النزعات الانفصالية تقوّض مسارات إثيوبيا الإصلاحية

رغم نجاح سياسات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في معالجة عدد من الملفات التي عانت منها البلاد، ينذر تفاقم النعرات الانفصالية والتوترات العرقية بإجهاض مسيرته الإصلاحية التي تتربص بها عرقيات ترى في وصوله إلى السلطة منذ 2018 تهديدا لمكاسب اجتماعية واقتصادية راكمتها على امتداد سنوات.
أديس أبابا – أعلنت الحكومة الإثيوبية الاتحادية الأربعاء، حالة الطوارئ في إقليم تيغراي في الشمال بعدما اتهم رئيس الوزراء آبي أحمد جبهة تحرير شعب تيغراي، الحزب الحاكم في هذه المنطقة، بمهاجمة قاعدة عسكرية فيدرالية وأعلن عن رد على الهجوم.
وقد يشكل الرد العسكري بداية نزاع محتمل في إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، التي تشهد سلسلة من النزاعات الداخلية المتزايدة.
ويرى مراقبون في تحركات جبهة تحرير تيغراي محاولة لتقويض وتعطيل مسيرة آبي أحمد في الحكم من خلال تأليب الرأي العام الداخلي ضده سعيا إلى إفشال مشروعه الإصلاحي الداخلي بهدف إسقاطه.
ويشير هؤلاء إلى أن تغذية تيغراي للمطالب الانفصالية والنعرات العرقية في البلاد تهدف إلى توريط النظام الحاكم الحالي في أزمات متعددة، يسهل في ما بعد توظيفها للعودة إلى الحكم.
وقال آبي أحمد إن “جبهة تحرير شعب تيغراي هاجمت معسكرا للجيش الفيدرالي في تيغراي”. وأضاف أن “قواتنا الدفاعية تلقت الأمر بالقيام بمهمتها في إنقاذ الأمة، وقد تم تجاوز المرحلة الأخيرة من الخط الأحمر”.
وبعد ذلك، أعلن مكتب رئيس الوزراء في بيان “بما أن الوضع وصل إلى مستوى لم يعد من الممكن منعه أو السيطرة عليه من خلال الآليات المعتادة لحفظ النظام نعلن حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر في جميع أنحاء ولاية تيغراي”.
وكان آبي أحمد أكد أن “القوات غير الموالية” انقلبت على الجيش في ميكيلي عاصمة تيغراي، ودانشا وهي بلدة تقع في غرب المنطقة.
وأضاف في خطابه الذي بثه التلفزيون أن قوات الأمن صدت الهجوم على دنشا في منطقة أمهرة المتاخمة لجنوب تيغراي، موضحا أن الهجوم تسبب بسقوط “العديد من القتلى والجرحى وبأضرار مادية”.
واتهمت الحكومة الإثيوبية، جبهة تحرير شعب تيغراي بأنها ألبست عناصرها بزات عسكرية مثل تلك التي يرتديها جنود الجيش الأريتري من أجل “توريط الحكومة الإريترية في مزاعم كاذبة بالعدوان على شعب تيغراي”.
وتصاعد التوتر في الأيام الأخيرة بين أديس أبابا وتيغراي، حيث رفض قادة الإقليم الذين هيمنوا على السياسة الوطنية لثلاثين عاما قبل وصول آبي أحمد إلى السلطة في 2018، تمديد البرلمان الفيدرالي لولاية النواب – الوطنيين والمحليين، وقرروا تنظيم انتخابات في منطقتهم في سبتمبر.
ومنذ ذلك الحين، يعتبر كل معسكر المعسكر الآخر غير شرعي. وصوّت أعضاء مجلس الشيوخ الإثيوبي في أوائل أكتوبر لمصلحة قطع الاتصالات والتمويل بين السلطات الفيدرالية والمسؤولين في تيغراي.
وفي إطار هذا التوتر فرضت عمليات مراقبة على الطواقم والمعدات العسكرية في تيغراي.
ومنعت جبهة تحرير شعب تيغراي الجمعة جنرالا عينته أديس أبابا من تولي منصبه هناك واضطر إلى العودة أدراجه بعدما تم إبلاغه بأن “تعيينه لا يعتبر شرعيا”.
وتضم تيغراي جزءا كبيرا من الأفراد والمعدات العسكرية للدولة الفيدرالية، وهو إرث الحرب التي وقعت من 1998 إلى 2000 بين إثيوبيا وإريتريا الواقعة على حدود الإقليم.
وكشف تقرير لمجموعة الأزمات الدولية الجمعة أن المنطقة تضم “أكثر من نصف مجمل أفراد القوات المسلحة” في البلاد، محذرة من احتمال وقوع “نزاع مدمر قد يمزق الدولة الإثيوبية”.
ودعت السفارة الأميركية في أديس أبابا إلى “نزع فوري لفتيل الأزمة في تيغراي ورد معتدل من الجانبين”.
وقال مسؤولون في تيغراي مؤخرا إنهم لن يبدأوا نزاعا عسكريا، فيما أكد غيتاتشو رضا، المسؤول البارز في جبهة تحرير شعب تيغراي، الأسبوع الماضي “لن نكون أول من يطلق النار ولا أول من يفشل”.
وقبل ساعات من إعلان رئيس الوزراء، قال وونديمو أسامنيو وهو مسؤول كبير آخر في تيغراي، إن الحكومة الفيدرالية تحشد القوات على الحدود الجنوبية لتيغراي، في معلومات لم يتسن التحقق منها من مصدر مستقل.
وأضاف وونديمو “أعتقد أنه عندما يتعلق الأمر بالتعبئة العسكرية، فهذا ليس لعب أطفال. هذا يمكن أن يطلق حربا شاملة”، مؤكدا أن “ما يفعلونه هو لعب بالنار”.
وتابع “يمكن أن يحدث أي شيء في أي وقت. شرارة صغيرة يمكن أن تشعل المنطقة بأكملها، لذلك أعتقد أننا في حالة تأهب قصوى ويمكنني أن أؤكد أننا قادرون على الدفاع عن أنفسنا”.
كان سكان تيغراي قد هيمنوا على السياسة الإثيوبية منذ أن أطاح مقاتلون بدكتاتور ماركسي عام 1991، لكن نفوذهم تضاءل في عهد آبي.
وفي العام الماضي، انسحبت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي من ائتلافه الحاكم.
ومنذ أن تولى آبي السلطة في 2018، تم اعتقال أو إقالة أو تهميش العديد من كبار المسؤولين المنحدرين من تيغراي، فيما تصفه الحكومة الاتحادية بأنه حملة على الفساد لكن سكان الإقليم يرونه وسيلة لقمع المعارضة.
ويشكل سكان تيغراي خمسة في المئة من تعداد سكان إثيوبيا البالغ 109 ملايين نسمة، لكن الإقليم أكثر ثراء وتأثيرا من أقاليم أخرى كثيرة أكبر في البلاد.
سكان تيغراي يشكلون خمسة في المئة من تعداد سكان إثيوبيا البالغ 109 ملايين نسمة، لكن الإقليم أكثر ثراء وتأثيرا من أقاليم أخرى كثيرة أكبر في البلاد
وتفجر العنف مرات عدة منذ تولي آبي السلطة. وفي مطلع الأسبوع قتل مسلحون 32 شخصا معظمهم من عرقية الأمهرة وأضرموا النار في أكثر من 20 منزلا في منطقة أوروميا غرب إثيوبيا.
وتشتبه السلطات المحلية في أن الحركة العرقية القومية “جيش تحرير أورومو” تقف وراء الحادثة، لكن لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم.
وعرقية الأمهرة هي ثاني أكبر طائفة عرقية بعد الأورومو في إثيوبيا. وهناك صراع طويل الأمد بين الطائفتين، حيث يتهم الأورومو الأمهرة بتهميشهم.
وتسلط الاضطرابات في تيغراي و أوروميا الضوء على التحديات التي تواجه آبي قبل الانتخابات التي كانت مقررة في أغسطس لكنها تأجلت بسبب أزمة فايروس كورونا.
وبعد عقود من القمع، أشرف آبي على إصلاحات ديمقراطية شاملة أوصلته للفوز بجائزة نوبل للسلام. لكن الحريات الجديدة فتحت الباب لمطالب مكبوتة منذ زمن طويل بالمزيد من الحكم الذاتي والحقوق والموارد الإقليمية.
وتشكل التوترات العرقية التحدي الأكبر أمام آبي أحمد، وهو تحد يمثل تقويضا للاستقرار الذي قام عليه النجاح الاقتصادي الذي حققته إثيوبيا مؤخرا.
وتأججت التوترات مؤخرا في مقاطعة تيغراي، وهناك أيضا صراع عرقي يغلي مستترا في أمهرة، وليس هناك ما يشير إلى أن الهجمات وعمليات الاختطاف التي تقوم بها الميليشيات المسلحة في أوروميا ستهدأ.
ويرى آبل آبيت ديميسي، الباحث في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)، في لندن، أنه لا يزال يتعين على إدارة آبي أحمد بذل المزيد من أجل تشجيع المصالحة، حيث إن “إثيوبيا لا تستطيع تحمل استمرار عدم الاستقرار السياسي في ظل التحديات التي تواجهها البلاد”.
وأضاف ديميسي “إن المشاحنات الحالية ستؤدي إلى مأزق سياسي وأمني خطير إذا لم تهدأ خلال وقت قريب”.