اليوم غزّة وغدا الضّفة والقدس

انطلاقا من بيان الناطق باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر الذي قال به حرفيا “إن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء المزاعم القائلة إن 12 موظفًا لدى الأونروا قد يكونون متورطين في الهجوم الإرهابي الذي شنته حركة حماس على إسرائيل”، وبنظرة سريعة على هذا البيان، نلاحظ أنه بسبب 12 موظفا، الذين قد تثبت إدانتهم أو العكس وهو أمر لا يمكن التيقن منه إلا بعد انتهاء التحقيقات، قامت أميركا والعديد من الدول الغربية بتعليق تمويلها لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزّة (الأونروا) وحرمان ما يفوق مليوني فلسطيني من الاستفادة من هذا التمويل.
إذا، أكثر من مليوني فلسطيني يعاقبون ويجوّعون ويعانون، بسبب 12 شخصا قد ويجب التشديد على (قد) تورطوا في هجوم السابع من أكتوبر.
وغني عن البيان أن التحاق الكثير من الدول سريعا بالركب الأميركي عبر قطع المساعدات، يؤكد أن ما تمّ هو أمر منسق من قبل بين هذه الدول، أي نيّة مبيتة، وينطبق المثل العربي القديم عليه “هذا أمرٌ دبّر في ليل”.
◙ وقف عمل الأونروا مرهون فقط بحل القضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية وإعادة حقوق الفلسطينيين بشكل كامل بلا نقصان.
وغني عن البيان أيضا أن الولايات المتحدة والدول الغربية بموقفها الشائن هذا واللاأخلاقي واللاإنساني، يسيرون على نهج إسرائيل التي تفتك بالفلسطينيين جهارا نهارا؛ هجّرت أكثر من 75 في المئة منهم من منازلهم بسبب هجوم السابع من أكتوبر، وقتلت ما يربو على ثلاثين ألف فلسطيني جلّهم من الأطفال والنساء، ذلك الهجوم الذي قام به بعض الأشخاص المنتمين للفصائل اليمينية في قطاع غزّة، وممارسة العقاب الجماعي بحق المواطنين الفلسطينيين الأبرياء والذين لا ناقة لهم ولا جمل في هجوم السابع من أكتوبر، وقسم كبير منهم هو مناوئ أساسا لحكم الأمر الواقع الذي تفرضه حركة المقاومة الإسلامية حماس على قطاع غزة منذ انقلابها في صيف العام 2007.
وفي المقابل، نجد أن الأونروا والتي ربّما تورط 12 موظفا فيها بهجوم السابع من أكتوبر، ارتفع العدد الإجمالي لموظفيها الذين استشهدوا منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزّة ليصل إلى 152، وفق آخر إحصائية قدمتها الأونروا حتى 22 يناير من هذا العام 2024.
من المعروف أن صفقة القرن التي قدمها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كان تتضمن شطب دور الأونروا وإنهاء عملها بشكل تام، وهو مطلب إسرائيلي قديم جديد ليس غريبا عن الفلسطينيين.
ولكن تكمن الخطورة الكبيرة في تعليق التمويل الأخير، والذي هو بحسب البيانات الغربية مؤقت وأرجو ألا يصبح دائما وأنا أشك في ذلك، أي كونه مؤقتا، هو إحالة قطاع غزة لصحراء جرداء، وقطع أيّ آمال للفلسطينيين بالبقاء فيها بعد أن تضع الحرب أوزارها والقضاء على أيّ عامل من عوامل البقاء والصمود والثبات في قطاع غزة. أي أنها رسالة مضمنة للفلسطينيين بعدم وجود سبيل أمامهم سوى سبيل الهجرة، طوعية كانت أم قسرية، وتهيأت الأسباب الملحة لهذه الهجرة من خلال قطع التمويل عن الأونروا وبالتالي توقف خدماتها مما يعني فقدان أدنى المساعدات التي تسد الرمق وتقيم الأود وتمنع من الموت بردا أو عطشا أو جوعا أو بسبب تفشي الأمراض والأوبئة.
تدرك القيادة الفلسطينية التداعيات الكارثية لقرار تعليق تمويل الأونروا، الأمر الذي دفع محمّد اشتيه رئيس الوزراء الفلسطيني وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ لإصدار بيانات تطالب هذه الدول بالتراجع عن موقفها وخصوصا أن الشعب الفلسطيني في الوقت الحالي في أمسّ الحاجة إلى هذه المساعدات.
◙ أكثر من مليوني فلسطيني يعاقبون ويجوّعون ويعانون، بسبب 12 شخصا قد ويجب التشديد على (قد) تورطوا في هجوم السابع من أكتوبر
ومن الضرورة أن نضع في الحسبان، أنّ ما حصل من تعليق تمويل الأونروا في قطاع غزة قد لا يتوقف عليها وحدها، فقد ينسحب على الضفة الغربية والقدس وسوريا ولبنان وباقي أماكن تواجد اللاجئين الفلسطينيين، ولن تعدم إسرائيل الحجة لذلك، فربما تتهم بعض موظفي الأونروا بالتورط في أعمال إرهابية ضدها في تلك الأماكن وخاصة الضفة الغربية والقدس، وهذا ليس غريبا عنها، على غرار ما فعلت في قطاع غزّة اليوم، وبالتالي تقدم الذريعة المنتظرة للولايات المتحدة وبعض الدول الغربية المتبنّية للأكاذيب والافتراءات الإسرائيلية لتعليق تمويلها للأونروا في تلك المناطق.
وخير برهان على ذلك، القتل والهدم والاقتحام والتنكيل اليومي غير المبرر بالمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس، والذي اشتدت ضراوته بشكل ملحوظ من قبل الجيش الإسرائيلي وقطعان المستوطنين بعد هجوم السابع من أكتوبر، والذي جرى كما يعرف الكون بأكمله في مستوطنات غلاف غزة وليس في الضفة الغربية أو القدس.
وهذا إن حصل وشمل الضفة الغربية والقدس فيما بعد، وهو أمر غير مستبعد نهائيا، يجب أن يدفع كافة الدول العربية لتشكيل موقف موحد ليس فقط برفض بل وإدانة هكذا ممارسات والضغط بكافة الوسائل السياسية والدبلوماسية لدفع تلك الدول للعودة عن قراراها الكارثي، فوقف عمل الأونروا مرهون فقط بحل القضية الفلسطينية وإقامة الدولة الفلسطينية وإعادة حقوق الفلسطينيين بشكل كامل بلا نقصان.