النادي الثقافي العربي يحتفي بتجربة "الجامع بين الحُسنيين"

نبيل سليمان: الكتابة يمكن أن تكون نعمة أو نقمة، أما القراءة فهي دائما نعمة.
السبت 2025/02/08
العمل عنوان رئيسي في حياتي

جمع الكاتب والناقد السوري نبيل سليمان بين عالمي النقد والكتابة الروائية، وهما مساران أخذا تجربته إلى اكتشاف كل ما هو جديد وتفكيك القضايا والأفكار، إما عبر الحفر والبحث أو عبر الخيال. وانطلاقا من تجربته المزدوجة تلك جاء حفل تكريمه في الشارقة تحت عنوان “نبيل سليمان الجامعُ بين الحُسْنَيين”، حسن الرواية وحسن النقد.

نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة مساء الخميس السادس من فبراير الجاري حفل تكريم للكاتب والناقد السوري نبيل سليمان، حضره عدد من الكتاب والفنانين والمثقفين العرب، وقدم خلاله الدكتور عمر عبدالعزيز، رئيس النادي، والكاتب نواف يونس، شهادتين في تجربة سليمان، بينما قدم المحتفى به شهادة هامة حول تجربته وعوالم الكتابة ومسارات الحياة.

ويأتي هذا التكريم احتفاء بتجربة خاصة في الأدب العربي، روائي وناقد وكاتب شق طريقه على امتداد أكثر من سبعة عقود في عوالم الكتابة والتقاطع مع الشأن العام وأبرز القضايا الأدبية والاجتماعية والفكرية وحتى السياسية.

العمل بإيجابية

عمر عبدالعزيز: سليمان قدم نصوصا نقدية بانورامية كما أثرى فضاء الرواية
عمر عبدالعزيز: سليمان قدم نصوصا نقدية بانورامية كما أثرى فضاء الرواية

بدأ الدكتور عمر عبدالعزيز كلمته مشيرا إلى أن هذا الاحتفاء هو الحلقة الأولى في تكريم العديد من الأسماء في الثقافة العربية، دحضا لمقولة “لا كرامة لنبي في قومه” التي تنقلب إلى عكسها تماما، مؤكدا أن هذا البرنامج يحاول التذكير بمآثر رموز الثقافة العربية والقيم التي عمموها والمقترحات الأدبية والفنية والفكرية التي تقدموا بها.

وقال “بهذه المناسبة نحن مع قامة من قامات الثقافة العربية في الأفقين السردي والنقدي في آن واحد، وكما نعلم جميعا فإن تقاطع النقديات بالسرديات هو تقاطع فيه شيء من الرسم، لأن الكتابة السردية هي بطبيعتها كتابة فنية”، مضيفا “الأستاذ نبيل جمع بين هذين القسمين، استل القلم وهو يكتب سلسلة من الروايات الهامة، وهذه الروايات تلفت النظر بداية من عتباتها الأولى عناوينها المتميزة.”

وأوضح أن سليمان قدم نصوصا نقدية ذات طابع بانورامي وفي نفس الوقت استطاع أن يسبح في فضاء الرواية، ووقف أمام ما يسمى “غابة السرديات العربية”، متحكما في تفاصيلها وعوالمها، متابعا “بهذا المعنى أسهم سليمان في محاولة توصيف وتصنيف الإنتاج الروائي العربي الذي زادت إنتاجاته وتكاثرت أنساقه خاصة في العقود الأخيرة.”

وقال “في ما يتعلق بنصوصه الروائية فإنها نصوص تتضمن سلسلة من المعاني والأبعاد ذات العلاقة بالإبداع الأدبي بالمعنى الواسع للكلمة مشمولة بالأوصاف وبالتشخيصات وبالحوارات الثنائية وبالمقاربات المكانية والزمانية وبالترميزات وبما يمكن أن يسمى بحيوية النص السردي في الأفق المجازي وباللغة، كل هذه العناصر مجتمعة في نصوصه الروائية.”

وأشار عبدالعزيز إلى أنه هكذا أصبح الكاتب من القامات – الذاكرة في الثقافة العربية التي تومئ إلى القدرة على إصدار أحكام نوعية ورؤى ومقاربات تتعلق بفنون السرد العربي إجمالا. هذه المسألة لا تخلو من الثقافة العالمة، فالثقافة العالمة هي الرافعة الكبرى لكل رأي ولكل نوع من الأنواع الفنية والأدبية.

نواف يونس: نبيل سليمان يمثل لي الكاتب المحترف بأتم معنى الكلمة
نواف يونس: نبيل سليمان يمثل لي الكاتب المحترف بأتم معنى الكلمة

وفي ورقته بيّن أن شهادته عن الروائي والناقد نابعة حصرا من معرفة محايثة له، مضيفا “يتسم الأستاذ نبيل سليمان بطاقة إيجابية حد الاحتياط، خاصة عن انتشائه بالحديث، وعندما يطال الأمر عوالم الترجيعات المفاهيمية والتقييمات للسرديات العربية الممتدة في كامل البيئة الكتابية العربية، الموروثة منها والمعاصرة، وهو من القلائل الذين لا يترددون في إطلاق أحكام قيمية جمالية على المنجز السردي بخاصة، والأدبي بالمعنى الواسع للكلمة.”

وبيّن أن سليمان جمع بين الحسنين إذ “كان السرد تمثلا جماليا وفنيا للكتابة الأدبية، وبالمقابل كان النقد رافعة موازية للنص.”  متابعا “حمل الناقد والروائي نبيل سليمان على ظهره مهمة شاقة، وسافر في دربه الطويل دونما التفات لما يتخطى حدود الاستحقاق، وهكذا قدم للمكتبة العربية سلسلة من العناوين الروائية والنقدية التي شملت كامل البانوراما الثقافية الممتدة في أوطان العرب.”

أما مداخلة الكاتب نواف يونس فتطرقت أكثر إلى العلاقة الإنسانية التي جمعتهما، إذ قال يونس “تجمعني بالأستاذ نبيل علاقة التلميذ بأستاذه، إلى جانب الصداقة التي جمعتنا منذ أكثر من أربعين عاما.” وأضاف “تابعت نبيل سليمان منذ رواياته الأولى، أتذكر رواياته ‘ينداح الطوفان’ و’السجن’، كانت بالنسبة إلينا بصفتنا قراء تعتبر من الروايات التي تعبر عما كنا نعانيه في مجتمعنا العربي من إحباطات وانكسارات نتيجة ما كنا نعيشه من متغيرات وتحولات لم تحقق لنا طموحاتنا وأحلامنا في مجتمع متقدم.”

وأضاف “إضافة إلى العلاقة الأدبية هناك الصداقة التي تكونت بيننا، فقد جمعت بيننا قواسم مشتركة كثيرة، مع وجود خلافات أيضا في وجهات النظر، إلا أن الاحترام المتبادل هو ما يتسم به نبيل سليمان مع كل العلاقات في المشهد الثقافي العربي. في بيته بسوريا التقيت بأغلب الأدباء والكتاب العرب من المحيط إلى الخليج.”

 وتابع “سليمان يمتلك روحا شابة مرحة تضفي على أي لقاء مسحة من الألفة والمحبة، وإلى الآن يحتفظ وهو في عقده الثمانين بتلك الطاقة الإيجابية.”

وأشار إلى أن “نبيل سليمان يمثل الكاتب المحترف بأتم معنى الكلمة، فقد خبرت طريقة عمله وتفانيه وإخلاصه للكتابة عموما سواء كانت إبداعية روائيا أو نقديا.” وقال “أنجز حتى الآن ما يقارب الستين كتابا مع التميز في حضوره الثقافي العربي”، إضافة إلى ذلك ذكّر نواف يونس بدور سليمان بصفته ناشرا أثرى المكتبة العربية بالمئات من العناوين، إضافة إلى كتابته للمقالة.

القراءة قبل الكتابة

احتفاء بتجربة أدبية مؤثرة
◙ احتفاء بتجربة أدبية مؤثرة

إثر الكلمتين التقديميتين قدم نبيل سليمان مداخلة بدوره في هذه المناسبة التي تحتفي به مبدعا وإنسانا بشيء من الحميمية التي تتجاوز الصرامة النقدية.

وقال سليمان “أبدأ بالتحذير أن يقبل أحدكم أو إحداكن عند بلوغ الثمانين أن يحذر من التكريم، فالتكريم في الثمانين ينادي التأبين، وأنا ضد التأبين. تعرفون وتعرفن أن زهير ابن أبي سلمى قال ‘سئمت تكاليف الحياة ومن يعش/ ثمانين حولا لا أب لك يسأم’، أما أنا فقد قلت ‘عشقت تكاليف الحياة ومن يعش/ ثمانين حولا لا أب لك يعشق'”.

وتابع “لا أعرف بالضبط ما الذي دفع بي بشكل محترف إلى هذا الذي أنا فيه في القراءة أو الكتابة، ثمة بدايات مُلبسة، عشت في بركيش وهي قرية جبلية، ريف محافظة طرطوس، وكانت هناك في الإعدادية التي كنت أدرس فيها خزانة فيها كتب أغلبها مجلد، كنت في الصف الثاني، كان هناك الشاعر الراحل حامد حسن، الذي ألف نشيد جامعة الدول العربية عند تأسيسها، قلت له أريد استعارة كتاب، نظر إلي بدهشة، ومنحني حرية الاختيار، اخترت كتابا مجلدا وسميكا، كان ‘نقائض الجرير والفرزدق’، لماذا لا أعرف، وقرأته ولم أفهمه.”

التكريم احتفاء بتجربة خاصة في الأدب العربي لروائي وناقد شق طريقه على امتداد أكثر من سبعة عقود

تلك كانت بداية طريق سليمان في عالم الأدب قارئا قبل كل شيء آخر. إذ قال “يمكن أن تكون الكتابة نعمة أو نقمة، أما القراءة فهي دائما نعمة.” وذكّر الكاتب بأهمية السينما في تشكيل وعيه وقيادته إلى عالم الكتابة، قائلا “السينما عنصر أساسي في حياتي إلى اليوم”، ويذكر كيف كانت خطاه الأولى في الكتابة حينما حاول إعادة كتابة فيلم شاهده.

وخلص الكاتب قائلا “العمل عنوان رئيسي في حياتي.” بينما لم يفته التأكيد على أهمية الكتابة بنزاهة ومبادئ والاهتمام بالشأن العام، وهو عنوان كبير في تجربته النقدية والأدبية وحتى في مقالاته، وقد ذكّر في هذا الصدد بكتابه حول “الذكورية في الكتاب المدرسي السوري”، وهي من الظواهر التي تستحق الدرس لا في سوريا فحسب، ومن هنا نفهم كيف بنى الكاتب رهانه الثقافي من خلال مشروع متكامل بين مختلف أنماط الكتابة.

12