اندفاعة أردنية محسوبة صوب قطر "المعزولة"

عمان – يراهن الأردنيون على القمة التي يعقدها الملك عبدالله الثاني مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في عمان علها تثمر دعما ماليا واستثماريا مجزيا يخفف حدة الأزمة الاقتصادية التي تتخبط فيها المملكة منذ سنوات دون أن تجد الوصفة المثلى لعلاجها.
ويقوم أمير قطر، الأحد، بزيارة إلى الأردن وسط تسريبات تتحدث عن أنها ستمتد ليوم بعد أن كانت مقررة لمدة ست ساعات. وتأتي هذه الزيارة في وقت يواجه فيه كلا البلدين أوضاعا معقدة، ويحاول كل طرف أن يجد في الآخر سندا يمكن الاتكال عليه علّه يجد متنفسا يخفف عنه وطأة ما يمر به.
وشدد السفير القطري في الأردن، سعود بن ناصر بن جاسم آل ثاني، الأربعاء، على أهمية الزيارة التي سيقوم بها الشيخ تميم بن حمد إلى الأردن “والتي تأتي بدعوة من الملك عبدالله الثاني، وتتويجا لمسيرة العلاقات الثنائية وتعزيز التنسيق والتشاور بين البلدين تجاه مختلف القضايا، وفتح آفاق جديدة للتعاون المشترك”.
واعتبر أن العلاقات الأردنية القطرية تشهد نقلات كبيرة وفارقة تضاف إلى سجل العلاقة الوطيدة بين البلدين، واصفا هذه العلاقات بأنها “مميزة”، ولفت السفير القطري إلى توسع نطاق التعاون السياسي والاقتصادي في الأشهر الأخيرة على أمل أن يبلغ “مراحل استراتيجية”.
واستبقت وسائل الإعلام الأردنية والقطرية (الحكومية والخاصة) هذه الزيارة التي هي الأولى للشيخ تميم بن حمد إلى الأردن منذ العام 2014 مشيدة بعمق العلاقات الثنائية، ومثنية على جهود القيادتين وتعاونهما في “قضايا مصيرية تهم الأمة العربية”، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وشهدت العلاقات بين قطر والأردن في الأشهر الماضية تطورا ملحوظا مع عودة العلاقة الدبلوماسية إلى سالف عهدها بعد “تخفيض عمان تمثيلها الدبلوماسي” لأكثر من عامين على خلفية الأزمة الخليجية. وسمى الأردن في سبتمبر الماضي زيد اللوزي الذي كان يشغل منصب الرجل الثاني في وزارة الخارجية الأردنية، سفيرا فوق العادة لدى الدوحة، في المقابل عينت قطر سعود بن جاسم آل ثاني سفيرا لها في عمان بذات الرتبة.
ويقول مطلعون على المطبخ الأردني إن العلاقات القطرية الأردنية لم تنقطع يوما رغم إعلان عمان تخفيض تمثيلها الدبلوماسي في 2017 وغلق مكتب قناة الجزيرة، معتبرين أن عمان كانت اتخذت ذلك الموقف في ما بدا “مجاملة” للدول التي أعلنت فعليا القطيعة مع قطر على خلفية توجهات الأخيرة المثيرة للقلق.
وتقاطع كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين قطر بسبب إصرارها على دعم جماعات راديكالية وتقاربها مع دول لها أطماع في المنطقة مثل إيران وتركيا. وقد أدت هذه المقاطعة إلى عزلة الدوحة وتراجع دورها بشكل ملموس على الخارطة السياسية في المنطقة.
وفي محاولة لإنعاش هذا الدور وكسر عزلتها التي جعلتها في حالة تبعية خاصة لتركيا، تسعى الدوحة اليوم لاستمالة بعض الدول العربية مستغلة حاجتها الاقتصادية، على غرار الأردن.
وتخشى أوساط سياسية أردنية أن تصيب هذه الزيارة علاقة المملكة بالدول المقاطعة وخاصة السعودية والإمارات اللتين يخشى من أن تنظرا لهذا التطور على أنه خطوة نحو استمالة عمان للمحور القطري التركي، بيد أن محللين يستبعدون هذا الأمر مشيرين إلى أن هناك تفهما من كلا الدولتين لوضع الأردن.
ويستدل المحللون على ذلك بالزيارة التي قام بها السفير السعودي نايف بن بندر السديري إلى مجلس الأعيان الأردني، الأربعاء، ولقائه المطول مع رئيس المجلس فيصل الفايز حيث شدد خلاله الطرفان على عمق العلاقات الاستراتيجية الأردنية السعودية في مختلف المجالات وخاصة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقال السفير السعودي إن “الرياض تدرك حجم التحديات الاقتصادية التي تواجه الأردن، لهذا فإن هناك جملة من المشاريع تجري دراستها الآن من قبل الشركة التي أنشأها صندوق الاستثمار الأردني السعودي برأس مال ثلاثة مليارات دولار، ليصار إلى تنفيذه في الأردن، في مجالات البنى التحتية وسكك الحديد، ومشاريع أخرى، وبقيمة تزيد عن رأس مال الشركة المنشئة”. ولفت السديري إلى أن هذا الأمر يؤشر على أن الصندوق المشترك بدأ يعمل، وستكون له نتائج إيجابية على البلدين، مبينا أن الصندوق يركز عمله على المشاريع المشغلة للأيدي العاملة المستدامة.
وكان الملك عبدالله الثاني وقع خلال زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، إلى الأردن في العام 2017 على عقد التأسيس لشركة الصندوق السعودي الأردني للاستثمار، والذي يهدف إلى خلق العديد من الفرص الاستثمارية في قطاعات حيوية مختلفة في الأردن بقيمة 3 مليارات دولار.
وتعكس تصريحات السفير السعودي تفهما لتحركات الأردن الذي ما انفك يؤكد مؤخرا عبر منابر إعلامية قريبة منه على تمسكه بإقامة علاقات متوازنة مع جميع الدول العربية، فيما بدا رسالة بأن العلاقات مع الدوحة لا تعني بالمطلق نيته الانصهار ضمن المحور القطري التركي.
وتقول دوائر سياسية عربية إن الحديث عن أن زيارة الشيخ تميم إلى عمان ستركز أساسا على الملف الفلسطيني وكيفية مواجهة خطة السلام الأميركية المعروفة بصفقة القرن ينطوي على الكثير من المبالغة، إن لم يكن مغالطة، ذلك أن الجانبين يدركان أن هذا الملف يتجاوزهما، وأنه باستثناء إلقاء عبارات من قبيل التمسك بالثوابت الفلسطينية (دولة مستقلة عاصمتها القدس الشرقية) وتأكيد قطر على دعم الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس فإن المواطن الفلسطيني والعربي عموما لن ينتظر المزيد.
وكانت قطر أعلنت عن ترحيبها بجهود السلام الأميركية وإن شددت على موقفها الداعم لمطالب الفلسطينيين، على إثر إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يناير الماضي عن خطته للسلام التي تنسف الأسس السابقة، والموقف القطري ينسحب على مواقف معظم الدول العربية.
وتلفت الدوائر السياسية إلى أن المغزى الأساس من الزيارة هو أن قطر تبحث عن دعم سياسي في مواجهة أزمتها مع محيطها العربي، وهي مستعدة لأن تقدم دعما اقتصاديا وماليا للمملكة في هذا الإطار.
ويواجه الأردن منذ سنوات أزمة اقتصادية خانقة حيث تجاوزت المديونية سقف 30 مليار دينار، وارتفعت نسب البطالة إلى 19 في المئة، مع تآكل مستمر للطبقة المتوسطة (أقل من 15 في المئة من عدد السكان).
وتسعى الحكومة الأردنية بقيادة عمر الرزاز إلى تخفيف عمق الأزمة من خلال إقرار خطط لتحفيز الاقتصاد. وقد أطلقت الحكومة منذ العام الماضي 5 حزم اقتصادية بيد أن المواطن لم يلمس أي تحسن يذكر، وسط مؤشرات اقتصادية سلبية على المديين القريب والمتوسط.
ويقول خبراء اقتصاد إن ضخ قطر أو غيرها من الدول العربية لأموال واستثمارات في الأردن إن حصل فعلا قد يساعد على تخفيف الأزمة لكن ذلك لن يحل المشكلة جذريا حيث أن هناك حاجة لإرادة داخلية تعيد صياغة المنظومة الاقتصادية وإعادة التركيز على القطاعات الإنتاجية التي شهدت عملية ضرب واستنزاف ممنهج طيلة العقود الماضية.