النادي الأفريقي.. صرح رياضي في تونس تتقاذفه الأزمات

يعاني فريق النادي الأفريقي أعرق النوادي الرياضية في تونس من أزمة متواصلة منذ سنوات، شملت الجوانب التسييرية والإدارية والمالية، ورمت بظلالها على النتائج الرياضية للفريق ليجد نفسه في وضعية حرجة، بعد أن كان يعتلي منصات التتويج وينافس من أجل الألقاب المحلية والقارية.
تونس - يواجه النادي الأفريقي التونسي سيلا من الأزمات بعد لجوء عدد كبير من لاعبيه ومدربيه السابقين إلى “فيفا” من أجل الحصول على مستحقاتهم المالية المتأخرة. ويرى مراقبون أن الرؤساء المتعاقبين على الأفريقي وسياساتهم الخاطئة في السنوات الأخيرة، أغرقت النادي في مشاكل مادية خانقة، ما جعل القاعدة الجماهيرية العريضة للأفريقي تعبّر عن غضبها من حين إلى آخر وتطالب بإيجاد حلول جذرية للأزمة. وأعرب اتحاد أحباء النادي الأفريقي المقيمين بالخارج، الأربعاء عن قلقه الشديد إزاء الوضعية التي يمر بها فريقهم، خاصة في ظل الأزمة المالية الخانقة.
وطالب في بلاغ له الهيئة التسييرية الحالية برئاسة يوسف العلمي بتحديد موقفها الواضح بشأن رغبتها واستعدادها لتحمّل مسؤولية التسيير إلى نهاية الموسم، والتزامها بواجباتها تجاه النادي بجميع فروعه بغض النظر عن طابع تصريف الأعمال لأعضائها، فضلا عن تقديم تقرير مفصّل ودقيق للوضعية الماليّة للنادي محيّنة للفترة الممتدّة من الأول من يوليو 2022 إلى اليوم، مع جرد واضح للديون المتخلّدة بذمة النادي.
كما طالب هيئة الحكماء بالكف عما أسماه "العبث بسمعة النادي الأفريقي وعدم التلاعب بمصير الجمعية"، عن طريق اتخاذ قرارات في اجتماعات مغلقة ولا ترتقي إلى تطلّعات الجماهير. وذكّر اتحاد أحباء الأفريقي جميع أعضاء هذه الهيئة بأنّهم مطالبون بضخ الأموال في خزينة النادي والمساهمة في الجهد المبذول لتحسين الأوضاع، وإلا فلا جدوى من وجودهم ما لم يكونوا جزءا من الحل.
ويحتل الأفريقي المرتبة الرابعة برصيد 18 نقطة في ترتيب المجموعة الثانية من الدوري التونسي، وتنتظره مواجهات صعبة في قادم الجولات من أجل تحقيق الترشح لمرحلة التتويج واللعب على لقب الدوري. ويعد الأفريقي ثاني الأندية التونسية تتويجا برصيد 13 لقبا للدوري و13 للكأس، فضلا عن كونه كان أول فريق تونسي يحرز دوري أبطال أفريقيا تحت تسميته القديمة “كأس أفريقيا للأندية البطلة” وذلك في عام 1991.
أزمة مالية
يعيش نادي "باب جديد" الذي تأسس عام 1920، أزمة مالية خانقة منذ رحيل رئيسه الأسبق سليم الرياحي في 2017، وعرف حالة من التذبذب الفني والإداري في السنوات الماضية. وتفاقمت ديون الأفريقي بشكل جنوني في السنوات الثلاث الأخيرة، ووصلت إلى ما يقارب 50 مليون دينار (نحو 19 مليون دولار) بسبب عدم خلاص لاعبين ومدربين وأندية ووكلاء أعمال منذ عهدة الرئيس الأسبق سليم الرياحي.
وطالب لاعبون قدامى للأفريقي بضرورة أن يتواجد الفريق في مرحلة التتويج من الدوري التونسي، رغم الصعوبات التي يمر بها، لافتين إلى أن الأزمة إدارية ومالية وهي متوارثة منذ سنوات. وأفاد اللاعب السابق للأفريقي شكري الزعلاني بأن "المشكلة ليست بالجديدة وهي تسييرية بالأساس بعد المرور بفترات صعبة شهدتها الإدارة، ومع الهيئة الحالية تقلصت الديون نوعا ما، لكن ذلك لا يكفي".
وأضاف في تصريح لـ"العرب" أن "اللاعبين جزء من المنظومة، ويجب أن يكون هناك توازن بين مختلف الأطراف لأن النجاح جماعي، كما أن تغيير الرؤساء أضرّ بالنادي وكل رئيس يحاول الإصلاح لكنه يصطدم بديون سابقة".
وبخصوص حظوظ الأفريقي في الترشح لمرحلة التتويج "البلاي أوف"، أوضح الزعلاني أن "من المفروض أن يكون الأفريقي متواجدا في هذه المرحلة، وهو مطالب بذلك، ولم يعد طلب أكثر مما كان من الجماهير التي ساندت ولا تزال الفريق، وعلى الجميع أن يلتف حول النادي من أجل الإصلاح والتغيير".
وفي تصعيد خطير، أقدم عدد من جماهير الفريق في منتصف ديسمبر الماضي، على اقتحام الميدان الرئيسي لمركب منير القبائلي وإيقاف الحصة التدريبية والاعتداء بالعنف على عدد من لاعبي فريق أكابر كرة القدم، احتجاجا على النتائج السلبية للفريق. وأظهر مقطع مصوّر، نشرته صفحات تابعة لأحباء الأفريقي مجموعة من الجماهير تقتحم ملعب التمارين الخاصة بالفريق وتعتدي بالضرب على اللاعبين، مما أجبر قوات الأمن على التدخل وتفريق الجماهير باستعمال الغاز المسيل للدموع.
وتسببت القضايا التي وصلت في 2020 إلى 44 قضية، في منع النادي من التعاقدات في أربع مناسبات، آخرها في سبتمبر الماضي، فضلا عن سحب ست نقاط من رصيده في الدوري خلال الموسم الماضي. وأكّد اللاعب السابق للأفريقي غازي العيادي أنّ "حبّه واحترامه لفريقه الأم يجعلانه يتجنّب نقد المردود الذي يقدّمه النادي في الفترة الأخيرة، خاصّة وأنّ علاقته باللاعبين متميّزة".
وقال العيادي في تصريح لإذاعة محلية “حتّى وإن كان الأفريقي في أزمة، لن أسمح لنفسي بالتحدّث عن اللاعبين أو توجيه النقد لهم". وتابع اللاعب السابق لفريق “باب الجديد”، "جمهور النادي تعب، لقد قام بتضحيات كبيرة واليوم يجب فعل المستحيل من أجل إنقاذ النادي وإخراجه من الأزمة التي يمرّ بها".
أخطاء تسييرية وإدارية
يقول خبراء ومدربون رياضيون إن أزمة النادي الأفريقي قديمة ومتجددة بسبب تراكم الأخطاء التسييرية والإدارية، فضلا عن شحّ الموارد الذي عمّق الأزمة المالية للنادي، ما انعكس سلبا على النتائج في الدوري التونسي الممتاز.
وقال المدرب مختار سالم إن "الظروف التي يعيشها النادي الأفريقي ليست بالجديدة، بل تزداد حدّتها من سنة إلى أخرى، ودائما هناك مشكلة إدارية وتسييرية بالأساس من الرؤساء المتعاقبين على النادي، وأخبار الأفريقي دائما منشورة للعلن وتصبح حديث الشارع والمقاهي، على عكس النوادي الأخرى، فضلا عن أزمة مادية متفاقمة، والإدارة لم تحسن التصرّف بسبب قلّة الدراية وضعف المعرفة".
وأضاف في تصريح لـ"العرب" أن "فترة ترؤس سليم الرياحي للفريق بقدر ما كانت جيّدة رياضيا، إلا أنها خلفت ضريبة كبيرة، حيث أبرم صفقات كبيرة وانسحب وترك الفريق غارقا في المديونية، وهذا ما يفتح الباب أمام تداخل السياسي بالرياضي، هناك ديون بالمليارات، ويجب التعجيل بحلحلة ملف منع الانتداب".
وتابع سالم "عندما تتفاقم المشاكل الإدارية والمادية، ستكون لها انعكاسات على الجوانب الفنية والتكتيكية للفريق، وحتى مرحلة التكوين القاعدي في النادي ستتضرّر، لأن قدر الفرق العريقة مثل الأفريقي هو اللعب على الألقاب والبطولات، وبالتالي احتجاجات الجماهير زادت من فترة إلى أخرى نظرا لتواصل مشكلة التكوين منذ سنوات".
وأردف "اللاعبون الحاليون للأفريقي ما زالوا لم يكتسبوا الخبرة الكافية وينقصهم نضج فني وتكتيكي، ولا يشعرون بقيمة القميص الذي يرتادونه، والتذبذب الإداري القائم سينتج ارتباكا في القرارات على غرار تغيير المدربين (4 مدربين في نصف موسم)، ولا يمكن الاعتماد على مدربين لا يملكون سجلات أو مسيرة رياضية كبيرة، كما لا يمكن اللعب بلاعبين لا يعرفون ثقافة الانتصار واللعب من أجل حصد الألقاب".
ويعاني الأفريقي حالة غير مسبوقة من تدهور النتائج والتخبط الإداري، خصوصا بعد أن مني بهزيمة تاريخية ثقيلة في فبراير 2019 (8 - 0) أمام نادي مازمبي الكونغولي لحساب دوري مجموعات كأس رابطة الأبطال الأفريقية، سرعان ما عجّلت باستقالة مدربه شهاب الليلي وعدد من أعضاء مجلس الإدارة آنذاك.
ولم يصل إلى لجنة الإشراف على الجلسات العامة والمنخرطين واللجنة الانتخابية أي ترشح لرئاسة الهيئة المديرة للنادي الأفريقي. وأكد رئيس اللجنة المستقلة للانتخابات في الأفريقي المحامي تومي بن فرحات في تصريح لإذاعة محلية، أن باب الترشحات لرئاسة النادي الأفريقي أغلق دون ورود أي ترشح على الهيئة.
قلب المعطيات
واعتبر المدرب التونسي كمال الزواغي أن "الأزمة متشعبة بين الإداري والمالي والنفسي، ومن الصعب أن يخرج الأفريقي من هذه الوضعية الحرجة، وعندما صرّح المسؤولون بأن النادي سينافس على الألقاب خلقوا نوعا من الضغط الجماهيري على اللاعبين بدرجة أولى". وقال لـ"العرب"، "من غير المعقول أن يكون فريق في حجم الأفريقي ينافس من أجل تفادي النزول ودون انتدابات، وبوضعية مالية لا تجعل أي مرشح لرئاسة النادي يقبل بها".
وأكّد الزواغي "الأفريقي قادر على قلب المعطيات والترشح لمرحلة التتويج، ثم يفكّر في مرحلة جديدة وبتصورات وبرامج أخرى". وكانت هيئة يوسف العلمي قد أعلنت استقالتها الجماعية يوم العاشر من نوفمبر الماضي لتواصل عملها كهيئة تسييرية بقرار من لجنة الحكماء.
وفي يونيو 2020، قدم 9 أعضاء استقالاتهم بعد ضغط من الجمهور، واحتجاجا على تردي الأوضاع وتفاقم الديون. وتبعا لذلك، أعلن رئيس النادي عبدالسلام اليونسي تنحيه عن منصبه وتعهده بتنظيم انتخابات سابقة لأوانها، إلا أن أحدا لم يتقدم لرئاسة النادي ليستمر اليونسي في ممارسة مهام الرئاسة تحت الضغوطات واستفحال الأزمة.
وتشهد أغلبية أندية الكرة التونسية أوضاعا اقتصادية صعبة وأزمة ديون ما انفكت تتفاقم جراء انحسار عائداتها، سواء من بيع التذاكر بسبب خوض المباريات دون حضور جمهور أو عدم حصولها على إيرادات حقوق النقل التلفزيوني أو لتراجع تسويق لاعبيها في الدوريات الأوروبية، وهي عوامل كانت تشكل أبرز مصادر ميزانيات الأندية.
ورغم أن الترجي التونسي كان أحد الأندية القليلة التي تنفق بسخاء على التعاقدات، فإن تراكم الديون للاعبيه السابقين، بينهم الجزائريان عبدالرؤوف بلغيث وعبدالقادر بدران، كان وراء تغير سياسة النادي التي صارت تقوم على ترشيد النفقات. أما النادي الأفريقي ثاني أندية تونس تتويجا بالألقاب، فلم ينجح في رفع عقوبة المنع من التعاقدات التي فرضها ضده “فيفا” بعد عجزه عن تسوية ديونه الثقيلة.