برامج يوتيوب في سوريا تغادر الأستوديوهات لإثارة الجدل الفارغ

"هذا الموقع محجوب في بلدك" عبارة تلاحق السوريين على الإنترنت لكنها لا تشمل يوتيوب.
الاثنين 2021/09/20
برامج ترفيهية لا تعكس هموم السوريين

المحتوى الذي تبثه قنوات اليوتيوب في سوريا رغم أهميته لكسر احتكار الإعلام بات يثير الجدل. وتتهم قناة “نيودوس” الأكثر شعبية في سوريا مثلا بتدوير الأفكار الذكورية وإقناع الجيل الجديد بها.

دمشق - تسبّب برنامج ترفيهي يُبث على يوتيوب في سوريا في حادثة طلاق غريبة في دمشق وسط أصوات تطالب بوضع حد لتلك البرامج.

وقالت العشرات من الصفحات الموالية من بينها “نبض دمشق” و”ماكس دراما” إن فريق منصة “نيودوس” تسبب بطلاق امرأة من زوجها أثناء تصوير حلقة في شوارع دمشق “ما يُعدّ جريمة أخلاقية بحق المجتمع السوري”.

وعن تفاصيل الحادثة، أوضحت أن فريق “نيودوس” طلب من سيدات خلال التصوير الاتصال بأزواجهن والاعتراف بأنهن خائنات. وأبلغت إحدى الشابات زوجها بالمطلوب استجابة لتوجيهات فريق البرنامج ولكن الصدمة كانت عندما أخذ الزوج الموضوع على محمل الجد وانفجر غاضباً. وبحسب المصدر، حاول الفريق التدخل ولكن محاولاته زادت الطين بلة ليتصاعد الجدال ويرمي الزوج عليها يمين الطلاق في الشارع.

وانتابت الصدمة أغلب الأشخاص الموجودين وشرعت الشابة بالبكاء فيما تابع فريق البرنامج التصوير مع شابات أخريات دون أي اكتراث.

قنوات يوتيوب تتوجه لطرح موضوعات خفيفة وهي لا تتطرق لمواضيع عميقة تهم الحياة اليومية للسوريين

وتعالت الانتقادات لهذه النوعية من البرامج التي انتشرت في سوريا وطالب البعض وزارتي الإعلام والداخلية بوضع حد لتجاوزات منتجي تلك البرامج وضبط أنشطتها ولاسيما أن بعضها يسيء للسوريين. فيما انتقد البعض الآخر القائمين على تلك البرامج واقتصار أنشطتها على القضايا الخلافية والمثيرة للجدل وصمتها عن طرح هموم الأهالي اليومية.

وفي وقت تجاوز فيه متابعو بعض قنوات يوتيوب السورية عدد متابعي مواقع وشبكات إعلامية سورية، تبرز أهمية معرفة مدى حضور قضايا تهم السوريين وتلامس حياتهم اليومية في المحتوى المعروض.

وتبتعد منصة “نيودوس”، كغيرها من منصات الإعلام البديل في سوريا، عن طرح أي مواضيع سياسية وإن كانت تمرر بعض الرسائل المبطنة.

وتتوجه أغلبية قنوات يوتيوب لطرح موضوعات خفيفة متعلقة بالحياة اليومية وهم لا يتطرقون بالأصل لقضايا عميقة، لا لقضايا اللاجئين ولا لقضايا أخرى تتعلق بالسياسة أو الحريات العامة”.

وينتقد صحافيون ما تحتويه برامج منصة نيودوس من أفكار ذكورية أو كارهة للنساء، يجب محاربتها بدلاً من التسويق لها، كالحديث عن التحرش اللفظي بوصفه أمراً إيجابياً والإشارة إلى أن النساء “تتقبله”، أو “عدم قدرة النساء على العمل في مناصب إدارية”. ويؤكد مراقبون أن وجود هذه البرامج رغم أنه “ضروري لكسر هيمنة الإعلام الرسمي، فإن ضررها بات أكثر من نفعها”، مشيرين أنه “لا قيمة لكل ما تقدمه ‘نيودوس’ طالما أنها تعيد تدوير ذات الأفكار الذكورية البالية لإقناع الأجيال الجديدة بها”.

وتغادر كاميرا برامج يوتيوب أسوار الاستوديو وتنطلق إلى الشارع لجمع استطلاعات الرأي أو للإيهام بالاهتمام بهموم الناس.

وفي ظل حظر معظم المواقع الإخبارية وغيرها في سوريا، أصبحت منصة “يوتيوب” منبرًا للكثير من السوريين، الذين وجدوا فيها متنفسًا وفسحة للتعبير عن أفكارهم وعرضها على الجمهور دون أي قيود، فحقق بعضهم نجاحًا وشهرة، واستطاع الدخول إلى بيوت الكثير من السوريين عبر نوافذ هواتفهم المحمولة.

برنامج ترفيهي على يوتيوب يعبث بحياة الناس
برنامج ترفيهي على يوتيوب يعبث بحياة الناس

لا يمكن حصر أسباب دخول الشباب فضاء يوتيوب، وبينما تبدو في أبرزها سعيًا وراء الشهرة والنجومية أو وراء المال، يهدف بعضهم إلى تقديم الفائدة، وتبعًا لذلك فإن المحتوى الذي قدمه السوريون كان متنوعًا إلى درجة كبيرة، إلا أن تقديم المقاطع الكوميدية كان السمة الغالبة، التي يلحظها أي باحث عن القنوات السورية في المنصة.

وفي وقت يتجاوز عدد متابعي بعض قنوات يوتيوب في سوريا عدد متابعي مواقع وشبكات إعلامية سورية، تبرز أهمية معرفة مدى حضور قضايا تهم السوريين وتلامس حياتهم اليومية في المحتوى المعروض.

وتلاحق عبارة “هذا الموقع محجوب في بلدك”، السوريين على الإنترنت. ولكن ذلك لا يمنع من الإضاءة على نقطة إيجابية وحيدة للحجب وهي القدرة على “مشاهدة يوتيوب لساعات متواصلة من دون توقف لثانية واحدة” لعدم وجود أي إعلانات تستهدف السوريين. ويقول الخبير التقني السوري محمّد حبش (35 عاما) من دمشق “نعيش كأننا في قوقعة معزولة عن العالم الخارجي.. جعلت جيلاً كاملاً من الشباب متأخراً تكنولوجياً عن أقرانه”.

ولم يكن بإمكان عمالقة الإنترنت كأمازون وآبل وغوغل، حتى قبل اندلاع النزاع عام 2011، العمل بحرية في دمشق بسبب عقوبات أميركية حظرت تصدير أو بيع أو توريد السلع والبرامج والتكنولوجيا والخدمات دون موافقة الحكومة الأميركية.

خلال سنوات الحرب، زادت وتيرة العقوبات وبالتالي المواقع المحظورة. ويطال التقييد التقني حالياً مواقع عدة بينها “كورسيرا” المتخصص في التعليم و”نتفليكس” أشهر منصة للأفلام والمسلسلات ومواقع “أمازون” و”أبل ستور” و”غوغل ستور” وتطبيق “تيك توك” وسواها. ويضيف حبش “لا يستطيع السوريون التعامل مع أي خدمة أجنبية عبر الإنترنت، سواء في مجال التعليم أو التجارة الإلكترونية أو الترفيه”.

ومع تفشي كوفيد -  19، بدأت معالم الحظر تتوضّح أكثر، وفق حبش. وتُعدّ سوريا واحدة من أربع دول في العالم لا تتوفر فيها خدمات نتفليكس، وواحدة من خمس دول فقط لا يتوفر فيها تطبيق زوم، الذي تحوّل خلال العام الماضي مع التزام الحجر المنزلي من مجرد خدمة لندوات الفيديو إلى أداة محورية في الحياة المهنية والمدرسية والاجتماعية.

في وقت تجاوز فيه متابعو بعض قنوات يوتيوب السورية عدد متابعي مواقع وشبكات إعلامية سورية، تبرز أهمية معرفة مدى حضور قضايا تهم السوريين وتلامس حياتهم اليومية في المحتوى المعروض

وإلى ورشة صغيرة في دمشق، يتردّد حبش ليُساعد صاحبها ببعض شؤون الصيانة. محاطاً بقطع تبديل وأجهزة إلكترونية، يُحاول كسر أحد القيود المفروضة على موقع كورسيرا التعليمي عبر تحميل برنامج لإلغاء الحظر (بروكسي). ويشرح “هناك حلول التفافية كاستخدام بروكسي، لكنها ليست ناجحة دائماً.. يمكن للبروكسي أن يدفعك خطوة نحو الأمام، لكن بعد ذلك لن ينفع هذا الحل أيضاً”.

وإذا كانت الحلول قد تنجح في تشغيل زوم أحياناً، لكنها لا تنفع مع منصات أخرى كنتفليكس، وهو ما يفسّر الإقبال الكثيف على محلات بيع الأقراص الصلبة المقرصنة لتعوّض عن غياب الأفلام المحجوبة.

ويحظر بعض المواقع بينها تويتر على السوريين التسجيل برقم سوري، ما قد يدفع الراغبين باستخدامه إلى وضع أرقام من دول أجنبية وتفعيلها بعد التواصل مع أصدقائهم المقيمين في تلك الدول.

ولا يمكن للسوريين بأي طريقة التمتّع بالتسوّق عبر الإنترنت، في عمليه يشبّهها حبش بـ”المهمة المستحيلة”. ويضيف “لا مجال هنا لأي نشاط أو تجارة إلكترونية.. لا بيع ولا شراء”.

وحتى يتمكّن من شراء جهاز عرض إلكتروني يساعده في تقديم محاضراته، بذل حبش مع أصدقاء خارج سوريا جهداً كبيراً.

وتطلب الأمر أن يتواصل مع صديق في لبنان، تولّى عملية الشراء عبر أمازون. واستغرق وصولها إلى لبنان ثلاثة أشهر تقريباً. ومع القيود على السفر وإجراءات الإغلاق العام حول العالم للحد من انتشار كورونا، بات الاعتماد أكبر على منصات الإنترنت وتطبيقاته من أجل عقد مؤتمرات واجتماعات وورش عمل في المجالات كافة.

18