انتخابات الصحافيين في مصر تدخل نفقا مظلما

يحتدم الجدل حول انتخابات نقابة الصحافيين في مصر مع ترجيح تأجيلها بسبب الظروف الصحية، لكنّ الصحافيين ظلوا منقسمين حول هذا المصير. وينتظر الكثير منهم تغيير الوجوه القديمة التي فضلت الاصطفاف وراء قرارات الحكومة عوضا عن دعم الصحافيين في العديد من الملفات.
القاهرة - انقسم الصحافيون في مصر بعد تلويح مجلس النقابة بإمكانية تأجيل الانتخابات على مقعد النقيب ونصف أعضاء المجلس. وبدأ حشد الأصوات لجمع توقيعات من أعضاء الجمعية العمومية للضغط من أجل إجراء الانتخابات في موعدها، ما يشير إلى أن الأوضاع داخل النقابة تسير نحو التصعيد.
ولجأ مجلس النقابة إلى القضاء لتوضيح الموقف النهائي من إجراء الانتخابات أو تأجيلها في ظل ظروف جائحة كورونا، وزيادة الإصابات بين الصحافيين إلى أكثر من مئتي حالة. ولا يريد المجلس بذلك تحمل مسؤولية دعوة الأعضاء للتصويت وسط تفشي الوباء، لكن وجهة النظر هذه لم تقنع أغلب المنتمين للمهنة.
ويفترض أن تُجرى الانتخابات في مارس المقبل، وكان يجب أن يفتح مجلس النقابة باب الترشح منذ النصف الأول من يناير الجاري، لكن ذلك لم يحدث انتظارا لقرار محكمة القضاء الإداري، ما يعزز فرضية التأجيل.
ويدافع الرافضون لتأجيل الانتخابات عن موقفهم، بأن النقابة تدخل بذلك نفقا مظلما في حال استمرت الجائحة لفترة طويلة. ويفترض أن يكون قرار إجراء الانتخابات في موعدها من عدمه من مسؤولية الجمعية العمومية من خلال استفتاء إلكتروني يحدد موافقتها أو رفضها لهذا الإجراء، وليس أن تكون كلمة القضاء هي الفيصل.
ويكتشف المتابع للغرف الإلكترونية (المجموعات) التي أنشأها صحافيون على مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم في ما يتعلق بالانتخابات والمهنة عموما، أن مبنى النقابة كصرح للحريات يكاد يكون قد اختفى.
وتحولت النقاشات إلى الفضاء الإلكتروني، وكل مجموعة تعبّر عن همومها المهنية، وكيف يمكن أن تتعاظم في حال استمرت الأوضاع الراهنة دون تغيير.

يحيى قلاش: الحوار بين النقابة والصحافيين منعدم تقريبا
وقال يحيى قلاش نقيب الصحافيين الأسبق لـ”العرب”، إن “انقسام الصحافيين بسبب الانتخابات وراءه انعدام ثقة أبناء المهنة في مجلس النقابة الحالي، لأنه اعتاد القيام بتصرفات بعيدة عن كونه حاميا للحريات، كأن يتم تفريغ المبنى من الصحافيين أغلب الوقت، وحرمانهم من الدخول، وعدم الدفاع عنهم في بعض القضايا المصيرية”.
وأضاف أن “هناك شعورا بوجود نية تعمد إلى تأجيل الانتخابات بدعوى جائحة كورونا، ورغم أن هذا المبرر مقبول إنسانيا، لكن طريقة طرحه غير مهنية، لأن الحوار بين النقابة والصحافيين منعدم تقريبا، والخوف أن تصل الأمور إلى مرحلة خطيرة يسود فيها الانقسام وشق الصفوف بشكل يخدم أهداف جهات لا تريد لأبناء المهنة أن يتّحدوا”.
وما أثار امتعاض الصحافيين، أن خالد ميري وكيل مجلس النقابة خرج بتصريحات إعلامية قال فيها، إن “أيّ تأجيل للانتخابات لن يكون أقل من عام”، وسط شعور متصاعد من أغلب أعضاء الجمعية العمومية بأن هناك من يرغب في استمرار المجلس الحالي برئيسه وأعضائه لأطول فترة ممكنة لترتيب أوضاعهم وتحسين صورتهم بقرارات ترمّم شعبيتهم المتراجعة.
ويمكن تقسيم أسباب غضب الصحافيين إلى أكثر من شق، الأول يرتبط بالمجموعة التي لم تعد تريد استمرار ضياء رشوان على مقعد النقيب، في ظل اتهامه بالوقوف في صف الحكومة على حساب أبناء المهنة، وعدم اتخاذه مواقف جريئة ضد التضييق على الحريات والتوسع في محظورات النشر.
ويدافع هؤلاء عن وجهة نظرهم من منظور مهني، ويقولون إن استمرار المجلس الحالي بنفس التركيبة يمهد الطريق للمزيد من التضييق على العمل الصحافي، وتقليص سقف الحريات وسط انكفاء أعضاء مجلس النقابة على أنفسهم.
وهناك فريق آخر يبرر رفضه تأجيل الانتخابات بأن رعونة مجلس النقابة طوال الفترة السابقة سهلت الطريق أمام بعض المؤسسات للتوسع في قرارات فصل الصحافيين، وينذر المستقبل القريب بسيناريوهات أكثر سوءا على أبناء المهنة.
أما الفريق الثالث، وهم الصحافيون الذين يعيشون ظروفا اقتصادية بالغة الصعوبة، وينظرون إلى أن إجراء الانتخابات في موعدها مقدمة لزيادة البدل الحكومي الذي تصرفه وزارة المالية شهريا لأعضاء النقابة، ويصل إلى 130 دولارا، ويساعد نسبيا في تحسين أوضاعهم المادية.
ويمكن اختصار هذه الفئة في الصحافيين العاطلين عن العمل، وهم رقم مهم في المعادلة الانتخابية، من الذين جرى فصلهم تعسفيا أو أغلقت صحفهم، وينتخب هؤلاء النقيب الذي يجلب لهم المزيد من المال ولا يعنيهم إن كان صاحب مواقف حاسمة من عدمه.
ولا يخلو التصعيد ضد تأجيل الانتخابات من تعمد بعض المرشحين المحتملين على مقعد النقيب والمجلس، تأليب أنصارهم للضغط نحو إجرائها في موعدها، وإطلاق اتهامات بحق الأعضاء الحاليين توحي بأنهم يبحثون عن الاستمرار لأطول فترة.
ويخشى بعض الصحافيين من وجود تدخلات حكومية لعدم إجراء الانتخابات في موعدها، وبقاء الوضع الراهن، بحيث يتم ترتيب المشهد الصحافي قبيل إعادة تشكيل مجلس النقابة واحتواء المشاغبين أو من لديهم توجهات معارضة للسلطة.
ويرى متابعون، أن وصول غضب الصحافيين على المجلس الحالي إلى دوائر صنع القرار، يعزز المخاوف من وجود اتفاق ضمني على أن تفرز الانتخابات مجلسا بأنياب حقيقية يدافع عن حقوقهم، ويتم اختيار عناصر لها تاريخ حقوقي ونضالي، وبالتالي قد تكون فكرة التأجيل مقبولة لدى جهات تحاول استشراف المشهد لتجنب الصدام.
وحتى لو جرى الدفع بمرشح قريب من السلطة على مقعد النقيب، ومساعدته في النجاح بدعمه ماديا من خلال زيادة البدل، فإن ذلك لن يضمن السيطرة على تشكيلة أعضاء المجلس، لأن اختيار هؤلاء يكون من أعضاء الجمعية العمومية الذين يصعب توجيههم للتصويت إلى أسماء بعينها.
وترتبط هذه المخاوف، بأن نقاشات أبناء المهنة حول هويات العناصر المفضل دخولها مجلس النقابة الجديد تدور في فلك أصحاب المواقف المهنية والمعروف عنهم تاريخهم النضالي والوقوف بوجه الحكومة والمؤسسات الصحافية لضبط إيقاع الأمور.
ويمهد الغضب المتصاعد تجاه مجلس النقابة، الطريق لأن تسود حالة من التمرد لدى أعضاء الجمعية العمومية لاختيار أسماء أكثر استقلالية ولها مصداقية، لكن الخوف من أن يتم إجراء الانتخابات داخل كل مؤسسة صحافية على حدة، بسبب كورونا، ويصوت الصحافيون بمقار عملهم، ما يفسح المجال لإنجاح المتماهين مع الحكومة.
وصارت أغلب الآراء تتوقع تغيير ضياء رشوان كنقيب للصحافيين لحساب عبدالمحسن سلامة رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، بعد التجديد له في منصبه قبل شهور، وإدراك الحكومة أن تكرار الدفع برشوان مغامرة، في ظل إصرار فئة كبيرة على تغييره، لكن يبدو أن ضياء يفهم هذه المعادلة ويقف بجوار التمديد.
وبغض النظر عن موعد الانتخابات، في مارس أو بعد عام، فإن السجال الراهن يوحي بأن المرشحين المحتملين على مقعد النقيب أو عضوية المجلس، لن يكونوا ضيوف شرف، فمنهم مستقلون اكتسبوا خبرة المنافسة في الماضي ويتمتعون بكتل تصويتية كبيرة.
وبينهم من يلعب على وتر الشباب وحماسهم وامتعاضهم من تماهي النقابة مع الحكومة، وهؤلاء قد يمثل لهم تأجيل الانتخابات فرصة لتجييش الصحافيين ضد المجلس الحالي الذي يتبنى التأجيل لأسباب واهية.