الوسطية المؤذية لحزب العمال البريطاني

"جيرمي كوربين" تارة يريد الفوز بالحكم لإبرام الصفقة المثالية للخروج، وتارة أخرى لا يمانع إجراء استفتاء جديد على المسألة برمتها إذا ما وصل إلى الحكم.
السبت 2019/11/09
مواقف رمادية

لا يمكن الاستمرار بالصمت إزاء فشل حزب العمال البريطاني في معالجة ظاهرة معاداة السامية بين صفوف الحزب، وموقفه غير الواضح من “بريكست”. هكذا يبرر تسعة نواب سابقين في الحزب، وقوفهم ضد زعيمه جيرمي كوربين في الانتخابات البرلمانية المقبلة. هم ليسوا نوابا سابقين بحكم التقاعد، وإنما بسبب انسحابهم من الحزب خلال الأشهر الماضية للأسباب ذاتها.

من أبرز النواب المنقلبين على حزب العمال، إيان أوستن معاون آخر رئيس وزراء عمالي لبريطانيا غوردن براون، الذي خسر انتخابات 2010 أمام المحافظين. أوستن يدعو أعضاء حزب العمال إلى منح أصواتهم للمحافظين في انتخابات الثاني عشر من ديسمبر المقبل. والحجة كما يقول هي أن زعيم حزب العمال جيرمي كوربين يشكل خطرا على أمن البلاد واقتصادها في القضيتين.  

ثمة وسطية يتبناها كوربين في ملف “بريكست” ينتقدها خصومه، ويمكن أن تنعكس سلبا على فرص حزب العمال في الانتخابات المقبلة. وقف كوربين في منتصف المسافة بين الخروج أو البقاء في الاتحاد الأوروبي، ولم يحسم أمر حزبه إزاء هذا الملف. هو تارة يريد الفوز بالحكم لإبرام الصفقة المثالية للخروج، وتارة أخرى لا يمانع إجراء استفتاء جديد على المسألة برمتها إذا ما وصل إلى الحكم.

رمادية كوربين في ملف الخروج ربما دفعت بنائبه، الشخصية الثانية في الحزب توم واتسن، للاستقالة مباشرة بعد إطلاق حزب العمال لبرنامج حملته الانتخابية، الذي أعلن فيه أن الحزب سيعيد التفاوض مع بروكسل حول الخروج. الجميع يعرف أن واتسن يؤيد البقاء وليس إعادة التفاوض، ولكنه برر استقالته بأسباب خاصة ورغبة ببدء حياة جديدة بعيدا عن الحزب.

لا يبدو أن الرهان على الوسطية في ملف الخروج يمكن أن يكون رابحا. البريطانيون يمكن أن يتقبلوا ذلك في أي مكان آخر غير “بريكست”، فالخروج قلب حياتهم رأسا على عقب والغالبية الساحقة منهم لم تعد تفضل الرمادية في هذه المعضلة. بلغة المراهنات التي يحبها البريطانيون، ينقسم الشارع اليوم بين مؤيد ورافض للخروج، والرهان يكون على أحد الفريقين فقط.

مقابل رمادية العمال في ملف الخروج، التي يتبناها كوربين لأن حزبه منقسم حولها، تجتمع ثلاثة أحزاب مؤيدة للبقاء في جبهة واحدة هي حزب الخضر وحزب الليبراليين الديمقراطيين والحزب الويلزي. هذه الأحزاب تريد أن تشكل جبهة من البقائيين ضد الأحزاب المؤيدة للخروج، وعلى رأسها حزب المحافظين وحزب بريكست.

الأحزاب الثلاثة المعارضة للانفصال لا تريد حكومة عمالية، وترغب ببناء جبهة أحزاب معارضة بدلا من العمال الذين يشكلون التكتل الأكبر مقابل الحزب الحاكم اليوم. تلك الأحزاب تعتقد أن سيطرتها على المعارضة ستجبر المحافظين في البرلمان الجديد، ليس على إلغاء الطلاق دون اتفاق فحسب، وإنما على إلغاء نتائج استفتاء الخروج الذي جرى عام 2016. 

في النقد الثاني الموجه لكوربين من نواب الحزب المنقلبين، يُتهم زعيم العمال بالفشل في استئصال معاداة السامية من حزبه. الحقيقة أن كوربين لن ينجح في هذا الأمر لأن منتقديه يريدون ربط معاداة السامية بانتقاد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وحزب العمال يعج بالشخصيات المؤيدة للقضية الفلسطينية. ليس من العرب فقط وإنما من البريطانيين الذين يستمرون في الحزب لأن كوربين يؤيد معهم هذه القضية، حتى أنه أعلن في شهر سبتمبر 2018، أنه سيعترف بدولة فلسطين في حال وصوله إلى رئاسة الوزراء في بريطانيا.

بشكل أو بآخر، حاول كوربين أن يأخذ موقفا وسطيا بين مؤيدي القضية الفلسطينية ومن يلقبون بأصدقاء إسرائيل في الحزب. تبنى الاعتراف الأخير لمعاداة السامية ولكنه أبقى الباب مفتوحا أمام إدانة انتهاكات إسرائيل لحقوق الفلسطينيين. لم تُجدِ هذه الوسطية نفعا بالنسبة لخصوم كوربين، وبقيت تهمة معاداة السامية مادة للحشد ضد حزب العمال في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

بعيدا عن النقدين السابقين، لم يمارس حزب العمال وسطيته في مختلف عناوين برنامجه الانتخابي وخاصة في الشق الاقتصادي منه. وعد كوربين بزيادة كبيرة في الإنفاق، وصفها وزير الخزينة الحالي ساجد جافيد بالخيالية. وأعلن حربا ضريبية وتأميمية على الأثرياء إذا ما وصل إلى السلطة، فكتب رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون مقالة شبه فيها كوربين بالرئيس السوفييتي جوزيف ستالين.

9