النظام الجزائري وشعار إصلاح الجامعة العربية
ما هو الموقع الحقيقي للجزائر داخل الجامعة العربية في الوقت الراهن؟ وهل يمكن أن يتصور أحد أن تحقق الفاعلية فيها بعيدا عن الاتحاد المغاربي الذي ساهم النظام الجزائري في جموده حيث أنه منذ سنوات طويلة وهذا النظام لم يلعب دورا في خلق الانفراج لمعالجة عدة مشكلات وفي صدارتها مشكلة الصحراء الغربية؟ ثم هل بإمكان النظام الجزائري أن يتحرك في فضاء الجامعة العربية في الوقت الذي تتباين فيه سياساته الخارجية مع الكثير من الدول العربية تجاه إيران أو اليمن أو سوريا أو الصحراء الغربية وغيرها من القضايا الكبرى؟
لا شك أن هذا التباين بينه وبين عدد من هذه الدول عميق وليس مجرد مسألة ثانوية واستثنائية، علما أن هذا التباين وغيره من التباينات بين الدول العربية هو الذي حوّل الجامعة العربية إلى مجرد منتدى للأعمال السياسية الخيرية غير الملزمة، ولا شك أيضا أن هذا التباين يكشف عن غلبة مصالح الدولة القُطرية على المصير المشترك بين الدول المكوَنة لهيكل الجامعة العربية. وهنا نتساءل إذا كان النظام الحاكم في الجزائر على حق في سياساته هذه، فلماذا لم يفتح النقاش الشعبي والرسمي بكل وضوح في إطار الجامعة العربية ومؤسساتها، وعبر وسائل الإعلام المغاربية والعربية مع الدول العربية التي تختلف معه أمام الرأي العام المغاربي في المنطقة المغاربية، والعربي في المشرق لكي يقدم الحجج التي يستند إليها، خاصة وأن الشعارات المرفوعة تروج أن الجامعة العربية هي البيت الواسع لجميع مواطني بلداننا؟
البيان الختامي للقمة العربية التي انعقدت أشغالها في العاصمة الموريتانية نواكشوط تحت شعار “قمة الأمل” وشاركت فيها الدول العربية بوفودها الرسمية وغاب عنها 14 قائدا عربيا، قد كشف عن خلافات كبيرة منها خلافات الجزائر مع عدد من الدول العربية. من المعلوم أن مشاركة الجزائر في هذه القمة بوفد ترأسه عبدالقادر بن صالح رئيس مجلس الأمة الجزائري كانت رمزية في ظل غياب الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة جراء مرضه المزمن الذي أبعده عن الأحداث المهمة ذات الطابع الإقليمي.
لست هنا بصدد التعليق عن كل المشاركات العربية في هذه الدورة، بل إنني أريد أن أتناول وضع ومشاركة الجزائر في هذه المنظمة التي تأسست رسميا عام 1945 وانضمت إليها بعد 37 سنة من إنشائها، أي في العام 1962 الذي شهد استقلالها. في هذه الدورة دعا عبدالقادر بن صالح رئيس مجلس الأمة وممثل الرئيس بوتفليقة الرسمي في هذه القمة إلى إصلاح الجامعة العربية وتطوير آليات عملها، وأكد أن هذين العنصرين هما من “أهم الرهانات التي يتعين على الدول العربية رفعها”، كما أبرز أن المطلوب هو “إضفاء النجاعة المطلوبة على عملنا المشترك والتكيف مع المتطلبات العربية الراهنة ومواجهة التحديات الجديدة لترقية عملنا العربي المشترك خدمة لقضايانا القومية ومواكبة آمال شعوبنا”.
اختصر بن صالح مهمته في لفت الأنظار إلى أن الواقع العربي الراهن يضع “قمتنا اليوم على المحك في التعامل وفق رؤية إستراتيجية مشتركة تتكفل بالقضايا المصيرية السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأس هذه التحديات آفة الإرهاب وخطر انتشار التنظيمات الإرهابية التي أصبحت تهدد أمن واستقرار دولنا”.
يبدو من محتوى الكلمة التي ألقاها بن صالح في قمة نواكشوط أنه يختزل كل مشكلات بلداننا في الإرهاب وهو بذلك لا يسمي الأمور بأسمائها وبالعكس فإن اللغة التي استخدمها في هذه الدورة تتميز بالغموض والتعميم والابتعاد عن التصريح واتخاذ المواقف الواضحة. وفي الواقع فإن الدعوة الجزائرية إلى إصلاح الجامعة العربية ليست راديكالية سواء في ما يتعلق بالجانب التنظيمي الهيكلي، أو بجانب الفاعلية السياسية عربيا ودوليا. في السنوات الماضية رفعت الجزائر شعار ضرورة “تدوير الأمانة العامة للجامعة العربية” أي إعادة النظر في إسناد الأمانة العامة لدولة عربية واحدة على نحو دائم وهي مصر، واستبدال هذا السلوك بأسلوب يضمن التداول على هذه الأمانة العامة، ولكن سرعان ما تخلى النظام الجزائري عن هذه الفكرة التي لم يعتبرها مبدأ ديمقراطيا في تسيير شؤون هذه المنظمة الإقليمية.
إلى جانب ما تقدم فإن النظام الجزائري يسلك سياسات السير نصف الطريق في ما يخص قضية إصلاح الجامعة العربية التي ينص ميثاقها الحالي على مسائل لا تنم عن وجود أي استراتيجية عربية موحدة في مجال الأمن والدفاع المشترك، والوحدة الاقتصادية، وبناء الدولة الديمقراطية الكبرى التي تحترم الحريات والإثنيات في الجغرافيا الممتدة من المحيط الأطلسي غربا إلى مياه الخليج شرقا، وهكذا يكتفي النظام الجزائري ببنود هذا الميثاق التي تختزل مصير بلداننا في المسائل التالية “التنسيق بين الدول الأعضاء في الشؤون الاقتصادية، ومن ضمنها العلاقات التجارية، الاتصالات، العلاقات الثقافية، الجنسيات ووثائق وأذونات السفر والعلاقات الاجتماعية والصحة”، علما أن التنسيق في هذه المسائل معدوم ولم يرفع النظام الجزائري صوته ليقدم النموذج الذي على أساسه يمكن أن يحدث تحول نوعي وتغيير حقيقي في العلاقات العربية – العربية.
ومن الواضح أن دعوة النظام الجزائري إلى إصلاح الجامعة العربية ليست إلا سلوكا براغماتيا لا يستلهم مبادئ الجامعة العربية لعام 1945 التي كانت أكثر استجابة لطموحات المواطنين والمواطنات من المحيط إلى الخليج، حيث نصت على “التعزيز والتنسيق في البرامج السياسية والبرامج الثقافية والاقتصادية والاجتماعية لأعضائها، والتوسط في حل النزاعات التي تنشأ بين دولها، أو النزاعات بين دولها وأطراف ثالثة”.
إن عدم طرح قضية إصلاح الجامعة العربية على نحو يضيف إلى هذه اللبنات بعد الوحدة الحقيقية بين بلداننا، سواء في شكل فيدرالي ديمقراطي أو على أساس الطرح الراديكالي الذي طرح في بدايات تشكل فكرة هذه المنظمة في الأربعينات من القرن الماضي، هو الذي أدى إلى اكتفاء النظام الجزائري بإجراء إصلاحات ترقيعية داخل تجمع يتماهى مع صورة منتدى شكلي لا ثقل له في الساحة العربية أو الدولية اقتصاديا وثقافيا وأمنيا وعسكريا.
كاتب جزائري