تصعد ولا تنتصر وتظل قابعة في مكانها.

كان استقبال قادة من الجيش المصري لحميدة وتكريمها والثناء عليها كممثلة لجهاز الرياضة في القوات المسلحة الصدمة التي أجبرت الكثيرين على الصمت والكف عن التنمر على البطلة.

جاء التكريم أكبر من مجرد إجراء واجب تم اتباعه مع نجمة رياضية حققت ميدالية ذهبية في بطولة هامة، بل بمثابة رسالة للجميع بأن بسنت مدعومة من الجيش، لذلك فشجاعتها مستمدة من تربيتها العسكرية.

يبدو أن الرسالة وصلت كما أراد لها الجيش أن تصل بعدما تم نشر صور تكريمها من قادة بالمؤسسة العسكرية وبشكل حمل تهديدا لمن يستهدفونها بالسخرية والتقليل من إنجازها وعليهم أن يصمتوا وإلا ستكون ردة الفعل قاسية، وهو الموقف الذي اعتبره المدافعون عنها جاء في التوقيت المناسب.

◙ إنجاز حميدة الأكبر يبدو أنه تركّز في فضحها للتشدد الفكري وكشفها الستار عن العراقيل التي حالت دون وجود مشاركات نسائية عربية في البطولات الرياضية الكبرى

وصف المتحدث العسكري الرسمي للقوات المسلحة المصرية الإنجاز الذي حققته حميدة بالتاريخي، لأنها أول عداءة مصرية تحقق هذا النجاح بحصولها على الميدالية الذهبية في سباق 100 متر عدو في زمن 11:10 ثانية، وذهبية سباق 200 متر عدو في زمن 22:47 ثانية، مؤكدا أنها كانت ضمن 46 لاعبا ولاعبة من أبناء المؤسسات الرياضية العسكرية التي لها بعثة رسمية بدورة ألعاب البحر المتوسط وحققوا 22 ميدالية ذهبية وفضية وبرونزية.

شبح قطر

بدأت مشوارها مع ألعاب القوى رفقة شقيقها باسم، وخاضت البطولة العربية للشباب بسلطنة عمان عام 2012 لتحقق الميدالية الذهبية في سباق مئتي متر والفضية لسباق مئة متر، واستكملت مشوارها وحصدت ذهبية مئة متر وفضية مئتي متر في البطولة العربية التي استضافتها القاهرة عام 2013، ثم شاركت في بطولة أفريقيا للشباب بعدها بعامين وحلت بالمركز الرابع، ثم فازت عام 2016 بفضية مئي متر بدورة ألعاب المتوسط في تونس تحت 23 سنة.

كان حصول شقيقها باسم على الجنسية القطرية في ذروة الخلاف السياسي بين القاهرة والدوحة نقطة تحول في علاقتها بالاتحاد المصري لألعاب القوى، حيث واجهت شبح الإيقاف بعد اتهامها من وليد عطا رئيس الاتحاد الأسبق بأنها تتهرب من تمثيل اسم مصر في البطولة الأفريقية 2018، لكنها واجهت الموقف بشجاعة، وقدمت ما يفيد أن اعتذارها عن المشاركة كان بطلب من المؤسسة العسكرية التي تنتمي إليها، وبالفعل برّأتها القوات المسلحة من التهمة.

عرض عليها شقيقها الحصول على الجنسية القطرية وخوض البطولات في ألعاب القوى باسم الدوحة، لكنها رفضت وفضّلت أن تلعب ممثلة عن مصر مدى الحياة، وكانت المفارقة أنها كانت أول مصرية تنجح في الصعود لبطولة العالم التي استضافتها قطر قبل عامين.

رغم تعرضها لأكثر من إصابة وسط بطولات كبرى لم تيأس في تحقيق أرقام قياسية ما بين ميداليات ذهبية وفضية واحتلال مراكز متقدمة لدرجة أنها حصدت ذهبيتي 100 متر في 11.12 ثانية، و200 متر في 22.78 ثانية، رغم إصابتها بنزلة معوية قبل بطولة التشيك الدولية خلال شهر مايو الماضي.

بعيدا عن النجاحات الرياضية التي حققتها حميدة في هذه السن الصغيرة، تظل قصة نجاحها الدراسي ملهمة لكل فتيات جيلها، فهي التي تحصلت على تقدير امتياز طوال فترة دراستها بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية، وكانت الأولى على زملائها طوال سنوات الدراسة، وتم تعيينها معيدة، وهو ما لم يشغلها عن انتصاراتها الرياضية لتقدم للمجتمع قصة إلهام تعيد للبسطاء إحساسهم بقيمتهم، وتؤكد أن توافر الإرادة والعزيمة والإصرار كفيل بتحقيق المعجزات على مختلف الأصعدة.

حميدة اقتصت لكل الرياضيات من الفتوى المتشددة التي سبق وأن أصدرتها دار الإفتاء المصرية

 

12