انتصارات في واشنطن ومؤامرات في مضيق جبل طارق: المغرب ينتصر

بكل وضوح، بدأت خيوط المؤامرة تتكشف، وتشابكت مسارات الدسائس، بينما تحركت عناصر الطابور الخامس بشكل متناغم ومتناسق. هؤلاء لا يخفون ولاءهم لبعض الدوائر الدولية أو الإقليمية، ويدفعون بسيناريو واحد عنوانه العريض “التضييق على الأصوات الحرة والنضال لأجل حرية التعبير،” مع دعم ومساندة الشعب الفلسطيني، ولو بالعمل خارج منطق الجغرافيا والتاريخ، والإضرار بالاختيارات الإستراتيجية للوطن.
يتضمّن هذا التحرك استهدافًا غير مباشر للوحدة الترابية للمملكة المغربية، خاصة في زمن الهزائم الجزائرية والانفصالية على جميع المستويات. تجسّد تراجع الأطروحة الانفصالية والهزيمة المدوية للمشروع الجزائري في مخرجات الجلسة المغلقة الأخيرة لمجلس الأمن بشأن النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية.
وتعزز ذلك بالتأكيد الأميركي بعد الزيارة الناجحة لوزير الخارجية المغربي إلى واشنطن ولقاءاته مع قيادات الإدارة الأميركية، إلى جانب توالي الاعترافات الدولية، خاصة الموقف الفرنسي وقبله الإسباني الداعمين للمملكة المغربية وسيادتها على الأقاليم الجنوبية.
كما انتقلت المطاردة الدبلوماسية المغربية لفلول بوليساريو إلى ساحة سياسية وحقوقية إستراتيجية في الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي. أُطلق مسار جديد للترافع المغربي حول مغربية الصحراء، شمل إدراج ميليشيا بوليساريو في قوائم الإرهاب العالمية، ممّا أدى إلى سقوط وتهاوي قلاع الميليشيا الانفصالية تباعًا في عواصم أميركا اللاتينية.
◄ المغرب أظهر من خلال عمله السابق على بناء علاقات قوية مع الجانب الإسرائيلي وفق قواعد دبلوماسية واضحة أنه يمكنه لعب أدوار طلائعية وفاعلة في سبيل إنجاح فرص السلام في الشرق الأوسط
شهد المشروع التوسعي الجزائري في الساحل الأفريقي انهيارًا كبيرًا، بعد الصفعة الدبلوماسية التي وجهتها دول الساحل مجتمعة إلى الجزائر. وفي الوقت نفسه، عزز التموقع المغربي المتميز في أفريقيا، خاصة بعد تقديم المملكة المغربية المبادرة الملكية لتعزيز ولوج دول الساحل إلى الواجهة الأطلسية كطريق تنموي مستدام لشعوب المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، انخرطت دول غرب أفريقيا بشكل واسع في المشروع الهيكلي لأنبوب الغاز المغرب – نيجيريا، وهي مؤشرات يعتبرها العقل الشمولي في الجزائر العاصمة تطويقًا جيوسياسيًا مغربيًا للجزائر من الجنوب.
كل هذه التطورات أزعجت بشكل كبير الدوائر المعادية للمملكة المغربية، سواء في الجزائر العاصمة أو طهران أو عواصم أخرى. حيث تم إعلان “الحرب السياسية” على المملكة المغربية من خلال اعتماد إستراتيجية متقادمة لنقل المعركة إلى أرض العدو. تم ذلك عن طريق إعادة ترتيب الأولويات وفق مخطط يستهدف استقرار المملكة المغربية، باستخدام أدوات خبيثة تشمل مدونين ويوتيوبرز وأشباه مناضلين وانفصاليين وبقايا اليسار ومتلاشيات حركة عشرين فبراير ومريدي الجماعة المحظورة.
يهدف هذا المخطط إلى بناء خط تراكمي للوقفات الاحتجاجية في تكتيك يستهدف تحقيق الحشد الجماهيري والتأثير على الرأي العام. يتم ذلك من خلال مظاهرات لمناصرة حركة حماس والمشروع التوسّعي الإيراني بالدرجة الأولى، لخلق وضع حقوقي متردٍ يُدبَّج في التقارير الحقوقية المزيفة والملفات المشبوهة.
وبكل مسؤولية، أؤكد أن محاولة استهداف الأنشطة التجارية لموانئ المملكة المغربية من خلال الحركات الاحتجاجية أو التظاهر، تحت أيّ مبرر كان، لا يقل خطورة عن استهداف الميليشيات العسكرية الإيرانية للملاحة التجارية في مضيق باب المندب أو مضيق هرمز. بل يمكن اعتباره تنفيذًا غير مباشر لتهديدات الجنرال محمد رضا نقدي، نائب منسق الحرس الثوري الإيراني، بإغلاق البحر الأبيض المتوسط ومضيق جبل طارق في وجه حركة الملاحة البحرية.
بالحديث عن أهمية مضيق جبل طارق، فهو يمثل نقطة جيوسياسية إستراتيجية ذات أهمية عسكرية وحيوية واقتصادية كبيرة لمختلف المحاور الدولية والقوى الإقليمية. يعبر المضيق حوالي 150 ألف قطعة بحرية سنويًا، أي بمعدل 400 قطعة يوميًا، وهو ما يعادل سدس التجارة العالمية.
تُعتبر الهيمنة على البحار والمضائق الإستراتيجية، مثل الخليج العربي والبحر الأحمر ومضيق هرمز، من الثوابت الأساسية للسياسة الإيرانية.
على سبيل المثال، في 21 يونيو 2021، أرسلت البحرية الإيرانية السفينة اللوجستية “مكران” والمدمرة “سهند” إلى مياه المحيط الأطلسي، حيث وصلت إلى موانئ فنزويلا. استفادت إيران من الوضع الدولي الذي يسمح لها بالعبور في مياه مضيق جبل طارق دون الحاجة إلى إبلاغ الدول المجاورة، مثل إسبانيا والمغرب، مما يعزز قدرتها على التغلغل وبناء تحالفات إقليمية.
◄ المشروع التوسعي الجزائري في الساحل الأفريقي شهد انهيارًا كبيرًا، بعد الصفعة الدبلوماسية التي وجهتها دول الساحل مجتمعة إلى الجزائر
بالتالي، فإن التهديد الإيراني لمضيق جبل طارق هو مسألة إستراتيجية بالنسبة إلى نظام الولي الفقيه، وليس مجرد تكتيك يهدف من خلاله إلى تحقيق تقدم في مفاوضاته النووية مع الغرب. بل هو، كما تشير القرائن والدلائل، جزء من مخطط إيراني بعيد المدى يستهدف بناء مجتمع شيعي مغربي على شاكلة جبل عامل والضاحية الجنوبية بلبنان، موالٍ للولي الفقيه في شمال المغرب، وخاصة في المنطقة المطلة على مضيق جبل طارق.
هنا تتضح الصورة، وقد نجد إجابة لسؤال طالما طرح نفسه: لماذا فضّلت عناصر “الخط الرسالي” و”هيئة الإمام الشيرازي”، المعروفة سابقًا بـ”هيئة شيعة طنجة”، الاستقرار في طنجة بدرجة أساسية، وفي الناظور بدرجة أقل؟ ولماذا تتركّز أغلب عمليات الاستقطاب في المدينتين وضواحيهما؟ وما علاقتها بالخطة الخمسينية لنظام الولي الفقيه؟ وهل هذه التنظيمات الشيعية المغربية جزء من هذه الخطة وتسعى لتنزيلها في المملكة؟
كما أن الملحق الثقافي للسفارة الإيرانية في بروكسل لعب دورًا كبيرًا في نشر التشيع بين الجالية المغربية، من خلال دعم وتمويل جمعيات دينية ودعوية في بروكسل وبلجيكا.
في 21 سبتمبر 2021، عشية الانتخابات التشريعية المغربية، نشر أمير الموسوي، مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والعلاقات الدولية في طهران والملحق الثقافي للسفارة الإيرانية في بروكسل والجزائر، تدوينة عبر حسابه في فيسبوك يدعو فيها المغرب إلى قطع علاقاته مع إسرائيل وتطبيع علاقاته مع الجزائر وإيران.
هذا التصريح يؤكد أن المطالب الحالية لتجميد العلاقات المغربية – الإسرائيلية هي مطالب إيرانية بالأساس، ولا علاقة لها بمواقف الشعب المغربي الأصيل تجاه القضية الفلسطينية.
اليوم، الجماعة المحظورة، من خلال تنسيقيات دعم حركة حماس التي تشرف على قيادتها، هيكلتها وتمويلها بمشاركة فلول يسارية متهالكة، أظهرت توجهًا مغايرًا لقواعد الاشتباك السياسية والمدنية المتعارف عليها في ظل مرحلة سياسية دقيقة يمرّ منها العالم.
كما قرّرت رفع سقف تحركاتها في تقاطع مع مخططات الحرس الثوري الإيراني بمحاولة اقتحام ميناء طنجة الترفيهي، الذي يبعد أكثر من 50 كيلومترًا عن ميناء طنجة المتوسط، حيث تدّعي بعض الدوائر المعروفة توقف سفينة شحن محملة بأسلحة أميركية موجهة إلى إسرائيل.
فيما يتعلق بمواقف المغرب من القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فلها منطلقات أساسية ومركزية مرتبطة بالموقف الراسخ والالتزام الدائم للمملكة بالدفاع عن القضايا العادلة في الملف الفلسطيني.
تُظهر المملكة التزامها بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة التاريخية التي يعيشها، من خلال دعم جهود السلام لإنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي من منظور واقعي رصين، بعيدًا عن البروباغندا والاستعراض السياسي، خدمة لأجندات إقليمية أو انتخابية ضيقة.
◄ أُطلق مسار جديد للترافع المغربي حول مغربية الصحراء، شمل إدراج ميليشيا بوليساريو في قوائم الإرهاب العالمية، ممّا أدى إلى سقوط وتهاوي قلاع الميليشيا الانفصالية تباعًا في عواصم أميركا اللاتينية
وهذا الالتزام يعكس المواقف التاريخية الراسخة للمملكة المغربية، التي تدعو إلى حل سلمي عادل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وفق قرارات مجلس الأمن والشرعية الدولية، والتي تدعو إلى قيام دولة فلسطينية بحدود يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
الجهود الدبلوماسية المغربية، وفق التوجيهات الملكية، تُموْقِعُ المغرب كقوة إقليمية فاعلة في محيطها الإقليمي والإسلامي. وتؤكد استعدادها اللامشروط لاستثمار حضورها المتميز وشبكة علاقاتها في تعزيز فرص السلام والأمن.
حيث أظهر المغرب من خلال عمله السابق على بناء علاقات قوية مع الجانب الإسرائيلي وفق قواعد دبلوماسية واضحة أنه يمكنه لعب أدوار طلائعية وفاعلة في سبيل إنجاح فرص السلام في الشرق الأوسط، بفضل عوامل رئيسية، أهمها المصداقية والمسؤولية والوضوح التي تميز الدبلوماسية المغربية.
كما أن الحضور الدائم للمغرب في النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي يتجلى من خلال ترؤس العاهل المغربي الملك محمد السادس لجنة القدس، التي تعكس حرصه على حماية المقدسات الإسلامية والمسيحية واليهودية في القدس الشريف والأراضي الفلسطينية.
هذه المواقف المغربية تقطع الطريق أمام مروّجي الفكر العدمي والتيئيسي داخل الوطن وخارجه، بالإضافة إلى الدوائر الإقليمية والدولية التي تستخدم الدم الفلسطيني المسفوك في غزة كوقود لتحقيق طموحات جيوسياسية إقليمية.
ويؤكد هذا الالتزام على نجاعة الدبلوماسية الملكية في مجال الوساطة الدولية ومدى الاحترام الكبير الذي يكنه مختلف الفرقاء للملك محمد السادس كرجل للسلام.