الميليشيات الشيعية في العراق تلتزم نهج التهدئة الإيراني لاتقاء عاصفة غضب أميركية

جنوح الميليشيات الشيعية في العراق إلى التهدئة والتبرّؤ من استهداف المصالح الأميركية هو موقف مستنسخ بأمانة عن الموقف الإيراني المبني على محاولة تجنّب التعرّض لضربة أميركية قد تقدم عليها إدارة الرئيس دونالد ترامب في آخر عهدها، وهو أيضا دليل جديد على أنّ مركز قرار تلك الميليشيات وتخطيط عملياتها يقع بالكامل في طهران.
بغداد – تظهر الميليشيات الشيعية في العراق امتثالا دقيقا للأوامر الصادرة إليها من إيران شديدة الحذر في الفترة الحالية من استثارة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في آخر أيامها بالسلطة ودفعها إلى توجيه ضربة قاصمة من المرجّح أن تكون الأذرع الإيرانية على الأراضي العراقية والسورية أول المستهدفين بها والمتضرّرين منها.
وكشفت تغريدة للقيادي في كتائب حزب الله العراقي أبوعلي العسكري مدى القلق الذي يعتري الميليشيات الشيعية من انزلاق الأوضاع إلى مواجهة مع الولايات المتحدة، كما كشفت عن تنافس جهازين إيرانيين في الملف العراقي.
وقال العسكري، تعليقا على تطورات اعتقال قيادي في ميليشيا عصائب أهل الحق لتورطه في تنفيذ هجمات صاروخية على السفارة الأميركية في بغداد، إن “المنطقة اليوم تغلي على صفيح ساخن”، مشيرا إلى أن “احتمال نشوب حرب شاملة قائم، وهو ما يستدعي ضبط النفس لتضييع الفرصة على العدو، بألا نكون الطرف البادئ لها”.
وتسبب هجوم صاروخي كبير على مبنى السفارة الأميركية في بغداد، مطلع الأسبوع الماضي، في إثارة الهلع بين صفوف سكان العاصمة العراقية، بعد استخدام 21 صاروخا في شنّه.
وأنكرت إيران والميليشيات الشيعية التابعة لها في العراق مسؤوليتها عن استهداف السفارة. وبينما أشارت مختلف الدلائل والتحليلات إلى أنّ طهران هي المستفيدة عادة من مثل تلك الهجمات الهادفة إلى إقلاق راحة الوجود الأميركي الدبلوماسي والعسكري في العراق ضمن صراع النفوذ الذي تخوضه ضدّ واشنطن، بدا أن المصلحة الآنية للإيرانيين تقتضي تطبيق تكتيك ظرفي خلال الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب يقوم على مواصلة توجيه الرسائل إلى واشنطن وحلفائها، وفي نفس الوقت تجنّب استثارتها واتّقاء أي ردّ غاضب منها.
ظهور بوادر على تنافس جديد بين جهاز المخابرات الإيراني «الاطلاعات» والحرس الثوري الإيراني على إدارة الملف العراقي
ولتجنّب الغضب الأميركي لجأت كتائب حزب الله العراقي إلى إدانة العملية. وذكرت الكتائب في بيان سابق نشر على موقعها الرسمي على شبكة الإنترنت أنّ “قصف سفارة الشر (الولايات المتّحدة) في هذا التوقيت يعد تصرفا غير منضبط، وعلى الجهات المختصة متابعة الفاعلين وإلقاء القبض عليهم”.
وجاء موقف الكتائب مستنسخا عن موقف إيران التي وصف المتحدث باسم خارجيتها سعيد خطيب زاده الهجوم الصاروخي الذي تعرضت له السفارة الأميركية في بغداد، بأنه “أمر مريب”.
وهدّدت واشنطن بالردّ عسكريا على إيران في حال هاجمت أيا من مصالحها في المنطقة في ذكرى مقتل قاسم سليماني الجنرال بالحرس الثوري الإيراني في غارة جوية أميركية قرب مطار بغداد مطلع العام الجاري. وقال قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال فرانك ماكينزي أثناء جولة أجراها في المنطقة إن بلاده مستعدة للرد في حال هاجمتها إيران في الذكرى الأولى لمقتل سليماني.
وقال العسكري وهو مسؤول الأمن في ميليشيا كتائب حزب الله التي تتهم بتنفيذ معظم الهجمات الصاروخية ضد المنطقة الخضراء في بغداد إن “عمليات القصف في الأيام الماضية لا تصب إلاّ في مصلحة عدونا ترامب وهذا ما يجب ألا يتكرر”.
ويقول مراقبون إن هذه الميليشيات المعروفة بشراستها تريد القول إنها ملتزمة بالقرار الإيراني الذي ينص على التهدئة الشاملة مع الولايات المتحدة لحين انتقال السلطة إلى الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، وهو ما أشار إليه العسكري حرفيا.

وشن الزعيم الميليشياوي هجوما لاذعا على رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، مذكرا بالعداء القديم بين ميليشيا الكتائب ورئيس جهاز المخابرات السابق.
وختم العسكري قائلا “لن تحميه حينها الاطّلاَعَات الإيرانية، ولا الـ’سي.آي.إي’ الأميركية، ولا المزايدين على مصلحة الوطن”.
وكان وقع ذكر العسكري لـ”الاطّلاعات” التي تعني جهاز المخابرات الإيراني، غريبا لدى كثيرين، لكنه كشف بحسب متابعين للشأن العراقي عن جانب من أسرار النفوذ الإيراني في العراق.
ويتنازع جهاز المخابرات الإيراني “الاطلاعات” مع الحرس الثوري الإيراني في الملف العراقي، إذ يميل الأول إلى دعم مشاريع سياسية شيعية تعمل على تحقيق أهداف طهران، بينما يذهب الثاني نحو إسناد المهمة للميليشيات الشيعية المسلحة.
وتحظى الاطلاعات الإيرانية بدعم الإصلاحيين في طهران، وتُعد امتدادا للمؤسسة السياسية الرسمية، بينما يتمتع الحرس الثوري بدعم المتشددين وعلى رأسهم المرشد علي خامنئي، وهو المسؤول عن أنشطة طهران السرية غير الرسمية في الخارج.
وتقول مصادر إن الاطلاعات الإيرانية تلقت دفعة قوية في الملف العراقي عندما قُتل قاسم سليماني قائد قوة القدس في الحرس الثوري، وأهم جنرالات طهران منذ عقود.
وبالرغم من أن هذا التنافس لن يؤثر على آلية العمل الإيراني في العراق، إلاّ أنه قد يكون مفيدا للاّعبين العراقيين في حال ما إذا حاول أحدهم استغلال ضعف طهران الشديد على مستوى السياسة والاقتصاد بسبب العقوبات الأميركية.