النظرية والمفهوم أهما محايدان
هناك أسئلة مطروحة في خصوص استخدام النظرية والمفهوم النابعين في بيئة مختلفة وهي: هل النظريات والمناهج مجرد آليات بموجبها تؤول الإبداعات، والنصوص، والظواهر الثقافية والفكرية بغض النظر عن خصوصيات التربة التي نشأت فيها، أم أنها مستقلة عن المجتمعات الأخرى التي لم تشارك في نحتها؟ وهل تحمل نظريات الفيزياء مثل نظرية الجاذبية، أو نظرية الكمَ طابع مضامين ثقافة المجتمع الذي ولدت فيه أم أن النظريات العلمية شيء، والنظريات المشتقة من رحم الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية شيء آخر؟
في هذا الصدد يميل فريق من المنظرين إلى القول بأن المهم هو ليس ميلاد النظريات في التراث الفلسفي أو الرياضي في جغرافية هذه الأمة أو تلك الأخرى، وإنما المهم هو تشغيل هذه النظريات مجددا وفي فضاءات معرفية مختلفة على نحو مثمر.
إن هذا الفريق الذي يعتقد في كونية النظرية، أو المفهوم أو المنهج يرى أن تطبيق الغرب لكثير من النظريات والمناهج المشتقة من بيئة التراث العربي الإسلامي، مثلا، لم يؤدّ إلى استيراد ميكانيكي لعقل غير غربي إلى مجتمعاتهم.
في هذا السياق يقال أيضا بأن هناك عشرات النظريات في الفيزياء التي تجمدت لوقت طويل داخل أقفاص هذا الحقل المعرفي في بيئة معينة بعثت فيها الحياة الجديدة بعدما نقلت لتشتغل في حقل نظرية الأدب أو في حقل الدراسات الثقافية أو العلوم الإنسانية في مجتمع آخر. فالنظرية رحالة كما قال إدوارد سعيد.
ثم إن ميلاد النظرية لا يعني حرفيا ميلادها الأول وانتهى الأمر، بل هناك أكثر من ميلاد جديد مغاير للنظرية أو للمفهوم ويتحقق الميلاد الثاني أو الثالث عندما تعمل النظرية التي نقلت من ثقافة ما إلى أخرى، أو من حقل معرفي ما إلى آخر بنجاح في الحقل المعرفي الذي طبقت فيه.
إن الحجة الأخرى التي يتمسك بها المدافعون عن هذا الرأي تتمثل في الأطروحة القائلة بأن الثقافات تتميز بالتجاور، وأنها في ظلهما تتحاور، وتمارس تلقيح بعضها البعض، وإذا توقفت عن هذه العمليات فإنها تصاب بالتكلس وربما بالعزلة المؤدية إلى الموت الرمزي البطيء.
وبالمقابل هناك فريق آخر يتذرع بحجة لها ما يبررها أيضا وتتلخص في أنَ النظرية، أو المفهوم هما وليدا حاجة مجتمع ما لحل مشكلة معرفية، أو اجتماعية، أو تقنية تخصه هو في مرحلة تاريخية معينة، وهذا يعني أن كلاَ منهما مطبوع بطابع نوعية مشكلاته المتميزة، ومستواه الثقافي والعلمي المختلف. أعتقد أن الحل هو أن تطبيق النظرية أو المفهوم، مشروط دائما بتجاربهما لاختبار مدى إمكانية ملاءمتهما أو عدم صلاحية أيّ منهما لوضع مغاير.
كاتب من الجزائر