امتعاض إيراني من دخول فرنسا منافسا إضافيا على النفوذ في العراق

ما تبديه فرنسا من اهتمام بالساحة العراقية على سبيل التعويض عن تراجعاتها الكبيرة في ساحات أخرى لا يسعد إيران التي لا ترغب في رؤية لاعب آخر ينضمّ إلى حلبة الصراع على النفوذ في البلد الذي بذلت كل ما في وسعها للإبقاء عليه حديقة خلفية لها ودخلت لأجل ذلك في مواجهة بلا رحمة سياسية وحتى عسكرية بالوكالة ضد الولايات المتّحدة.
بغداد - لخّصت ردود الفعل السلبية لقوى سياسية وفصائل شيعية عراقية مسلّحة على مشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر التعاون والشراكة الذي انعقد السبت الماضي في العاصمة بغداد، وتصريحاته بشأن بقاء قوات بلاده في العراق للمشاركة في محاربة الإرهاب، موقف إيران من دخول لاعب دولي آخر مضمار منافستها على النفوذ في العراق الذي تعتبره حديقتها الخلفية وبذلت جهودا كبيرة لتقليص نفوذ الولايات المتّحدة داخله شملت استخدام تلك القوى والفصائل نفسِها في الضغط عليها سياسيا وعسكريا لسحب قواتها من أراضيه.
وخاطب هادي العامري زعيم ميليشيا بدر ماكرون بحدّة وجفاء قائلا “ستُخرج قوّاتك من العراق لأن القرار ليس قرارك”.
وكان العامري الذي يقود تحالفا نيابيا ممثّلا لميليشيات الحشد الشعبي في البرلمان العراقي تحت مسمّى تحالف الفتح يردّ على الرئيس الفرنسي الذي قال في مؤتمر صحافي أعقب مشاركته في المؤتمر المذكور إنّ فرنسا ستبقى في العراق لمكافحة الإرهاب مهما كان خيار الأميركيين، وذلك في إشارة إلى قرار إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأخير بشأن إنهاء المهمّة القتالية لقواتها في العراق وتحويلها إلى قوات استشارية وتدريبية للقوات العراقية، وهو القرار الذي رفضته أصلا الأحزاب والميليشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران واعتبرته مجرّد تكتيك من الولايات المتّحدة للحفاظ على تواجدها العسكري في البلد.
ويعتبر زعيم ميليشيا بدر أحد كبار رموز معسكر الموالاة لإيران التي سبق له أن حارب إلى جانبها ضدّ قوات بلاده في حرب الثماني سنوات قبل أن يعود إلى العراق إثر الاحتلال الأميركي له ويصبح أحد أعمدة النظام الذي قام هناك قبل حوالي ثمانية عشر عاما.
اهتمام فرنسا باستعادة دور لها في العراق جاء على سبيل محاولتها التعويض عن تراجعاتها الكبيرة في ساحات أخرى
وأبدت باريس خلال الفترة الأخيرة اهتماما استثنائيا بالساحة العراقية قرأ فيه مراقبون رغبة لدى صنّاع القرار الفرنسي في استعادة جزء من النفوذ الذي كان لبلادهم في العراق خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وذلك على سبيل التعويض عن الخسارات الجسيمة والتراجعات الكبيرة لها في ساحات أخرى لاسيما في ليبيا ولبنان وسوريا، إضافة إلى متاعب فرنسا في بلدان أفريقية كانت ضمن دوائر نفوذها مثل مالي وتشاد والنيجر وأفريقيا الوسطى وانساق بعضها إلى حالة من عدم الاستقرار، فيما أصبح البعض الآخر موضع منافسة شرسة من قبل الولايات المتّحدة والصين وتركيا.
ويشكّك مراقبون في نتائج الانفتاح الفرنسي على العراق الذي تسيطر عليه الميليشيات وترهنه لتنفيذ أجندات سياسية وعسكرية خارجية في وقت لا تمتلك فيه الحكومة العراقية نفوذا وازنا سواء على المستوى العسكري والأمني أو على المستوى السياسي.
ويعيش العراق صعوبات وأزمات بدءا من الكهرباء التي يعتمد في توفيرها لسكّانه بشكل كبير على الجارة إيران وصولا إلى تدهور البنى التحتية والخدمات والأزمة الاقتصادية مع تراجع أسعار النفط وتفشي وباء كورونا فضلا عن التوتر الأمني.
وفي مظهر عملي على ارتهان العراق لإيران أعلنت السلطات العراقية الأربعاء فقدان 5.5 آلاف ميغاوات من الطاقة الكهربائية بسبب خفض كميات الغاز الإيراني الواصلة إلى بعض محطات الإنتاج بواقع 41 مليون متر مكعب يوميا.
وعلى غرار الولايات المتّحدة التي تجد في محاربة الإرهاب سببا للتمسّك بإبقاء قواتها في العراق، وأيضا تركيا التي تتذرّع بملاحقة عناصر حزب العمّال الكردستاني لتوسيع تواجدها العسكري الثابت والمتحرّك في عدد من المناطق العراقية، تروّج فرنسا لدور ضروري لقواتها في مواجهة تنظيم داعش في العراق وسوريا حيث يحتفظ التنظيم بفلول له بعد هزيمته العسكرية على يد القوات العراقية والتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتّحدة وتشارك فيه فرنسا سنة 2017.
ويدرك الرئيس الفرنسي فائدة وخطورة التراجع الأميركي في المنطقة ويحاول الاستفادة من الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة بعد مغادرتها البلاد في نهاية العام الحالي.
وبدأت خطوات ماكرون لاستعادة نفوذ بلاده في العراق منذ العام الماضي عندما زار بغداد عقب زيارة لبيروت في سعي للاستفادة من وصول مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الوزراء.
وبالإضافة إلى التحدي الإيراني من المتوقع أن تواجه باريس في سعيها لاستعادة نفوذها في العراق عراقيل تركية وهو ما يذكّر بالسيناريو الذي واجهته في ليبيا حيث فشلت في منع تركيا من السيطرة على الغرب الليبي.
وقال ماكرون خلال زيارته الأخيرة للعراق والتي شملت أيضا إقليم كردستان إن باريس ستستمر في محاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا، مؤكّدا في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الإقليم نيجيرفان البارزاني أن بلاده لن تسمح بعودة التنظيم مرة أخرى.
وعلى عكس ما تلمسه باريس من تمنّع وحذر لدى القوى الشيعية المهيمنة على مقاليد الدولة الاتّحادية العراقية وذات الارتباطات الواسعة بإيران، تجد فرنسا وكذلك الولايات المتّحدة لدى قيادات إقليم كردستان العراق ترحيبا غير مشروط في إطار بحث تلك القيادات عن دعم دولي في مواجهة الضغوط الإقليمية من قبل كلّ من تركيا وإيران ووكلائهما المحلّيين.
وعبّر نيجيرفان البارزاني رئيس كردستان العراق إثر لقائه الرئيس الفرنسي الأحد في أربيل عن “امتنانه للدعم الفرنسي المستمر للإقليم وللعراق”.
وقالت فيان صبري عضو مجلس النواب العراقي عن الحزب الديمقراطي الكردستاني إنّ زيارة ماكرون مهمة جدا ولها دلالاتها في تأكيد دور الأكراد كـ”مكون وفاعل وأساسي في واقع العراق والمنطقة”، وأنّ هؤلاء “يتطلعون إلى أن يكون هناك تعاون مع فرنسا في الجانب الاقتصادي والأمني والثقافي والسياسي فضلا عن دعم إقليم كردستان في كافة الاتجاهات”.
ويتساءل مراقبون عما يمكن لفرنسا أن تقدّمه للعراق ومن ضمنه إقليم كردستان الذي يواجه صعوبات مالية خانقة جرّاء تشدّد الأحزاب الحاكمة في العراق إزاء منحه حصّة مجزية من موازنة الدولة الاتّحادية بالإضافة إلى تبعات جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط، علما أن فرنسا بحدّ ذاتها ليست في وضع مالي مريح.