احتفاء بحياة حامد سرحان

كان حامد سرحان طريفا ومرحا بطريقة فريدة في كل لحظة لأنه يرصد ما حوله بانتباه متفرج محايد ويطلق تعليقاته وتفاعله من وحي رؤيته الخاصة في تلك المواقف.
السبت 2020/09/26
دعوة للاحتفال بحياة حامد سرحان الغنية وآثاره الفريدة

تسترعي انتباهي دائما تقاليد بعض الشعوب، التي تحتفي بحياة الراحلين وتروي مآثرهم وطرائف مواقفهم، بدل النواح والبكاء وتكرار طقوس وكلمات ليست لها علاقة مباشرة بحياة الراحل ولا تحتفي بالأثر الذي تركه في حياة الآخرين.

ويصل الأمر لدى بعض الشعوب إلى حد الاحتفال البهيج بحياة الراحلين.

وهنا أود الاحتفال بحياة أحد المؤثرين في حياتي، وهو صديقي وأخي حامد سرحان، الذي رحل عن عالمنا هذا الأسبوع عن 49 عاما متأثرا بعاصفة كورونا التي تجتاح العالم.

على مدى تاريخ الإنسان على هذا الكوكب، لم يكن الأشخاص الاستثنائيون، الذين لحياتهم نكهة فردية متميزة، يمثلون سوى نسبة ضئيلة من السكان، وهم الذين يبثون لمسات نوعية فريدة في حياة المحيطين بهم.

في المقابل هناك أغلبية واسعة بلا ملامح فردية، تردد قناعات عامة هي محصلة علاقاتهم المشتركة في كيان اجتماعي واحد.

في كل زمان ومكان يندرج معظم البشر ومن كافة المستويات الاجتماعية والتعليمية والوظيفية في الماكنة الاجتماعية. يعبرون عنها وليس عن أنفسهم، أي أنهم يشعرون بالعالم من خلال مقاييس المجتمع وليس من خلال حواسهم وتفكيرهم الشخصي.

أما الأشخاص الاستثنائيون فإنهم يشعرون بالعالم من خلال حواسهم الشخصية. وتصدر عنهم مواقف وآراء طازجة من وحي اللحظة ومن تفاعلهم الفردي المباشر مع ما يدور حولهم.

كان حامد سرحان من أندر هؤلاء الأشخاص. كان طريفا ومرحا بطريقة فريدة في كل لحظة لأنه يرصد ما حوله بانتباه متفرج محايد ويطلق تعليقاته وتفاعله من وحي رؤيته الخاصة في تلك المواقف.

كانت صحبته طريفة ومفاجئة في كل لحظة لأنه غير مروض في أي قوالب وخارج جميع التوقعات الجاهزة. ويستطيع دائما أن يأخذ الجميع إلى زاوية نظر مختلفة لم تخطر على بال أحد.

في أي لحظة روتينية، يمكنه أن يمزج عناصر ودلالات كثيرة في طرفة ذكية تفجر البهجة وترسل أكثر من رسالة خفية.

كانت تعليقاته اللاذعة تقلب المواقف واللحظات رأسا على عقب. وتصفع أحيانا غباء وجمود ما يحدث، بطريقة أنيقة وساخرة تزرع البسمة حتى لدى الشخص المقصود بها.

حين كنت أتأمل مواقف حامد سرحان وتعليقاته وتحليلاته الفريدة، كنت أتساءل دائما: كم أن آثار الأشخاص ومنجزاتهم لا تعكس قدراتهم الحقيقية بل الفرص التي أتيحت لهم؟ وأفكر أيضا بما كان يمكن أن يفعله حامد برؤيته الثاقبة المبهجة، لو وجه طاقته إلى مجال إبداعي ولو كان له دور أكبر ومنصة عالية.

هذه دعوة خاصة لمحبيه إلى الاحتفال بحياته الغنية وآثاره الفريدة في نفوسهم، وهي دعوة عامة إلى الاحتفاء بالراحلين وإبقاء مكانهم في قلوبنا مثيرا للبهجة وليس للحزن.

24