"النني" المصري في تل أبيب.. لا غضبا ولا كبرياء

الجمعة 2014/02/21
محمد النني رفقة محمد صلاح

القاهرة- ربما هو الالتزام بثقافة الاحتراف الكروي، أو كذلك بسبب الانشغال بالهموم الداخلية التي تتزايد في مجالات كثيرة من البلاد، ولكن النتيجة النهائية تبقى أن المصريين أصبحوا غير مبالين، بذهاب لاعبي منتخب الفراعنة المحترفين بالخارج مع فرقهم إلى تل أبيب، وملاقاة الفرق والمنتخبات الإسرائيلية في كرة القدم وغيرها من “اللعبات” والتعامل مع هذه المسألة بحساسية مفرطة، والتي غلفت حالات “التطبيع الرياضي” الإجباري أو الاختياري، منذ توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” للسلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 وحتى ما قبل ثورة الثلاثين من يونيو- حزيران 2013.

وهذا التحول يمكن ملاحظته بسهولة في تغطية الصحف المصرية لذهاب نجم المنتخب المصري اللاعب محمد النني في “مهمة إلى تل أبيب” مع فريقه السويسري بازل الذي واجه مكابي تل أبيب الإسرائيلي في ذهاب دور الـ32 من الدوري الأوروبي، مساء أمس الخميس، حيث غابت العناوين الساخنة والكلمات الحماسية بعكس ما اعتادت عليه وسائل الإعلام المصرية في السابق، والتي وصلت حماستها إلى تحويل لاعبي منتخب مصر لكرة اليد عام 1996 إلى أبطال قوميين لمجرد أنهم تركوا لعبة كرة اليد وتفرغوا لضرب لاعبي منتخب إسرائيل، خلال لقاء ودي جمع المنتخبين في هولندا وتورط فيه مسؤولو المنتخب المصري على حد روايتهم، وكان يفترض مشاركة منتخب البرازيل، لكن اعتذاره في اللحظات الأخيرة دفع المسؤولين عن البطولة الودية إلى الاستعانة بمنتخب إسرائيل، الذي صادف وجوده في العاصمة الهولندية أمستردام مع التوقيت ذاته.

وأمام إصرار جهات مصرية على عدم الانسحاب تفاديا لأزمة دبلوماسية بين البلدين، شارك لاعبو مصر في المباراة وقتها وأوقعوا 5 إصابات بالغة في صفوف “منتخب العدو (إسرائيل)” وهو ما هلّلت له الصحافة المصرية دون أن تقف عند فكرة ما حمله هذا التصرف من تجاوز للروح الرياضية.

حركات محمد صلاح لاعب تشيلسي في التحايل على إلزام ناديه السابق بازل له باللعب أمام مكابي تل أبيب، فشلت

ولكن الظروف تغيّرت، بتغير المزاج كما تقول الحكمة المعروفة، ولهذا فإن انشغال الناس في “عموم المحروسة” بالتطورات التي تجري في مصر منذ عزل الرئيس محمد مرسي، أفقد مثل هذه الأخبار جزء كبيرا من الاهتمام الذي كانت تحظى به قبل ذلك، وهو ما انعكس في تعاملهم البارد مع اجتراء وفد من نقابة الصحفيين المصريين على كسر حاجز المقاطعة الذي ظلت النقابة واحدة من قلاعه الحصينة منذ توقيع “كامب ديفيد”، بعدما تجولوا في مدن إسرائيلية ودخلوا القدس المحتلة خلال زيارة لرام الله بدعوة من السلطات الفلسطينية هناك.

وكان لافتا أنّ خرق أحد المبادئ الأساسية لنقابة الصحفيين لم يزعج سوى المئات من أعضاء النقابة، بل إنه رغم جسامته بالمعايير التاريخية لم يستدع عقد جمعية عمومية طارئة لسحب الثقة من مجلس النقابة أو تحويل المخالفين إلى التحقيق.

وحتى حركات محمد صلاح، لاعب تشيلسي حاليا، في التحايل على إلزام ناديه السابق بازل السويسري له باللعب أمام مكابي تل أبيب، فشلت واضطر اللاعب الدولي المصري للرضوخ واللعب مع فريقه، الصيف الماضى، ثم مناورته لتجنب مصافحة لاعبي الفريق الإسرائيلي التي اكتملت بإقدامه على السجود في ملعب تل أبيب في قلب إسرائيل شكرا لله بعد تسجيله هدفا لفريقه.

كل هذه السلوكيات التي طالما اعتبرها المصريون بطولية لم تلق الاهتمام الكافي، إلا بعد أن شنّت صحف إسرائيلية هجوما عنيفا على اللاعب المصري الشاب وصل إلى حد اتهام بعضها له بمعاداة السامية وهي تهمة كفيلة بالقضاء على مشواره الاحترافي في أوروبا في بدايته، الأمر الذي استدعى تدخل الإعلام المصري بثقله لمساندة نجم الفراعنة.

خلاصة الأمر أن التطبيع الذي فشل الرئيس المصري الراحل أنور السادات وكل رؤساء الوزارات المتعاقبين في إسرائيل في تحقيقه أو فرضه على المصريين طوال أكثر من 35 عاما، قد يكون أمام فرصة تاريخية نادرة للتحقق في أيام لم تعد فيها إسرائيل هي العدو الأهم أو على الأقل الوحيد للمصريين.

22