انتخابات نقابة الأطباء تترجم اختفاء الحراك السياسي في مصر

القاهرة - أعلنت نقابة الأطباء في مصر نتائج انتخابات التجديد النصفي الأحد وسجلت لأول مرة عزوفاً كبيرا من الناخبين والمرشحين على عكس اقتراعات سابقة شهدت منافسة محتدمة بين قوائم محسوبة على الحكومة وأخرى مدعومة من المعارضة، ما أدى لغياب الحشد من قبل أي من التيارات السياسية بعد إنهاء سيطرة جماعة الإخوان عليها، وإعلان ما يسمى بـ”تيار الاستقلال” مقاطعة الانتخابات.
وحسب بيانات اللجنة المشرفة على الانتخابات بلغ عدد المشاركين في الانتخابات على مستوى النقابة العامة والنقابات الفرعية في المحافظات 11 ألف و873 طبيبا من إجمالي 291 ألف طبيب مسجلين في قوائم النقابة، أي أقل من 3 في المئة.
وتذيلت القاهرة نسبة حضور أعضائها بنسبة لم تتجاوز 1 في المئة فيما حظيت محافظة الفيوم، في جنوب غرب القاهرة، بأعلى نسبة بلغت 26 في المئة.
وانتهت الانتخابات بفوز قائمة “المستقبل” غير المحسوبة على أي من التيارات السياسية بعشر مقاعد بالنقابة العامة من إجمالي 12 مقعداً، وحصدت القائمة ذاتها على غالبية المقاعد الفرعية في المحافظات.
وعبرت انتخابات نقابة الأطباء عن حال المشاركة السياسية المتدنية في مصر بعد أن سجلت الانتخابات التشريعية بغرفتيها الشيوخ والنواب العام الماضي عزوفًا واسعًا أيضًا من الناخبين، وبدا أن هناك حالة من الخمول العام تجاه الاقتراع وفقدان الثقة في جدواه، وهي ظاهرة لم تكن مألوفة في مصر.
وشكلت النقابات المهنية بديلاً فاعلاً للأحزاب السياسية التي تحولت إلى كيانات كرتونية، وتعرضت كوادر نقابية عديدة لانتقادات بعد أن خلطت بين أدوارها الخدمية التي تقدمها للأعضاء وتوظيفها لصالح تيارات سياسية معينة.
وانتقل الصراع بين الحكومة وأطراف معارضة مختلفة إلى مقار النقابات التي شهدت مظاهرات واحتجاجات في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك رفعت مطالب مهنية مغلفة بأبعاد وأغراض سياسية، ما جعل التضييق يشمل النقابات.
وأوضح الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية عمرو هاشم ربيع أن إصرار الحكومة على غلق الفضاء العام وعدم تقديم ما يثبت جديتها نحو إتاحة حرية العمل السياسي جعل هناك شكوكا في أي انتخابات تُعقد، سواء أكانت تشريعية أو حتى على مستوى النقابات التي كانت تصل معدلات التصويت فيها إلى 70 في المئة.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن غياب تيار الإسلام السياسي الذي ظل مهيمناً على غالبية النقابات منذ تسعينات القرن الماضي وحتى عام 2014 وتضييق الخناق على التيارات المحسوبة على المعارضة أفضى لغياب المنافسة، كما أن العديد من المرشحين يخشون إبراز هويتهم ما غيّب ممارسات الحشد التي كانت مهيمنة على انتخابات النقابات سابقا.
وأكد الخبير بمركز الأهرام أن عدم المشاركة في انتخابات النقابات يعطي إشارات سلبية لحالة المجتمع المدني الذي تتجه الحكومة نحو الانفتاح على مكوناته على نحو أكبر وفقًا للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
ويشير متابعون إلى أن سيطرة الشق الخدمي جعل التيارات السياسية غير مهتمة بالترشح أو المشاركة بالتصويت في الانتخابات، وأدركت أن النقابات لن تكون منبراً لممارسة السياسة واختارت الكمون كي لا تحرق نفسها ويتم تصنيفها على اتجاه معين.
وأدى تراكم الأزمات المهنية التي لم تجد حلا في ظل صدامات متكررة بين مجلس النقابة السابق الذي سيطر عليه “تيار الاستقلال” وبين الحكومة بعد أن عارضت النقابة إجراءات وزارة الصحة للتعامل مع كورونا، لخلق قناعة بأن الاستمرار على خط الصدام لن يأتي بنتائج إيجابية عقب وفاة 600 طبيب جراء الإصابة بالفايروس.
وتبنت قائمة “المستقبل” إقرار قانون المسؤولية الطبية ومنع حبس الأطباء في القضايا المهنية التي لا تتضمن إهمالا متعمدا بعد أن جرى رفضه مرتين من جانب البرلمان السابق، وهي خطوة لمنع هجرة الأطباء وزيادة إقبالهم على تخصصات تحمل ممارستها مخاطر لصاحبها.
وأشار عضو مجلس نقابة الأطباء سابقًا خالد سمير، إلى أن قلة أعداد المشاركين تعود لوجود أكثر من نصف أعداد الأطباء المقيدين بجداول النقابة خارج البلاد في ظل توالي عمليات الهجرة إلى الخارج، وعدم قيام النقابة ببذل جهد على مستوى تعريف الأعضاء بالانتخابات وتوقيتاتها.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن وسائل الإعلام التي كانت تخلق أجواء من المنافسة عبر المناظرات الإعلامية وتسليط الضوء على الانتخابات والمرشحين وبرامهم حينما كانت تتجه الدولة لتفكيك هيمنة تنظيم الإخوان لم يعد لها دور حاليا، وأضحت الانتخابات تجرى في معزل عن اهتمامات الرأي العام الذي كان يضيف زخمًا للانتخابات ينعكس على المنافسة القوية بين المرشحين.