امتعاض جزائري من التمدد الإيراني في البلاد

الجزائر - شكل قيام إدارة صالون الجزائر الدولي للكتاب في دورته الثالثة والعشرين، بإغلاق جناح دار المجمع العالمي لأهل البيت، تطورا سريعا في مسار التناغم بين سلطات البلدين، منذ عودة العلاقات الدبلوماسية واتفاقيات التعاون بينهما مطلع الألفية الجديدة.
وفيما لم يصدر أي رد فعل من طرف السلطات الإيرانية لحد الآن، على قرار إدارة الصالون، فإن متابعين يرشحون الموقف إلى نسف اتفاقيات تعاون ثقافي وفني أبرمت في وقت سابق بين البلدين، وأن يعكر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لا سيما في ظل الانتقادات المتنامية في الجزائر، من المرونة التي تبديها الأخيرة تجاه ما بات يعرف بـ“التمدد المذهبي والأيديولوجي الشيعي عبر بوابات الفنون والثقافة”.
وأبرم الطرفان الجزائري والإيراني في الآونة الأخيرة، عدة اتفاقيات ثقافية وفنية، في مجالات النشر والإنتاج السينمائي والموسيقى، الأمر الذي اعتبره ناشطون محليون، انفتاحا محفوفا بالمخاطر، في ظل توظيف طهران للأذرع الثقافية والفنية، من أجل التمكين للأفكار والمبادئ الشيعية.
وانتقد المنتج والمخرج الجزائري بشير درايس، على هامش الجدل الذي أثير حول فيلم المناضل الثوري “العربي بن مهيدي”، ما أسماه بـ“التناغم والانفتاح المبالغ فيه من طرف سلطات وزارة الثقافة الجزائرية، على الجانب الإيراني”، واعتبر ذلك “تهميشا للإمكانيات والقدرات المحلية، وفتح للأبواب أمام أخطبوط آليات الدعاية للمذهب الشيعي”.
ومنذ عودة العلاقات الجزائرية الإيرانية للوضع الطبيعي مع مطلع الألفية الجديدة، بعد سنوات من القطيعة اثر اتهام الجزائر لإيران بدعم المجموعات الجهادية خلال العشرية الحمراء (1990 - 2000)، يسجل توافقا بين الطرفين في الكثير من الملفات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، رغم الخطر الذي باتت تمثله طهران على أمن واستقرار المنطقة العربية، وظهور نواياها في تصدير أفكارها وأيديولوجيتها المذهبية في عموم المنطقة، والتوجه نحو العمق الأفريقي.
وجاء قرار غلق الجناح الإيراني في صالون الكتاب الدولي، ليلـمح إلى انزعاج جزائري غير معلن من نشاط الأذرع الإيرانية المذهبية داخل البلاد، لا سيما مع توسع النشاط إلى تجنيد خلايا سرية للمتشيعين في البلاد، وإطلاق جمعيات مشبوهة النشاط، وتشجيع السياحة الدينية من الجزائر إلى الأقطاب المركزية للمذهب الشيعي في إيران والعراق.
الكتب التي عرضتها الدار، تنطوي على تجريح وطعن في الصحابة الكرام، وتشكيك في صدقيتهم أمام المسلمين
ولا يستبعد متابعون أن يكون رحيل المستشار الثقافي في سفارة إيران بالجزائر أمير موسوي، خلال الأشهر الماضية، يكون قد تم بطلب جزائري وليس بنهاية مهمة، بعدما أثار جدلا وانتقادات كبيرة في البلاد، على خلفية نشاطه اللافت وفتحه لقنوات اتصال وتواصل مع العديد من الفعاليات الدينية، كالمدارس القرآنية وبعض المساجد والزوايا.
ويرى متابعون للشؤون الدبلوماسية، بأن “طهران تفطنت في السنوات الأخيرة، للتراث التاريخي المترسب من عهود الدولة الفاطمية والصفوية، وتحاول إحياءه وتوظيفه كرصيد شعبي لتجديد أفكار المذهب الشيعي في المنطقة، وهو ما تجلى من خلال التركيز على توسيع تعاونها الثقافي والفني كما حدث مع الجزائر”.
ولفت مسؤول الصالون الدولي الجزائري، إلى أن “قرار الغلق جاء بعد ثبوت تنافي منشورات الدار المذكورة مع القوانين والنصوص المسيرة للتظاهرة، وأنه تم إبلاغ الجانب الإيراني عن تحفظات إدارة الصالون على المنشورات المعنية، وأن مسؤول الدار تغيب عن التظاهرة بدعوى عدم حصوله على تأشيرة الدخول إلى الأراضي الجزائرية، ومثله وكيل جزائري”، وهي إشارة واضحة على إصرار إدارة الدار على عرض منتوجاتها على جمهور الصالون.
ولفت إلى أن “الكتب التي عرضتها الدار، تنطوي على تجريح وطعن في الصحابة الكرام، وتشكيك في صدقيتهم أمام المسلمين”.
وتداولت منصات التواصل الاجتماعي، منشورات وتسجيلات حول لحظات غلق الجناح الإيراني، وحملت تعليقات منتقدة ومستهجنة، تترجم مناصرة وتعلق بعض الأنصار والمتعاطفين مع المنتوجات الفكرية التي يروج لها دعاة المذهب الشيعي.
لكن في المقابل، سجلت المنصات المذكورة تفاعلا كبيرا وتعاطفا مع إدارة الصالون، ووصف هؤلاء الخطوة بـ“الجريئة”، و“السيادية”، من أجل وضع “حدّ للتمادي الإيراني في شؤون الغير، وسعيها الدؤوب إلى نشر أفكارها ومذهبها وتهديد استقرار وتماسك المجتمع الجزائر، المعروف بعقيدته السنية المتوارثة عبر قرون من الزمن”.
وعلق الناشط السياسي نورالدين ختال “مشروع طهران للتغلغل في الجزائر والمنطقة وحتى في عمق القارة السمراء، لم يعد خفيّا، وأن الخطر الذي يهدد الشرق الأوسط، سينتقل إلى المنطقة بسبب التمادي الإيراني في نشر أيديولوجيتها، وإعادة رسم الخارطة المذهبية في العالم، مما يحتّم موقفا موحّدا من طرف حكومات المنطقة، لوأد مخاطر الفوضى والتفكك”.