اليساريون والناصريون في تونس مع حماس وضدها

لا شك أن الترويج لحماس وبطولاتها سيصب في صالح الإسلاميين محليا وسيجد اليساريون والناصريون أنفسهم قد قدموا خدمة لحركة النهضة.
الأحد 2024/01/21
مظاهرة داعمة لحماس

دأبت مختلف فصائل اليسار التونسي وكذلك المجموعات القومية على مهاجمة جماعة الإخوان المسلمين ومختلف فروعها ووجوهها الفكرية والسياسية، وقفت إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في معركته مع الجماعة، ودعمت التهم التي يوجهها النظام المصري للجماعة ومن بينها قضية التخابر مع حماس التي تمت فيها محاكمة أسماء بارزة من الجماعة.

لكن حماس التي كانت جزءا من الاتهامات الموجهة ضد الإخوان تحولت بقدرة قادر لدى اليساريين والناصريين في تونس إلى الحركة المقاومة التي تُرفع صور قادتها وتُحبر البيانات الداعمة لها والمشيدة ببطولاتها. وتظهر صورة التناقض بشكل أوضح حين يصفق هؤلاء لحماس ويعادون حركة النهضة التي تنتمي إلى نفس الأرضية الفكرية والسياسية التي انطلقت منها حماس، أي جماعة الإخوان. وقبل أسبوع نظّمت "حركة الشعب" الناصرية ملتقى دعما لـ"المقاومة الفلسطينية"، حضرته أسماء بارزة من حركة "حماس" مثل باسم نعيم وسامي أبوزهري ويوسف حمدان. كما حضره حسين غريبيس ممثلا عن حزب الله اللبناني.

◙ حماس التي كانت جزءا من الاتهامات الموجهة ضد الإخوان تحولت بقدرة قادر لدى اليساريين والناصريين في تونس إلى الحركة المقاومة التي تُحبر البيانات الداعمة لها

وسيكون من الصعب القول إن هذا الموقف ناجم عن مراجعات فكرية وتقييمات سياسية لتيارات أيديولوجية قامت على العداء ليس فقط في تونس بل في العالم العربي ككل، حيث يبني اليساريون والقوميون والإسلاميون حملات استقطاب الأعضاء الجدد وجلب الأنصار بإبراز كراهية الآخر وامتداح أحداث سابقة شهدت مواجهات كبيرة وحامية بين الخصوم سواء في الداخل مثل الصدام بين الطلبة اليساريين والإسلاميين في كلية الآداب بمنوبة 30 مارس 1982، أو في استدعاء المواجهة الدامية بين الإخوان والرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر.

هناك من يعتقد بأن اليساريين والقوميين يضعون فارقا بين الخصوم والأعداء، وهم يقفون في صف الإخوان، كأعداء ثانويين، ضد إسرائيل بوصفها عدوا إستراتيجيا. وهذا تأويل مبالغ فيه لأن المجموعات السياسية في تونس ليست مجموعات فكرية ولا تمتلك مراكز بحث ودراسات ولا تمتلك مفكرين ولا باحثين يمكنهم أن يجترحوا سبلا جديدة لبناء تحالفات على شاكلة “الكتلة التاريخية” أو القول بالفصل بين التكتيكي والإستراتيجي ما يؤدي إلى التحالف مع الخصوم التاريخيين ولو بشكل ظرفي.

تنتقل المجموعات السياسية على مختلف مشاربها الأيديولوجية من الموقف إلى نقيضه من دون تقديم تفسير أو الإعلان عن مراجعات، من ذلك أن الإسلاميين خرجوا على عجل من جبة المرشد والأمير وقائد الجماعة الذي يجب أن يطاع إلى ملعب الديمقراطية وباتوا مدافعين شرسين عنها.

حركة الشعب الناصرية، التي كان أنصارها يرددون في السابق شعار "التمثيل (انتخاب ممثلين في البرلمان) تدجيل" لتسخيف الانتخابات والديمقراطية، دخلت بدورها لعبة الانتخابات من بوابة النقابة في مرحلة أولى وبعد ثورة 2011 دخلت البرلمان. ولم يفسر قادتها كيف قبلت حركة قومية تريد "توحيد الأمة" بأن تتحول إلى حركة قُطرية استجابة لقانون الأحزاب، وهل تخلى القوميون عن البعد الوحدوي تنظيميا أم ما يزالون حركة عابرة للدولة كما دأبوا على اتهام الإسلاميين بذلك.

اليسار نفسه خرق أهم محظوراته الخاصة بالدين من دون مراجعة فكرية تظهر الخروج من المرحلة الأيديولوجية التي تستعيد مفردات قديمة من مثل "الدين أفيون الشعوب" إلى مرحلة النظر إلى الدين باعتباره مكونا أساسيا في الثقافة المجتمعية، ومثلما يمكن أن يكون عاملا سلبيا بوجه التغيير، فإنه قد يلعب دورا مناقضا تماما. ولو تمت هذه المراجعة لاستوعبنا القفزة من مرحلة وسم حماس بالحركة الإخوانية الرجعية إلى وصفها بالحركة المقاومة والتظاهر لدعمها ورفع شعارات مساندة لها.

والأقرب إلى المنطق أن الاصطفاف وراء حماس لا يعدو أن يكون خطوة براغماتية حتى وإن بدا في ثوب المبدئية، فلا يمكن لليساريين والناصريين أن يتركوا حركة النهضة تستثمر لوحدها عائدات ما تحققه حماس من المواجهة مع إسرائيل. يبدو الأمر أقرب إلى قطع للطريق أمام خصم سياسي ومنعه من استثمار مكاسب حليفه الفكري الإقليمي، خاصة أن الشارع التونسي ميال إلى الشعارات ويتحمس لأخبار حماس والجهاد وحزب الله، وسينظر إلى من يزايد بالدعم على أنه مقاوم حتى وإن كان مرابطا في مكتبه.

◙ الاصطفاف وراء حماس لا يعدو أن يكون خطوة براغماتية، فلا يمكن لليساريين والناصريين أن يتركوا النهضة تستثمر لوحدها عائدات ما تحققه حماس من المواجهة مع إسرائيل

وفي ظل تراجع الملفات السياسية المحلية، واختفاء الصراعات والمزايدات في البرامج الحوارية التي كانت الأحزاب تستقطب الأنصار من خلالها وتسترضي جمهورها في سنوات ما بعد الثورة، لم يبق لها سوى الإمساك بورقة حماس والصراع في غزة، خاصة أن خطاب السلطة السياسية يسير في نفس الاتجاه.

لكن على المدى البعيد، لا شك أن الترويج لحماس وبطولاتها سيصب في صالح الإسلاميين محليا، وسيجد اليساريون والناصريون أنفسهم قد قدموا خدمة لحركة النهضة، لأن قادة حماس سيخرجون بعد نهاية الحرب لاستثمارها سياسيا وفكريا ليس لصالح الحركة بل لخدمة المشروع الإخواني وإظهاره في صورة التيار المقاوم مثلما فعل أمين عام حزب الله حسن نصرالله بعد انتهاء حرب 2006 حين أظهر هويته الطائفية وأهدى انتصاره لإيران ومرشدها، مثلما أشاد المتحدث باسم حماس قبل أيام بالحوثيين ورفع من شأن دعمهم، وقبلها أشاد بحزب الله وإيران من دون أن يشير من قريب أو بعيد إلى حركات أو شخصيات يسارية أو قومية فلسطينية أو عربية أو أنظمة عربية داعمة للمقاومة.

فهل سيقدر حمه الهمامي زعيم حزب العمال اليساري أن يتراجع يوما عمّا قاله قبل أيام لوكالة الأناضول بوصفه حماس بأنها "حركة تحرر وطني والمهم فيها هو أنها تُجَمِّع أغلب قوى الشعب الفلسطيني في مواجهة المستعمر"، لو أن قادة الحركة زاروا تونس في وضع مغاير والتقوا قادتها ومدحوا مساندتهم لحماس وانحازوا لهويهم الإخوانية ولم يلتفتوا لمن ناصرهم بالشعارات والمظاهرات من يساريين وقوميين. تستطيع هذه الحركات أن تقف ضد إسرائيل وتدين ما تفعله في غزة من دون الهتاف لحماس وحزب الله وترسيخ حضورهما كقوتين مقاومتين.

5