الهجر.. هروب غير مدروس العواقب من المشكلات الزوجية

تداعيات الطلاق الفعلي أقل ضررا من الطلاق الصامت حيث يؤثر سلبا على النمو العاطفي والجسدي للصغار، كما أن له آثارًا سيئة على صحة الزوجين النفسية.
الأحد 2019/02/03
ماذا يقال في الخارج

يظل الخوف من الطلاق، في علاقة بحياة الأبناء وبنظرة المجتمع للمطلقة خصوصا، مسيطرا على كثيرين في المجتمعات العربية رغم ما تدعيه من تقدم وتحرر، وبالرغم من أنه قد يكون حلا لبعض العلاقات الزوجية التي وصلت إلى طريق مسدود حتى في أبسط أبجديات التواصل بين الشريكين إلا أن الخوف من تداعياته قد يدفع بعض الأزواج إلى اختيار الانفصال العاطفي هروبا من الطلاق الفعلي، غير أن خبراء في علم النفس يؤكدون أنه أفضل من الهجر والعيش المشترك شكليا.

يستسلم الكثير من الأزواج للانفصال الجسدي والمعنوي في علاقتهم التي تعد منتهية فعليا ويبقى هاجسهم الحفاظ على شكل العلاقة أمام الأبناء وبقية أفراد العائلة والمحيط الاجتماعي، لكن هذا الوضع يسبب تأزما نفسيا شديدا قد يبوحون به وقد يكتمونه رغم أنه من مسلمات المعاناة من حياة زوجية غير طبيعية. وتخشى المرأة الطلاق خوفًا على الأبناء وعلى نفسها وعائلتها وخشية من ردود أفعالهم ومن نظرة المجتمع. وقد يرفض الرجل أيضا الطلاق خوفًا من الوحدة ومن الابتعاد عن الأبناء أو من عدم قدرته على بدء حياة جديدة وبناء أسرة أخرى، ومن ثمة يقرران العيش معا في بيت واحد لكنهما زوجا وزوجة أمام الناس فقط.

وتتساءل منى كريم (40 عاما) في حيرة “ماذا أفعل بعدما اكتشفت خيانة زوجي وقد اعترف بأنه أخطأ في حقي وحق أبنائه؟ إذا تم الطلاق، سوف أعيش في وضع غير مستقر وغير مريح مع ثلاث بنات، ولذلك فضلت أن تستمر حياتي معه شكليا لكننا منفصلان معنويا وجسديا".

وتقول أمينة (35 عاما) -محامية- “أعيش مع زوج عصبي وكثير الصراخ والاعتراض على كل شيء، وقد دفعني إلى التخلي عن عملي لتربية أبنائنا. ولا تخلو حياتنا من المشاجرات والعنف والإهانات بسبب غيابه باستمرار عن البيت أياما كثيرة، لذلك قررت طلب الطلاق والعودة إلى عملي ولن أرتضي بالانفصال الصامت”.

أما لمياء (32 عاما) فتؤكد أنها اكتشفت بعد زواجها أنها تزوجت رجلا بخيلا جدا، وكثير الشك في كل من حوله، وبمرور الوقت وبعد اليأس من تغيره أصبحت تعيش معه تحت سقف واحد لكن كالغريبَيْن، ورفضت الطلاق حتى لا توصم بصفة المطلقة، وذلك بهدف تربية طفلتها الوحيدة في سلام.

ألم الطلاق الفعلي أهون من الاستمرار في علاقة مزيفة وغير متوازنة على الصعيد الإنساني، وهذه المشكلة تكاد تكون عامة في المجتمعات العربية، بسبب نظرتها الخاصة للطلاق

ويعتبر استشاري الطب النفسي عبدالله حسين أن الحب، كعاطفة تربط بين زوجين، يحتاج إلى دوافع متواصلة ليستمر بنفس القوة، والمشكلة الأساسية تنشأ بين الأزواج عندما يعتقد أحدهما أنه امتلك شريكه عاطفيا وعمليا، وغالبا ما يقود هذا الاعتقاد إلى توقف الشخص عن القيام بأي مجهود لإثبات حبه أو لإثارة شغف الطرف الآخر، وهو ما يؤدي إلى فتور في العلاقة الزوجية. وفي حال استفحل هذا الفتور، قد يؤدي إلى قطيعة عاطفية فعلية.

ويعتقد حسين أن هناك دائمًا أسبابًا للقطيعة العاطفية تتعدى الأسباب النفسية التي تكون في الغالب ذات منشأ فسيولوجي؛ فعلى سبيل المثال، قد يؤدي تناول حبوب الضغط لدى المصابين بهذا المرض إلى الكآبة وبعض الاضطرابات التي تؤدي إلى عدم قدرة الشخص على التواصل مع الآخرين، وفي بعض الحالات تؤدي حبوب منع الحمل التي تتناولها المرأة إلى فتور عاطفي ونفور من الشريك. وهذا يعني أنه من غير الممكن التحدث في العموميات، في ما يخص موضوع الطلاق العاطفي، باعتباره موضوعا حساسا جدا ويستدعي الإحاطة بمجمل الظروف التي تحيط به، والتي تختلف باختلاف تجارب الناس.

وينبه المختص النفسي في المقابل إلى حقيقة مؤكدة؛ هي أن للطلاق النفسي أيا كانت أسبابه، آثارًا عميقة على حالة الأبناء النفسية، ويمكن أن تكون أسوأ من آثار الطلاق الفعلي، وهذا النوع من الطلاق يؤثر سلبا على النمو العاطفي والجسدي للصغار، كما أن له آثارًا سيئة على صحة الزوجين النفسية، لذلك فإنه من الضروري في حال استفحل الخلاف اللجوء إلى الطلاق الفعلي لأنه سيكون أفضل لمصلحة الطرفين ومصلحة الأبناء أيضا.

وترى خبيرة الصحة النفسية بالقصر العيني مفيدة سليم، أن الكثير من النساء يخجلن من الطلاق ويعتبرنه فشلا لا يمكن مواجهته في حياتهن ومستقبلهن، وهذا في نظرها يشبه أشد أنواع التعذيب؛ إذ يختبئ المرء وراء ستار من الوهم خوفا من مواجهة الواقع.

وتضيف سليم “أعتقد أن ألم الطلاق أهون ألف مرة من الاستمرار في علاقة مزيفة وغير متوازنة على الصعيد الإنساني، وهذه المشكلة تكاد تكون عامة في المجتمعات العربية، على وجه الخصوص، ذلك أن الطلاق في المجتمعات الغربية لا يشكل أزمة أو فارقا في الحياة الاجتماعية”.

الاختباء وراء ستار من الوهم خوفا من مواجهة الواقع
الاختباء وراء ستار من الوهم خوفا من مواجهة الواقع

وترجع الخبيرة في الصحة النفسية مشكلة المجتمعات العربية مع الطلاق إلى فقدان ثقافة ومهارة الحوار وانعدام التواصل، ما يؤدي إلى الانكماش العاطفي تمهيدًا لانعدام العواطف تماما، فالبعض ينكر وجود المشكلة أصلا، ويعتقد أن الإنكار يغيّب المشكلة، ولكن المشكلة لا يمكن أن تختفي، بل تتوارى في العقل الباطن وتظهر على السطح بين الحين والآخر في شكل أمراض نفسية متعددة.

ويعترف البعض الآخر بوجود مشكلة، ولكنه يتحاشى التصدي لها، وذلك بالهروب إلى سلوكيات ونشاطات تماثل حالات الإسراف في الشراء أو في الأحاديث الهاتفية، وفي هذه الحالة تتحول العلاقات العاطفية إلى هاجس قهري لا يمكن مواجهته، لكن هذا لا ينفي وجود فئات تتعامل مع المشكلة بشجاعة وحكمة.

ويقترح أستاذ علم الاجتماع حمدي منصور، استخدام عبارة الطلاق الصامت بدلا من الطلاق العاطفي أو النفسي؛ لأنها أكثر دلالة على عدم القدرة على التواصل بين الشريكين.

ويقول “من خلال تجربتي في تقديم النصائح والحلول للمشكلات التي ترد علي، تبيّن أن معظم المشكلات الزوجية مردها الطلاق الصامت، وهي الحالة التي تعجز فيها المرأة عن مواجهة المجتمع بالطلاق العلني، فتؤثر الصمت”، مؤكدا أنّ عامل اختيار الشريك يلعب دورًا أساسيا في تحديد طبيعة الحياة المستقبلية بين الزوجين.

ويأسف منصور على أنه في أغلب الأحيان لا تكون للمرأة حيلة في اختيار شريكها، وأحيانا عندما يترك لها الخيار تختار عشوائيا خوفا من العنوسة. ومن الضروري أن يتحمل الإنسان مسؤولية اختياره، خاصة أن الحب لا يعتبر القوام الأساسي للزواج؛ فالحب مفهوم متغير.

21