بتكوين تتقلب بموازاة بوصلة عملة فيسبوك

اتسع نطاق تقلب عملة بتكوين والعملات المشفرة الأخرى بموازاة الجدال المشتعل بشأن مشروع عملة فيسبوك التي تعرضت الجمعة إلى هجمات كثيرة، والتي يبدو أن فرص نجاحها أو فشلها ستحدد مستقبل العملات المشفرة.
لندن - كشفت التقلبات الكبيرة لسعر عملة بتكوين المشفرة عن مدى ارتباطها بمتابعة المتعاملين لمواقف السياسيين والسلطات المالية التقليدية من خطط إصدار عملة فيسبوك الرقمية المقرر إطلاقها في العام المقبل.
وقد صدرت الجمعة تعليقات كثيرة بشأن عملة فيسبوك “ليبرا” من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي جيروم باول وكذلك من أحد أعضاء لجنة السياسة المالية في البنك المركزي الأوروبي.
وانعكس ذلك في تقلبات واسعة في العملات المشفرة، التي يبدو أن مصيرها أصبح مرتبطا بخطط عملة فيسبوك، التي يشرف عليها اتحاد يضم 20 مؤسسة عالمية تمتد من شركات الاتصالات إلى التجارة الإلكترونية ومؤسسات بطاقات الائتمان.
ويختزل ذلك النطاق الواسع لتذبذب عملة بتكوين في يوم واحد والذي قارب نحو 20 بالمئة بين الارتفاع والانخفاض، حيث قارب سعرها في بداية التعاملات نحو 12 ألف دولار، انحدرت بعدها إلى نحو 9300 دولار لتواصل التقلب بين لحظة وأخرى وفق تقلب التكهنات بشأن مستقبل عملة فيسبوك.
كما تقلبت جميع العملات الرقمية الأخرى مثل اثيريوم وريبل بمستويات مماثلة.
وكانت العملات المشفرة قد اكتسبت زخما كبيرا إذ ارتفعت بتكوين بنحو 45 بالمئة من الكشف عن خطط فيسبوك الشهر الماضي، لكنها تراجعت مع تزايد الهجمات على خطط إصدار ليبرا من قبل السياسيين والمشرعين والسلطات النقدية، وخاصة في الولايات المتحدة.
وكان سعر بتكوين قد تضاعف أكثر من مرتين منذ بداية العام الحالي. لكنها لا تزال بعيدة عن ذروتها، بعد أن فقدت العام الماضي أكثر من 80 بالمئة من قيمتها.
وتراجعت بتكوين بشكل مفاجئ بعد دعوة رئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) إلى وقف مشروع عملة فيسبوك المشفرة لحين معالجة مخاوف تتعلق بقضايا مثل الخصوصية وغسل الأموال.
وجاءت تصريحات باول خلال شهادة بشأن السياسة النقدية، أدلى بها أمام لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب الأميركي، الذي طالب عدد من المشرعين فيه أيضا بإيقاف خطط إصدار العملة فورا ووجهوا دعوة لمسؤولي فيسبوك للإجابة على أسئلة تتعلق بمخاطرها على النظام المالي التقليدي.
وقال كريج ايرلام محلل الأسواق لدى منصة أواندا لتداول الصرف الأجنبي إن التقلبات تمثل “ردا مباشرا على شهادة باول والتعليقات بشأن فيسبوك ليبرا وتداعياتها المحتملة على كامل مستقبل العملات المشفرة”.
وأكد باول أمام لجنة الكونغرس أن “ليبرا تثير الكثير من المخاوف المهمة بشأن الخصوصية وغسل الأموال وحماية المستهلكين والاستقرار المالي”. وأضاف أنه لا يعتقد أن المشروع قد يمضي قدما ما لم تتم معالجة تلك المخاوف.
وتفاقم المشهد بعد ساعات حين انتقد الرئيس الأميركي بتكوين وعملة فيسبوك الرقمية وطالب بأن تسعى الشركات إلى ميثاق مصرفي وأن تُخضع نفسها للقواعد التنظيمية الأميركية والعالمية إذا كانت ترغب في أن “تصبح بنكا”.
وكتب ترامب على تويتر “أنا لست من أنصار بتكوين والعملات المشفرة الأخرى، التي هي ليست أموالا، والتي تتقلب قيمتها بشدة وتستند إلى اللاشيء”.
وأضاف “إذا كانت فيسبوك وشركات أخرى ترغب في أن تتحول إلى مصارف، فإن عليها السعي لميثاق مصرفي جديد وأن تصبح خاضعة لجميع القواعد التنظيمية المصرفية تماما مثل باقي البنوك المحلية والدولية”.
وتحولت القضية إلى محور في الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث هاجم بعض المرشحين خطط فيسبوك. وطالبت أكثر من 30 مجموعة لها صلات بالحزب الديمقراطي بوقف المشروع من أجل التصدي “لقضايا كبيرة” تثيرها الخطة.
ومن المقرر أن يدلي ديفيد ماركوس المسؤول التنفيذي الأول عن جهود طرح عملة ليبرا وبناء قاعدة بيانات تسلسلية مشفرة بشهادته أمام الكونغرس خلال الشهر بشأن المبادرة.
وتتأرجح عملة فيسبوك في غابة من التكهنات والمخاوف منذ الكشف عنها في الشهر الماضي. ويرى محللون أن هذا المخاض سيحدد مستقبل العملات الرقمية، التي قد تأخذ أشكالا أخرى في نهاية المطاف تخضع للسلطات المالية التنظيمية.
وكان عضو المجلس التنفيذي في البنك المركزي الأوروبي بينوا كوريه قد فاقم المخاوف بتحذير الجهات الرقابية المالية من أن عليها التحرك بشكل سريع من أجل الاستعداد لاقتحام عمالقة التكنولوجيا للنظام المالي.
وقال إنه “أمر مفروغ منه عدم السماح لهم بتطوير فضاء تنظيمي لأنشطتهم في مجال الخدمات المالية، لأنه أمر خطير للغاية. يتعين علينا أن نتحرك بسرعة أكبر مما كنا قادرين على القيام به حتى الآن”.
وأضاف أن تطوير العملات الرقمية يكشف عن أوجه قصور في التنظيم الحالي وفشل النظام المصرفي في اعتماد تكنولوجيا جديدة.
وتتمحور المخاوف حول أن العملة يمكن أن تفتح أبواب النظام المالي العالمي على مصراعيه وتقوض أركان السلطات المالية التقليدية وسيادة واستقرار الدول، وخاصة النامية.
ووصف المؤسس المشارك لفيسبوك كريس هيوز إمكانية نجاح عملة فيسبوك بأنها “مرعبة” لأنها ستنقل التحكم بالسياسة النقدية من البنوك المركزية إلى قبضة الشركات الخاصة.
وأضاف “إذا لم تتحرك الهيئات التنظيمية العالمية فورا، فسوف يفوت الأوان” لأن الشركات التي سوف تشرف على العملة الجديدة ستضع مصالحها الخاصة وتعزيز الأرباح والنفوذ، فوق المصالح العامة.