النظام الجزائري.. تدوير المناصب

ترسيخ النظام الجزائري لآلية إقالة المسؤولين ثم إعادتهم إلى الواجهة دليل على تغييب الأخلاقيات التي تعرفها الدولة الحديثة.
الخميس 2018/10/25
مراقبون: الجزائر محكومة بنزوات الأشخاص وليس بالأفكار المتطورة والمبادئ العليا

نشرت بعض الصحف الجزائرية هذا الأسبوع خبرا يؤكد إمكانية تعيين وزير خارجية الجزائر السابق رمطان لعمامرة قريبا في منصب المبعوث الأممي إلى سوريا خلفا لستافان دي ميستورا الذي يقال بأنه طلب من الأمين العام للأمم المتحدة إعفاءه من هذا المنصب، ويبرز هذا الخبر مسألة ملفتة للنظر وهي تكرار سيناريو التلاعب الانتهازي الذي يمارسه النظام الجزائري بخصوص تدوير المناصب العليا الحساسة بين المسؤولين الذين يستخدمهم كبيادق، ومنهم رمطان لعمامرة الذي أبعد في ظروف غامضة عن منصبه كوزير خارجية الجزائر منذ مدة ليست بالطويلة دون محاسبته أمام الرأي العام ودون إعلام الشعب الجزائري بالأسباب الحقيقية التي أدت إلى التخلص منه.

في هذا السياق نجد عددا من المحللين السياسيين الجزائريين يتساءلون: لماذا رمطان لعمامرة وليس إحدى الشخصيات الجزائرية النظيفة والمحايدة والتي ليس لها تاريخ فاسد أو محسوبة على بيت الطاعة؟ ولماذا يختار النظام الجزائري لعمامرة مع أن شبهات كثيرة ما فتئت تدور حوله ولم تكشف للرأي العام الوطني إلى اليوم؟ ثم ماذا قدم لعمامرة للجزائر حتى يكافأ بمنصب دولي يدر على من يشغله مئات الآلاف من الدولارات؟ ولماذا يدور النظام في الحلقة المفرغة والتي تتمثل في إخراج المسؤولين من النافذة لفترة وبعدئذ إدخالهم من جديد إلى الحياة السياسية أو الدبلوماسية من الباب العالي؟ وما هي قيمة لعمامرة في المشهد السياسي الجزائري علما أنه لا يمثل أي رمزية تذكر؟

تفيد القراءة الأولية للسيرة الذاتية العلمية والمهنية لرمطان لعمامرة بأنه لم يتلق أي تعليم دبلوماسي أو سياسي معتبر سواء في الجزائر أو في العالم العربي أو في الغرب، بل إنه تخرج من المدرسة الوطنية للإدارة بالجزائر، مع العلم أن هذه المدرسة لعبت أدوارا مفصلية في تخريج عدد كبير من الأشخاص الذين شغلوا مناصب عليا وحساسة في الإدارة الجزائرية في أعلى هرم السلطة وفي المحافظات وفي السلك الدبلوماسي بما في ذلك الأجهزة المختلفة التي تعمل خارج الوطن، وتفيد التقارير التي رصدت نشاطات هؤلاء كمسؤولين كبار بأنهم لعبوا أدوارا مفصلية في فرض الرأسمالية المتوحشة على الشعب الجزائري، وفي خلق التراتبية الاجتماعية والاقتصادية على نحو فاحش، وكذا ضرب التعددية الحزبية وتحويلها إلى ديكور خارجي لتزويق النظام الحاكم، وتدمير التنمية الوطنية التي صرفت عليها مئات المليارات من الدولارات ولا شيء تحقق سوى تعميق مختلف أشكال التخلف البنيوي المادي والثقافي في الجزائر.

 ولقد أدى كل ذلك إلى إبعاد الجزائر عن طريق التحديث ما كرس شتى أنماط التخلف في المجتمع الجزائري. وفي الحقيقة فإن المدرسة الوطنية للإدارة التي تخرج منها لعمامرة وجعلت منه موظفا ساميا تتحمل جزءا من مسؤولية انهيار مشروع بناء الدولة الديمقراطية، وتعويضه بنسق النظام البيروقراطي الذي أفشل تأسيس اللا مركزية كأسلوب لإدارة شؤون المواطنين والمواطنات.

ولا شك أن ترسيخ النظام الجزائري لآلية إقالة المسؤولين لفترة ثم إعادتهم إلى الواجهة السياسية هو دليل واضح على تغييب الأخلاقيات التي تعرفها الدولة الحديثة، وهذا ما جعل الجزائر محكومة بنزوات الأشخاص وليس بالأفكار المتطورة والمبادئ العليا.

في هذا السياق فقط يمكن لنا أن نفهم وضعية لعمامرة ومجموعة أخرى من رجال النظام الجزائري، منهم الوزراء الذين تخرجوا من المدرسة العليا للإدارة. ولكي تتضح لنا الصورة نذكر بعض أسماء هؤلاء على سبيل المثال فقط، منهم رئيس الوزراء السابق المقال عبدالمالك سلال، والوزير الأول الحالي أحمد أويحيى، ومحمد الغازي وغيرهم كثير. وفي الحقيقة فإن موقع رمطان لعمامرة ضمن هذه الفرقة المذكورة إلى جانب كونه رجل الولايات المتحدة هو الذي حال دون الكشف عن المستور في ملفه بعد أن أقيل من منصبه كوزير الخارجية، ثم أبقي ضمن قائمة الاحتياط، ربما انتظارا لأن تحين الفرصة ليزج به النظام في الواجهة السياسية أو الدبلوماسية مجددا. علما أن كل المحاولات المبذولة لتقديم هذا الرجل راهنا كلاعب مهم سابق على المستوى الدبلوماسي الدولي لا مبرر لها خاصة وأنه قد فشل في حل الأزمة الليبية وفي تسويق “المبدأ الأفريقي القاضي بعدم السماح بأي تدخل عسكري في ليبيا”، كما أنه لم يحقق أي إنجاز في ملف الأزمات الإثنية بأفريقيا وغيرها من القضايا.

9