النهضة تربك أداء قيس سعيّد باستغلال مخاوف الشارع من كورونا

تونس - لم يخف الرئيس التونسي قيس سعيّد في خطاب، الجمعة، انزعاجه من وجود تحرّكات خفية تربك أداء السلطة المركزية، وذلك بعد أن بادرت محافظات (ولايات) إلى اتخاذ قرار بإغلاق مجالها الترابي أمام الوافدين من محافظات ومدن قريبة منها.
ويظهر القرار أن المؤسسات المحلية اتخذت قرارها لتأمين حياة الناس في ظل غياب المؤسسات العليا للدولة، وبالذات رئاسة الجمهورية التي يعود لها وحدها اتخاذ القرارات الخاصة بالأمن والطوارئ، وهو ما بدا استهدافا ممنهجا للرئيس سعيّد، خاصة بعد ما صاحب خطابه السبت من حملة كبيرة ضد لغة الخطاب وغموض الإجراءات التي تم اتخاذها خاصة ما تعلق بالتمييز بين الحجر الصحي القسري وحظر التجوال الشامل.
وبعد الإعلان عن إجراءات جديدة بشأن مواجهة انتشار الفايروس، لفت الرئيس سعيّد في خطاب الجمعة إلى أنه “لا مجال لأخذ قرارات من أيّ سلطة محلية أو جهوية دون الرجوع إلى السلطة المركزية والتنسيق معها”، مشددا على أن “هناك دولة واحدة موحّدة ولا مجال في تونس لمن يريد أن يضعف الدولة ومؤسساتها”.
وقال متابعون للشأن التونسي إن سعيّد لم يكن ليطلق هذه التصريحات القوية لو كانت قرارات المحافظات والمحليات عملا تلقائيا، وإن الرئيس التونسي لديه شكوك بأنّ جهة ما وراء هذه القرارات التي تمّت بشكل متزامن في مناطق تعرف بسيطرة حركة النهضة على مؤسسات الحكم المحلي فيها.
وليست المرّة الأولى التي يشير فيها الرئيس سعيّد إلى وجود تضارب في الصلاحيات منذ بدء أزمة كورونا، حيث أشار الاثنين في لقائه مع رئيس الحكومة إلى “ضرورة تكامل عمل مؤسسات الدولة لخدمة المواطنين واحترام كل سلطة لاختصاصاتها دون تداخل أو تضارب أو مضاربات سياسية”، وذلك كردّ على دعوة البرلمان إلى فرض حظر تجوال كامل لمدة أسبوعين لمحاصرة انتشار الفايروس كون تونس تستطيع أن تحد من آثاره بالوقاية في ظل محدودية إمكانياتها الصحية.
وأعلنت وزارة الصحة التونسية، السّبت، تسجيل 6 إصابات جديدة بفايروس كورونا، ليرتفع عدد المُصابين في البلاد إلى 60.
وقالت إنصاف بن علية، المديرة العامة للمرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة بوزارة الصحة، خلال مؤتمر صحافي بالعاصمة تونس، إنه “تم إجراء 126 تحليلا مخبريا، الجمعة، كانت نتائج 6 منهم إيجابية (مصابة بالمرض)”.
وذكرت أن إجمالي المصابين بالفايروس في البلاد بلغ 60 حالة، 10 منها لأشخاص غير تونسيين يحملون جنسيات أجنبية (لم تذكرها).
وتمكّنت تونس إلى الآن من السيطرة على كورونا ومنع انتشاره على الرغم من محدودية الإمكانيات، وحققت إجراءات الحكومة وقرارات الرئيس توازنا بين منع انتشار كورونا والإبقاء على مسيرة الحياة اليومية بنسق أبطأ ولكن ليس حجرا شاملا.
لكن الأداء الحكومي، الذي يلقى قبولا في الشارع، باتت تهدده الخلافات السياسية بين الرؤوس الثلاثة للسلطة (رئاسة الجمهورية، رئاسة البرلمان، ورئاسة الحكومة)، وهي خلافات خرجت من دائرة التلميح إلى الخلاف العلني، خاصة بعد تصريحات جديدة لرئيس الحكومة.
وفيما يطالب إلياس الفخفاخ بتفويض من البرلمان يتيح له إصدار المراسيم لمواجهة أزمة كورونا، التي يتوقّع أن تضع البلاد أمام تحدّيات صعبة ومعقدة، فإن البرلمان يرفض منح رئيس الحكومة أيّ صلاحيات مطلقة حتى يظل القرار الأخير بيد المؤسسة التشريعية.
وينتظر أن يعقد البرلمان جلسة عامة لسماع رئيس الحكومة والوزراء المعنيين بإدارة أزمة الفايروس بهدف التأكيد على أن البرلمان هو المرجع الوحيد للحكومة، وفق ما ينص على ذلك الدستور، وليس المرجع هو رئيس الجمهورية كما يحبذ الفخفاخ كون الحكومة هي “حكومة الرئيس” وتشكلت بضمانة منه.
ودعا الفخفاخ لدى اجتماعه الجمعة برؤساء وممثلي الأحزاب إلى “تغليب المصلحة العليا للوطن والاجتماع حول أهداف موحّدة قصد أخذ القرارات الصائبة والكفيلة بكسب رهان مجابهة انتشار كورونا ومقاومته “.
واعتبر رئيس الحكومة، وفق بيان صادر عن رئاسة الحكومة، أن “الظرف استثنائي ويستدعي رصّ الصفوف وتوحيد المواقف والتحلّي بروح المسؤولية العالية”.

ويعتقد مراقبون أن تعدّد الرؤوس يهدد معركة تونس مع كورونا، وهي معركة صعبة خاصة في ظل محدودية الإمكانيات التي تحوزها وزارة الصحة لمواجهة فايروس عجزت عن الحد من آثاره دول ذات إمكانيات أكبر مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا.
وقال جوهر بن مبارك، الناشط السياسي والحقوقي، إن موجة كورونا هي “اختبار للدستور و توزيع الصلاحيات بين مؤسساته”، محذّرا من الانزلاق نحو تصادم الإرادات.
وأضاف بن مبارك أن “مثل هذه الأزمات لا يقودها إلاّ ربّان واحد له الكلمة الفصل و سرعة القرار وتناسق الإجراءات”.
وقررت تونس السبت تخصيص مراكز محددة لفرض الحجر الصحي الإلزامي للحد من انتشار الفايروس.
وأعلن وزير الصحة عبداللطيف المكي، في مؤتمر صحافي، عن تطبيق الحجر الصحي الإلزامي على الوافدين من الخارج والمشتبه بحملهم الفايروس في مراكز تشرف عليها الوزارة.
وقال المكي “تبين أن الثغرة الكبرى هي عدم الالتزام بالحجر الصحي الذاتي أو الالتزام بذلك بشكل خاطئ ما يعرّض العديد للعدوى بالفايروس”.