النساء يترجمن الأوقات العصيبة إلى ضحك

المرأة تجيد الدراما والإغراء وقادرة على الإضحاك أيضا لكن القائمين على الكتابة يوجهون أعمالهم للرجال.
الأحد 2019/02/03
ضحك مخضب بالدموع

يتم التعامل مع العروض الكوميدية للمرأة بصرامة تجعل أي إخفاق لها هو بالضرورة إخفاق لجميع الأعمال النسائية الكوميدية، وفق معايير بعيدة عن الحيادية وقريبة من احتكار ذكوري لصناعة هذا النوع من الفن، بدءا من كتاب السيناريو وصولا إلى نقاد العمل، حيث تكافح العديد من الممثلات وسط هذا التحيّز الذكوري لإثبات قدرتهن على الإضحاك بجرأة وجدارة قد يفتقدهما أحيانا الرجل.

"عمق الغناء يأتي أحيانا من عمق الوجع، كما يأتي الضحك الذهبي أحيانا من كثرة المتاهات" حكمة تعبّر بشكل ما عن المرأة، فالقاسم الذي يكاد يكون مشتركا بين أغلب الفنانات العربيات أنهن دخلن عالم الفن تحت تهديدات ذكورية وصلت حد المجاهرة بالقتل، ومع ذلك رسمت العديد منهن طريقا للنجاح والشهرة، لكنهن لم يسلمن من عوائق حاولت تحديد مسارهن وإلباسهن أدوارا دون أخرى نسجت بخيال ومباركة من الرجال.

وظهرت المرأة غالبا متدثرة بأثواب العفة والجمال، فتاة حالمة بعالم الرومانسية الجميل أو متلونة بأحزان تراجيديا فصّلت على مقاس زادها من دموع التماسيح، فرُسّخ مع الوقت في اعتقاد الجماهير العريضة بأن النساء لم يُصنعن من أجل الكوميديا، على الرغم من أنه لا يمكن إنكار وجود ممثلات أضحكن فأقنعن على مستوى عربي وأجنبي، لكن لعدة اعتبارات ظل عددهن محتشما مقارنة بالرجال.

وأصل المشكلة لا يتعلق بمهارات بقدر ما يرتبط ارتباطا وثيقا بجنس الممثل أو كاتب السيناريو، فقد وجد في أواخر العام الماضي أول عمل كوميدي بقلم امرأة، طريقه إلى المسرح بعد 400 سنة على كتابته، لا لشيء فقط لأن كاتبته امرأة!

وقالت البروفيسورة اليسون فندلاي من جامعة لانكستر، في تصريح خاص لهيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي”، إن “المسرحية لم تُمثل لأن النقاد الذكور كانوا، تقليديا، يعتقدون أن عملا دراميا كتبته امرأة في القرن السابع عشر لا يُمثل ولا يمكن أن يُمثل ولا يُكتب لكي يُمثل”، لكن “انتصار الحب” ووجدت مسرحية ماري روث طريقها للجمهور.

غير أنّ هذا الانتصار، الذي طال انتظاره على الرفوف أربعة قرون، مازال محتشما ونسبيا ويعكس مؤامرة تقصي المرأة من دائرة صناعة فن الإضحاك، حيث أفادت الممثلة البريطانية ريتشل وايز أنها تعتزم التعويل على ذاتها من أجل دخول عالم الكوميديا، قائلة إن “المخرجين يرونني في أدوار درامية أو رومانسية، لكني أنوي إجراء بعض التعديلات في هذا الوضع بما أنني أصبحت منتجة أملك شركتي السينمائية الخاصة.. وسأمنح نفسي دورا فكاهيا بمجرد أن أعثر على سيناريو جيد يتضمن شخصية نسائية كوميدية حلوة، وهذا أمر نادر، بما أن أفضل الأدوار الفكاهية مكتوبة للرجال”.

جاسم المظهر: ابتسامة المرأة الجذابة تثيرنا بينما نركز في الرجل على أن يكون قادرا على إضحاكنا
جاسم المظهر: ابتسامة المرأة الجذابة تثيرنا بينما نركز في الرجل على أن يكون قادرا على إضحاكنا

وتوضح الممثلة الأميركية، كريستن ويغ، أن هذا الإقصاء سببه فكرة سائدة “فحواها أن المرأة لا يجب أن تكسر إطار جاذبيتها وأنوثتها، وأن تفرط بجمالها في أدوار كوميدية، بينما يستطيع الرجل فعل ذلك من دون أي خوف على سمعته”.

ويبدو خفوت نجم النساء من الكوميديات وضعف مشاركتهن في هذا المجال بيّنا بوضوح في عدد الجوائز التي تسلّمنها مقارنة بالرجال، حيث حصدت أوّل امرأة جائزة مسابقة “Just For Laughs Homegrown Comics” الكندية في النسخة الخامسة والثلاثين من هذه المسابقة. أما جوائز مسابقة “جوائز إدنبرة للكوميديا” التي تقام ضمن فعاليات مهرجان إدنبرة، فقد حصدتها خمس نساء فقط خلال 38 عاما.

أحكام مسبقة

هذا التواجد المحتشم لا يعكس إخفاقا أنثويا في حبك خيوط اللعبة الكوميدية، بل يؤكد ويكشف كمّ التلاعب الحاصل تحت الطاولات، حيث أن أيا كان ما تفعله المرأة، فمن المرجح أن يتم الحكم عليها وفقا للقواعد والنظم التي يضعها الرجال.

وهذا يعكس اختلال التوازن بين الجنسين في الصناعة، لأن الرجال كانوا دائما يتلقون الأحكام على أساس ما إذا كانوا ينجحون في إضحاك الجهور أم لا، في حين يتم الحكم على النساء بشكل قاس يحمّلهن مسؤولية صناعة الكوميديا.

لكن أثبتت هاتي ماكدانيال (1895-1952)، وهي ممثلة مسرحية ومغنية وكاتبة أغاني محترفة وممثلة كوميدية أميركية، أن المرأة يمكن أن تبرع في الكوميديا وأن تجوب بنجاحها العالم بأسره في آن، فهذه النجمة أضحكت المئات من الملايين بجملتها الشهيرة “تووووووماس″، حيث اشتهرت بدورها في السلسلة الكرتونية “توم وجيري” وفازت بجائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة، وهي أول جائزة أكاديمية يفوز بها فنان أميركي من أصل أفريقي.

ونجاحها يؤكد ما ذهبت إليه الروائية الكندية، مارغريت أتوود حين قالت “إذا كانت النساء يخشين من أن يقتلهن الرجال، فإن الرجال يخشون من أن تسخر منهم النساء”، ولعل هذا ما يجعلهم يحاصرون المرأة بجملة من الأحكام والفتاوى للحد من حريتهن في التعبير.

ولذلك حوّلت النجمة الباكستانية المسلمة، منى شيخ، التي اتخذت من الكوميديا منصة لانتقاد الشخصيات الدينية البارزة والساسة الذين يستخدمون الإسلام والقرآن عذرا لفرض قيود على النساء، مجموعة من الفتاوى إلى مصدر إلهام لها في أعمالها الكوميدية، قائلة إن “سماع فتوى حمقاء كـ’يجب على النساء ألا تلمس الموز لأنه يشبه العضو التناسلي الذكري’، في الغرب، وبغض النظر عن أصلك، يجعلك تحكّ رأسك وتعتبره هراء سخيفا وجاهلا. لا يمكن لذلك أن يكون دينا. هذا ببساطة غير معقول. ولكن بالنسبة إلي ككوميدية، مثل هذه الفتاوى تعتبر مصدر إلهام رائعا”.

إلا أن المخرج والمصور السينمائي العراقي جاسم المظهر المقيم في بروكسل، يرى أنه “على الرغم من أن ابتسامة المرأة أجمل بكثير من ابتسامة الرجل إلا أن الرجل قادر على إضحاكنا أكثر”، مضيفا تثيرنا ابتسامة المرأة الجذابة بينما نركّز في الرجل على أن يكون قادرا على إضحاكنا، ومعظم الدعايات والبرامج الفنية تكون المرأة محورها الأساسي في الجمال.. كما أنه من المستحيل أن نستمتع بمشاهدة أي دراما مهما كان نوعها دون وجود المرأة الجميلة فيها.. بينما الرجل الكوميدي قادرٌ على إضحاكنا أكثر من المرأة”.

ياسمين عبدالعزيز الوحيدة التي تقبل الكوميديا الصعبة
ياسمين عبدالعزيز الوحيدة التي تقبل الكوميديا الصعبة

وتابع المظهر في حديثه لـ”العرب” “من خلال ما نشاهده من مسرحيات كوميدية على مستوى كافة المسارح العالمية لا يمكن لأكبر امرأة كوميدية أن تضحكنا كما يضحكنا الرجل، بغض النظر عن ذكر أسماء الرجال الكوميديين إلا أنه باستطاعة القارئ أن يراجع كل ما شاهده من أفلام سينمائية كوميدية ومسرحيات أن يلاحظ بأن المرأة لا يمكن لها أن تبتز الرجل الكوميدي سواء أكانت كوميديا سوداء أم بيضاء، ولنذكر مثلا فؤاد المهندس وعادل إمام وسمير غانم ومحمد صبحي وأحمد بدير ومحمد سعد، كل أولئك وغيرهم كان معهم بالمسرحيات نساء كوميديات غير أنهن لم يكن ولا واحدة منهن بمستوى الرجل في قدرته على إضحاكنا”.

وقال إن “سهير البابلي وشاديا مع أحمد بدير وعبدالمنعم مدبولي في مسرحية ‘ريا وسكينة’ صحيح أنهما كانتا كوميديتين ناجحتين جدا غير أنهما لم تصلا إلى مستوى أحمد بدير، وكذلك إسعاد يونس وسمير غانم لم تكن سعاد بمستوى سمير غانم كوميديا، ولم تكن كريمة مختار في مسرحية ‘العيال كبرت’ بمستوى سعيد صالح ويونس شلبي، ومع أن الفنانة ماريا منيب بالأبيض والأسود أرادت أن تبكي الناس على خشبة المسرح فضحكوا من دورها إلا أنها ليست بمستوى نجيب الريحاني”.

ولفت إلى أن “غالبية الناس يعتقدون أن الرجل يغضب من المرأة القوية بدنيا لأنه امتاز على فترات متقدمة من تاريخنا البشري بقوته العضلية، غير أنني أخالف هذا الرأي فأكثر ما يغيض الرجل في الجلسات العائلية أن يجد امرأة قادرة على إضحاك الناس أكثر منه، فهذا الدور يلعبه الرجل أكثر من المرأة ولا يحب الرجل أن تكون زوجته قادرة على إضحاك الناس″.

وختم المظهر قائلا “أن تكون المرأة مضحكة ومسلية وفاتنة الجمال فهذا الشيء يرضي غرور الزوج بينما أن تكون قادرة على إضحاك الناس فهذا يعتبره في اللاشعور -تلقائيا- منافسا له ومبتزا، فنادرا جدا ومن الممكن أن نقول إنه من بين 100 ألف رجل ربما نجد امرأة واحدة قادرة على أن تضحك الناس ولكن ليس بمستوى قدرة الرجل على ذلك.. وهناك سبب آخر وهو أن الرجال يعتبرون المرأة القادرة على إضحاك الناس لا تتحلى برجاحة العقل، بينما يرى الرجل نفسه حين يضحك الناس أنه عبقري ونجم موهوب وصاحب خفة دم وذكاء حاد”.

غير أن البصمة الأنثوية في عدد من الأعمال الكوميدية أثبت أن هذا التفوق العددي والنظرة التي تحصر المرأة في قوالب درامية وومضات إعلانية مجحفة في حقها إضافة إلى احتياج الكوميديا أحيانا إلى لغة جسد أو مواصفات بدنية، لم تسمح الرقابة الاجتماعية وقوانينها في عالم التلفزيون والسينما للنساء بأدائها، وأن هناك نساء تمردن وجعلن الجماهير يضحكون من قلوبهم.

الكوميديا تتطلب الكثير من الجرأة
الكوميديا تتطلب الكثير من الجرأة

ولا يمكن لأي شخص شاهد العمل الأميركي “ليدي بيرد”، وهو فيلم كوميدي من تأليف وإخراج جريتا جيروج وبطولة سيرشا رونان ولوري ميتكاف، أن يستهين به كعمل نسائي كوميدي، كما أن هناك عدة محاولات عربية بعضها كان ثنائيا حيث قدمت الأختان غانم دينا وآيمي عملا كوميديا بعنوان “نيللي وشريهان” سرق الأضواء بطرفته وقدرة الممثلتين على الإضحاك.

وترى الممثلة التونسية ليلى الشابي أن “الكوميديا تتطلب الكثير من الجرأة وهي سمة لصيقة بالرجل ونادرا ما توجد امرأة كوميدية تتحلى بهذه الجرأة وتؤدي دورها على المسرح دون تأتأة، وهو ما يصنع الفارق بين الجنسين”، مشيرة إلى “أن هناك من قال إن الجرأة التي تمتلكها هي كممثلة من المفروض أن تكون عند رجل لا امرأة”.

وأضافت الشابي لـ”العرب” أنها “لا ترى سببا يجعل الممثل يخجل ليقول الأشياء كما هي لاسيما وأن المسرح يحمل الكثير من التأويلات حتى أن من يعتقد في البداية أنها تجاوزت بجرأتها كل الخطوط الحمراء يعبّر بعد العرض عن إعجابه بها وبما تقدمه وبما أرادت إيصاله للناس ما بين السطور”.

وأشارت إلى أنه بعيدا عن المقارنات بين الجنسين هناك صعوبات أخرى إذ ليس من السهل إضحاك أو إبكاء الناس، مؤكدة أن “تقنيات الإضحاك تتطلب شخصا يمتلك إلى جانب خفة الدم الثقة في النفس حتى يصل بفنه للآخرين ويصدقونه ويتفاعلون معه”.

وقالت إن “الكوميديا موهبة ربانية وهو مجال صعب وخصوصا في الأعمال الفردية ويتطلب الكثير من الوقت وهو ما يتوفر للرجال دون النساء لأن المرأة لها التزامات أكثر من الرجل”.

وأكدت الشابي أن “المرأة من ممكن أن تتطرق لكل القضايا أكثر من الرجل، لأن النساء يهتممن بالتفاصيل في الكوميديا أو في التراجيديا”، مشددة على أن “ما تقدمه من عروض يضحك ويمتع في كل مرة النساء والرجال دون استثناء”.

ويبدو أن جميع العوائق تتلاشى عندما نلقي نظرة على بعض أعمال الشابي وغيرها من الممثلات العربيات، فهي تشي بعطاء إبداعي متواصل لا يقف عند حد، حتى وإن كان عددهن مقارنة بالرجال لا يزال قليلا. كما أن حديث الممثلة التونسية عن الجرأة يذكّر بمقولة عالم النفس، سيغموند فرويد، إن “روح مرحنا تعبر عن شخصياتنا، فإذا أطلق المرء نكات قذرة فإن ذلك يعكس شيئا ما عما يشغل باله”، لكن يبقى العائق الأكبر كامنا في صناعة هذا الفن.

ذكورية القائمين بالكتابة

ذهب بعض المحللين إلى أن التركيبة الذكورية للمجتمعات العربية انعكست على الكوميديا وجعلتها فنّا رجاليا، إذ نجد نجوم شباك السينما الكوميدية دائما من الرجال، إلى جانب تركيز كتاب السيناريوهات على الرجل دون المرأة، فالنساء لسن مضحكات تبعا لمعايير كوميدية كتبت بحبر ذكوري.

ويقول السيناريست المصري أسامة حسام، إن الممثلات دائما أقل من الرجل في الأعمال الكوميدية، لأن القائمين على الكتابة يوجهون أعمالهم في الأساس للرجال، أو بمعنى آخر ذكورية القائمين بالكتابة إلى جانب الطبيعة المتجذرة في المرأة ذاتها بأنها أقل في الفكاهة وإلقاء النكتة عن الرجل.

وأضاف حسام لـ”العرب”، أن مصر مثلا تفتقد للأعمال النسائية الكوميدية الصرفة، ويكون دور المرأة غالبا مكملا لدور الممثلين الذكور، على عكس السينما الأميركية التي تمتلك تراثا من الأفلام التي تلعب فيها البطولة ممثلات، ويستطعن جذب الجمهور لشباك التذاكر وتحقيق إيرادات عالية.

هناء العايدي: الموهبة والوجدان لا يفرقان ما بين الجنسين سواء أكان ذكرا أم أنثى
هناء العايدي: الموهبة والوجدان لا يفرقان ما بين الجنسين سواء أكان ذكرا أم أنثى

وأوضح أن مصر تمتلك حاليا بعض ممثلات الكوميديا القادرات على الإضحاك بالاعتماد على “السمات الشخصية الشكلية”، وذلك طوال تاريخها الفني مثل ماري منيب، وحاليا توجد ممثلات، مثل إيمان السيد وشيماء سيف، يعتمدن على سماتهن الشكلية فقط.

وتابع ربما تكون السمات الشخصية، كالبدانة أو القبح الشكلي، عاملا أساسيا في توظيف السيدات بالكوميديا، لكنهن يواجهن مشكلة حال محاولتهن تغيير شكلهن للأفضل باتباع حميات غذائية من أجل فقدان الوزن، مثل الممثلة نورا السباعي التي لم تشارك في أي دور منذ تحولها من البدانة الشديدة للنحافة، أو إجراء عمليات للتجميل كعائشة الكيلاني التي غابت عن الظهور لمجرد إجرائها جراحة لتجميل الأسنان.

وأشار حسام إلى أن طبيعة المرأة النفسية والجسدية ربما تكون حائلا دون القبول بالأدوار الصعبة كوميديا أو القائمة على الحركة كتعرضها للضرب أو الإهانة كالفنانة ياسمين عبدالعزيز التي تعتبر الوحيدة التي تقبل بذلك النمط من الكوميديا بأفلامها مثل “الدادة دودي”، ومعظم الممثلات يقبلن بأدوار على شاكلة كوميديا أداء خفيفة كمنى زكي في فيلم “أبوعلي”.

ويلفت بعض كتاب السيناريوهات إلى أن الكوميديا أصعب أنواع السيناريو، فمن السهل كتابة العشرات من القصص التي تثير الحزن والبكاء والتي تتماشى مع طبيعة الشعوب العربية التي تحب الدراما والحزن، لكن الكاتب الكوميدي عليه الحفاظ على ذلك الخيط الفاصل بين الإضحاك والاتهام بالسخافة.

وقالت الفنانة المصرية الكوميدية نشوى مصطفى إن الكوميديا النسوية يمكن أن تعالج جميع القضايا التي تنبع من المجتمع، والأمر برمته بيد الكاتب والسيناريست الذي يحكم طبيعة كل شخصية يقدمها أو القضايا التي يعالجها، والفنانة الكوميدية عندما تبدع في دورها تقوم فقط بتوصيل رسالة السيناريست.

ولفتت مصطفى في حديثها لـ”العرب” إلى أن البعض يتحدث عن سهولة الشخصية كعامل أساسي بالنسبة للشخصية الكوميدية وهذا غير صحيح، فالمسألة تتجسد في الموضوع والفكرة وطريقة تناولهما وليست لها علاقة بالنوع نهائيا، وهي لم تواجه صعوبات في رحلتها للعمل الكوميدي، لكن المشكلة في غياب الورق أو السيناريوهات، فكتّاب الكوميديا عددهم محدود ما يقلل القضايا المطروحة، وربما كان ذلك الدافع وراء كتابتها السيناريو الخاص بآخر مسرحياتها “سيلفي مع الموت” والذي لعبت فيه دور البطولة أيضا.

وفي حين ترى هناء العايدي، إعلامية وممثلة مغربية، أن “الدراما المغربية، والكوميديا قدمت مجموعة من الصور المتناقضة للمرأة المغربية التي تعبر عن مدى اهتزاز المجتمع المغربي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا”.

"نيللي وشريهان" سرق الأضواء بطرفته وقدرة الممثلتين على الإضحاك
“نيللي وشريهان” سرق الأضواء بطرفته وقدرة الممثلتين على الإضحاك

وأضافت العايدي لـ”العرب” “هكذا، نجد أن السينما المغربية قد استعرضت مجموعة من الصور البصرية والدلالية للمرأة المغربية، فتارة تقدم لها صورا إيجابية وطورا تقدم لها صورا سلبية. ومن ثم، يمكن الحديث بشكل عام عن صورة المرأة المعنّفة، وصورة المرأة المضطهدة، وصورة المرأة المغتصبة، وصورة المرأة الماجنة، وصورة المرأة الخائفة، وصورة المرأة المحرومة، وصورة المرأة الضائعة، وصورة المرأة الثائرة، وصورة المرأة المتمردة، وصورة المرأة الماكرة، وصورة المرأة الموبوءة”.

وتابعت “وبالتالي، فقد راهنت السينما المغربية على الطرح الواقعي الاجتماعي للتعبير عن هموم المرأة، وتبقى مشاركاتها مقارنة مع الرجال محتشمة وغير عادلة بين الجنسين لظروف دينية وسياسية واجتماعية وتمرير أفكار سلبية تهين المرأة وتضرب كيانها باعتبارها آلة صالحة فقط للرجل لكي يضمن بها استقراره النفسي والعاطفي من جهة، وهي من تلد وتربي وتعيل أسرتها في حالات كثيرة، وكل هذه التراكمات جعلت من المرأة تسير ببطء لضمان حقها وحريتها في الإبداع جنبا إلا جنب مع الرجل”.

نشوى مصطفى: الكوميديا النسوية يمكن أن تعالج جميع القضايا التي تنبع من المجتمع
نشوى مصطفى: الكوميديا النسوية يمكن أن تعالج جميع القضايا التي تنبع من المجتمع

وأشارت العايدي في خاتمة حديثها إلى أنه “يمكن للمرأة أن تلعب دورا جيدا في الأعمال الكوميدية، فهي إنسان لها تركيبتها الفيزيولوجية المختلفة كسائر البشر تحس تفكر تتنفس تحب تفرح تخطط تهندس تسير تعيل تربي تحكم.. فيمكنها بطبيعة الحال أن تؤدي إن كانت موهوبة وقوية أحسن من الرجل، والموهبة والوجدان لا يفرقان ما بين الجنسين سواء أكان ذكرا أم أنثى”.

كسر التابوهات

لا تسعى المرأة فقط إلى التخلص من الاحتكار الذكوري لعالم الكوميديا وجمهوره، بل وأيضا إلى رسم مسار مختلف يقطع إلى حد ما مع كل ما هو نمطي ونموذجي، حيث سهلت المواقع الإلكترونية التي أخذت تبثّ أعمالا نسائية، على المرأة الولوج أكثر من ذي قبل إلى هذا المضمار، وفضلت الكثيرات تقديم نوع جديد ومختلف من الكوميديا، وهي كوميديا ناقمة تنضح بالسخرية الموجهة والنقد اللاذع، رفضا منهن لمجاراة نهج كوميدي قديم، فأثبتن أن الكوميديا عمل فني لا يتحدد وفق جنس الممثل.

وحول هذه النقطة قالت نشوى مصطفى، إن الإضحاك غير قاصر على الفنانين الرجال فقط، فالمسألة تتعلق بطبيعة الشخصية المقدمة وليست لها علاقة بالنوع، وهناك فنانات كبيرات نجحن واكتسبن شهرة عبر الكوميديا، مثل زينات صدقي وسهير البابلي وشويكار.

وبالنهاية مهما كان تواجد المرأة على الساحة الكوميدية محتشما مقارنة بالرجل، فإنها لا تنشد المساواة بقدر ما تطمح للحصول على الفرص لإثبات جدارتها في كل المجالات أسوة بالرجل، حيث لا توجد تفرقة تحت مسمّى هذا ذكوري صرف وهذا أنثوي صرف.

20