انسداد مسارات التسوية الحالية في سوريا يجبر روسيا على تغيير مقاربتها للحل

استمرار حالة الانسداد السياسي للأزمة في سوريا بات يشكل عبئا ثقيلا على روسيا في ظل موقف غربي ولاسيما أميركي معارض بشدة لنزعة موسكو فرض رؤيتها للحل، وإزاء هذا الوضع فإن الخيارات لا تبدو كثيرة أمام الكرملين ما لم يجر طرح تنازلات تنعش فرص تحقيق توافق دولي أوسع حول الأزمة.
موسكو – أعلنت روسيا استعدادها للعمل ضمن صيغة موسعة لتحقيق التسوية في سوريا، وعن تمسكها بالقرار الأممي رقم 2254، في رسالة بدت موجهة إلى المجموعة الدولية ولاسيما الولايات المتحدة، التي سبق وأبدت تحفظا على احتكار موسكو للعملية السياسية.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في ختام محادثات مع نظيره الإسرائيلي غابي أشكنازي الأربعاء، إن بلاده مستعدة “للبحث ضمن أي صيغة عن سبل تهيئة الظروف الخارجية الكفيلة التي ستسمح للسوريين أنفسهم بتقرير مصيرهم بناء على قرار 2254”.
يأتي كلام الوزير الروسي ردا على اقتراح المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون، مؤخرا بتوحيد مسارات التسوية المتمثلة في “مسار أستانة” و”المجموعة المصغرة” حول سوريا.
وأكد لافروف تمسك “صيغة أستانة” التي تضم كلا من روسيا وتركيا وإيران بمبادئ القرار رقم 2254، “بما فيها حتمية منح السوريين إمكانية التوصل إلى اتفاق في ما بينهم، بعيدا عن أي تدخل خارجي في شؤونهم، وضرورة منع أي محاولات لوضع سلامة سوريا الإقليمية موضع الخطر والتساهل مع نزعات انفصالية”.
وتعكس تصريحات لافروف وفق مراقبين رغبة موسكو في إيجاد أسس جديدة للتسوية في سوريا، في ظل انسداد المسارات الحالية سواء في ما يتعلق بمسار أستانة الذي استوفى موجبات بقائه بشكله الحالي، وأيضا اللجنة الدستورية التي تدور منذ خمس جولات على بدء أعمالها في حلقة مفرغة.
وسبق أن أعرب المبعوث الأممي إلى سوريا خلال جلسة عقدت مؤخرا لمجلس الأمن عن خيبة أمله حيال عدم تحقق أي اختراق في عمل اللجنة الدستورية التي قال إنه ليس من الممكن الرهان عليها بمفردها لتحقيق تسوية للأزمة، التي دخلت عامها الحادي عشر.
روسيا وإسرائيل متفقتان حول تسوية الوضع في سوريا بطرق سياسية في ظل دعم سيادتها وسلامتها الإقليمية
ودعا بيدرسون حينها الأطراف السورية إلى “ضرورة التحلي بالإرادة السياسية المطلوبة لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254″، مؤكدا أن “ذلك لن يتحقق إلا إذا حظيت عملية التسوية بدعم من الدبلوماسية الدولية البناءة (يقصد مجلس الأمن) لأن معظم المسائل المرتبطة بهذا النزاع ليست بأيدي السوريين”.
ويقول المراقبون إن النقطة الأبرز في تصريحات لافروف كانت إشارته إلى القرار رقم 2254 والذي لطالما حاولت روسيا الالتفاف عليه وإفراغه من مضمونه، وينص القرار الذي تم تبنيه بالإجماع في مجلس الأمن في العام 2015 على ضرورة تهيئة الأجواء لتشكيل هيئة حكم انتقالية تتولى مهمة إجراء انتخابات سورية.
ويعتقد المراقبون أن كلام لافروف كان موجها بالدرجة الأولى إلى الإدارة الأميركية التي سبق وأن انتقدت مساعي موسكو احتكار خيوط التسوية في سوريا، وقاطعت حضور آخر اجتماع لمجموعة أستانة بصفة مراقب.
وفيما بدا محاولة لاستدراج الإدارة الأميركية للحديث عن رؤيتها للتسوية السورية، أو موقفها من عرض بيدرسون قال لافروف إنه لا يملك أدلة على أن أطراف “المجموعة المصغرة” التي يريد بيدرسون إشراكها في عملية التسوية متمسكة بالمبادئ نفسها، مشيرا إلى أن خطوات الدول الغربية، وتحديدا الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، تظهر أنها لا تعتبر المبادئ المذكورة مناسبة لها.
وأشار وزير الخارجية الروسي إلى أن بلاده وإسرائيل متفقتان حول ضرورة تسوية الوضع في سوريا بطرق سياسية في ظل دعم سيادتها وسلامتها الإقليمية، مضيفا أنه أطلع نظيره الإسرائيلي على الجهود التي تبذلها روسيا ضمن إطار صيغة أستانة وعبر قنوات أخرى من أجل تسوية الأزمة في سوريا.
وتعد إسرائيل طرفا رئيسيا في الأزمة السورية، وسبق وأن صرحت حكومتها بأنه لا مجال لتجاوز مطالبها ضمن أي حل نهائي للأزمة، ومن بين هذه المطالب انسحاب القوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها، وعلى رأسها حزب الله اللبناني.

وصرح لافروف بأن هناك مؤشرات على إمكانية تحقيق تقدم خلال الجلسة السادسة للجنة الصياغة التابعة للجنة الدستورية السورية. وأوضح أن روسيا تعمل جاهدة مع شركائها في “مسار أستانة” لضمان أن تأتي الجلسة المقبلة بثمارها، مضيفا أن تبادل الآراء الجاري حاليا بين مختلف الفرق المشاركة في عمل اللجنة الدستورية، من شأنه أن يهيئ ظروفا مواتية لجعل المناقشات مثمرة أكثر من تلك التي شهدتها الجولات السابقة.
وأعرب عن ثقته بأن يعلن مبعوث الأمين العام في أقرب وقت موعد إجراء الجلسة المقبلة، مشيرا إلى إمكانية أن يتم ذلك أواخر الشهر الجاري وأوائل أبريل، قبل حلول شهر رمضان.
واعتبر الباحث الزائر في معهد الشرق الأوسط بواشنطن وخبير مجلس الشؤون الدولية الروسي أنطون مارداسوف في مقال لصحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا”، “من الواضح أن روسيا تحاول إعادة الملف السوري إلى المسار الدبلوماسي مرة أخرى… فمن الضروري التفاوض حول المأزق الحالي، كما الحال في 2011-2012، عندما لم تكن روسيا واثقة من مستقبل بشار الأسد. بعد دوران عجلة أستانة في الفراغ واستحالة إعطاء اللجنة الدستورية بنية إصلاحية جدية”.
ويرى معارضون سوريون أن تصريحات لافروف تنطوي على تغير مهم لكن يبقى الأهم هو مدى نية موسكو لتفعيل كلامها على الأرض من خلال الضغط على حليفها الرئيس بشار الأسد لتقديم تنازلات.
ورغم إعلان دمشق عن عزمها إجراء انتخابات رئاسية في موعدها أي بين 16 أبريل و16 مايو، بيد أنه إلى الآن لم تعلن أي شخصية سورية بما في ذلك الرئيس الأسد عن ترشحها للاستحقاق، كما أنه إلى الآن لم تبرز أي تحضيرات أو استعدادات لهذا الاستحقاق في خطوة يربطها البعض بحالة التردد الروسي، في ظل الموقف الغربي المتشدد حيالها.