النجدة يا باسم يوسف

كان، ويبقى الهدف من هذا العمود في صحيفة “العرب” هو الطرافة. “العرب” صحيفة نقدية وتتعامل مع الشأن السياسي بجدية فتفسح له أغلب صفحاتها. لكن من حق القارئ أن يرتاح وأن يجد من يرسم الابتسامة على وجهه. الطرافة ليست خفة، ولا روح النكتة تهريجا.
لكن السوداوية شيء سائد في عالمنا العربي. وهذا ينعكس على الكتّاب عموما. لهذا، والأمر أكثر اسودادا هذه الأيام بسبب الحرب في غزة، أجد من الضروري استدعاء قدرة الطرافة على مواجهة المواقف السوداوية بمثل قدرة النواح.
سأسمي قدرة الطرافة هذه “باسم يوسف”. لن أستأذن باسم يوسف، فأريحيته المعروفة توحي بأنه لن يمانع.
قبل عشرة أعوام، كنا نتابع برنامج “البرنامج”. لم يبخل باسم يوسف وفريقه على الرئيس المصري الراحل محمد مرسي وسلطة الإخوان في مصر بجرعات التقريع. فعلى مدى أشهر لم يترك شاردة ولا واردة إلا وأشار إليها ليقول إن مشروع الإخوان في مصر في طريقه إلى الفشل. الطرافة كانت الأساس. وكان لدى باسم يوسف منها الكثير والمبتكر.
كنت أتحدث مع صديق بشكل يومي تقريبا عن الوضع السياسي في المنطقة ومصر على وجه الخصوص. كان موضوع الطرافة من الأشياء التي اعتبرتها الأكثر تأثيرا في مواجهة مشروع “المؤمن عبوس”. ولم أجد مشروعا مقابلا أكثر نجاحا من “البرنامج” في مواجهته.
كانت أغلب حلقات “البرنامج” الأسبوعية متميزة. وللإنصاف، فإن الرئيس مرسي وحكومته كانا مصدرا لا ينضب لموضوعات القفشات التي يلتقطها باسم يوسف ويعلق عليها. وللإنصاف أيضا، تورطت سلطة الإخوان بتصديق ما تردده عن حرية الإعلام، وتركت باسم يوسف يسرح ويمرح في برنامجه.
في مطلع أبريل 2013، قدم “البرنامج” أوبريت “قطري حبيبي”. يومها تواصلت مع صديقي المهتم مثلي بالشأن المصري وقلت له بالحرف: “مرسي انتهى والنفوذ القطري في مصر تلقى ضربة لن يستفيق منها”. مستوى الطرافة في الأوبريت كان متميزا ولا يجاريه أي شيء مما قدم على الفضائيات “المعادية” من ردح. بقية القصة معروفة، بما فيها إدراك باسم يوسف أن السلطة الجديدة التي استبدلت مرسي ليست بأريحيته أولا، وكانت حذرة أن لا تظهر على الشاشات وهي ترتكب الأخطاء بعد الأخطاء مما يتيح الفرصة لاستغلالها في “البرنامج” ثانيا.
هناك عدد من مقلدي “البرنامج” وباسم يوسف. هذه أخبار جيدة. فتقطيب الحاجبين عبوسا سائد بشكل كبير في منطقتنا ونحتاج إلى من يواجهه بالطرافة.
كم افتقدنا باسم يوسف. طرافته نوع نادر من الذكاء. وما يسود اليوم بدلا من مشروع “المؤمن عبوس” هو “معلق الفضائيات عبوس” أو “نقاق” أو “ردّاح” أو “نوّاح”.
باسم يوسف لم يقل كلمته الأخيرة. قبل أيام انتشر لقاء له مع الصحفي ومقدم البرامج بيرس مورغان. ذكّرنا باسم بقدرة الطرافة والسخرية على قلب الموقف المأساوي إلى قضية مؤثرة بعيدا عن النواح. تلاعب باللغة أمام جمهور محترف يفهم أهمية التلاعب باللغة الإنجليزية أو ما يسمى بالطرافة الإنجليزية. سخّر لغته الإنجليزية السليمة لصالح تسفيه المنطق الغربي في التعامل مع حرب غزة وما يحدث من جرائم بحق المدنيين. ما قدمه هو شغل أستاذ حقيقي، كل ما يمكن القول عنه إن من المؤسف أنه لم يستمر في عالمنا لا هو ولا برنامجه.
لا بد من الإشارة إلى أن بيرس مورغان كان مقدم البرامج المثالي أمامه. هو صحفي معروف بمواقفه الأخلاقية وسبق أن خسر وظيفة رئيس التحرير في صحيفة بريطانية كبرى بسبب نشره صورة لجندي بريطاني يتبول على معتقل عراقي، تبين لاحقا أنها صورة مفبركة. وقع مورغان بفخ التسرع، لكنه اليوم أكثر حذرا.
دعوني أستنجد بباسم يوسف وطرافته. فكما كانت “قطري حبيبي” ضربة معلم، فإن مقابلته الأخيرة مدرسة في تسخير أسلوب الغرب لصالح قضية غزة. دعونا نتعلم منه.
لا بأس أن يساعدنا أيضا في زرع روح الطرافة لدى كتّاب هذا العمود في “العرب”.