الموروث الشعبي العربي يواجه تحديات الأرشفة والتوثيق

إبراهيم سند: من لا يهتم بحماية ماضيه لا يمكنه صناعة مستقبله.
السبت 2024/05/18
تراث ينتقل عبر التواصل

يؤكد خبراء وباحثون في مجال التراث على أهمية توثيق وأرشفة الموروث اللامادي لكنهم يحذرون من أن تتم هذه العملية وفق أسس غير علمية ومن انصراف بعض الشعوب عن الاهتمام بتاريخها ما يسهم تدريجيا في اندثار جزء كبير من هوية الشعوب أو اختلاط الهويات ببعضها البعض جراء الانفتاح الثقافي والعولمة.

المنامة – تواجه الدول العربية مشكلة مشتركة في أرشفة وتوثيق وتأريخ الموروث الشفهي، والتراث اللامادي الذي أصبح يثير موجات من الانتقادات والصراعات بين رواد السوشيل ميديا، حيث تتداخل هوية هذا الموروث الذي ينتقل من بلد إلى آخر.

قال إبراهيم سند، الخبير البحريني في شؤون التراث الخليجي والعربي، إن صعوبات كثيرة تواجه جهود جمع وتوثيق وأرشفة الموروث الشعبي، ومواد التراث الشفاهي غير المادي العربي.

وأضاف بأن الجامعات العربية تفتقد وجود أقسام لدراسة الفلكلور وجمعه وأرشفته، ونتيجة لذلك فإن بعض المراكز باتت تقوم بجمع التراث وهي تفتقد المنهجية العلمية اللازمة لدراسة ما تقوم بجمعه من مواد تراثية.

وأكد سند أن هناك الكثير ممن يعملون في مجال التراث في الوقت الراهن، يقتصر دورهم على مسألة تجميع مواد التراث والموروث الشعبي، وإصدارها في كتب كمادة خام مثل جمع الحكايات والأمثال الشعبية، دون الولوج في دراسة هذه المواد دراسة علمية، إضافة إلى عدم اعتماد مناهج للجمع وغياب الدراسة المُعمّقة للمواد التي يتم جمعها.

وشدد الكاتب والباحث والخبير البحريني في شؤون التراث، على أن المحافظة على التراث لا يعني التخلف، بل يعني الحفاظ على هويّة المجتمعات، ونوّه إلى أن الكثير من المجتمعات المتطوّرة والتي باتت من أكبر الاقتصادات العالمية، لا تزال شعوبها تحتفظ بعاداتها وتقاليدها مثل الصين، واليابان، والهند وغيرها. وانتقد إبراهيم سند، ما وصفه بالموجات التي ترى أن التحضر هو التخلي عن العادات والتقاليد المتوارثة عن الأجداد والآباء.

هويّة الشعوب

لا يمكن الصمت عن التاريخ الشفهي (لوحة صفوان داحول)
لا يمكن الصمت عن التاريخ الشفهي (لوحة صفوان داحول)

تابع الخبير البحريني بالقول إن الكثيرين ابتعدوا عن العمل في مجال جمع وصون وإحياء التراث لكونه حقلا يبحث في الماضي، وأن هذا الماضي بحسب زعم هؤلاء لا يستحق الاهتمام، وأن الأولى بالاهتمام هو المستقبل، متناسين أن ذلك التراث هو جزء من هويّة الشعوب، وأنه أحد الأدوات لصنع مستقبل أفضل للأوطان.

ورأى سند أن التراث ليس ترفا، ولا مُجرّد مقتنيات قديمة تُعرض بالمتاحف والمعارض، بل هو نمط حياة، ووسيلة لدراسة تطوّر الشعوب وانتقالها من مرحلة لأخرى.

وبيّن أن التراث متحوّل ومتغيّر وليس ثابتا، وأن ما كان يصلح بالأمس ليس بالضرورة أن يكون صالحا لليوم، وأنه لابد من النظر للتراث بمعناه الروحي، وأنه في ذلك البُعد الروحي تكمن أهمية “السنع” – الذي يعني فن “الإتيكيت” بالمعنى الحداثي – الذي يمثّل كنزا من القيم الأصيلة التي أسس لها الأجداد، ويتعلم منها الناس كيفية احترام الصغير للكبير، وأسس العلاقات الأسرية السليمة، والسبل المُثلى للتعامل مع الآخرين، ونمط العيش اليومي إلى غير ذلك من القيم والمبادئ التي لا تتغير بمرور الزمن ونحتاج للتأكيد عليها وترسيخها في المجتمعات.

وحول رؤيته للدور الذي يجب أن يقوم به كل من يعمل في مجال التراث، قال بأنه يرى أن مهمة الباحثين والمختصين بالتراث الشعبي، هي التنوير وتشجيع الممارسات التراثية، ومحاربة كل ما يندرج في إطار “الموضة الدخيلة على مجتمعاتنا”، والتصدي للموجات التي تُقلل من أهميّة اللغة والثقافة العربيتين ومن ثم التراث العربي.

رؤية منهجيّة

الجامعات العربية تفتقد وجود أقسام لدراسة الفلكلور وأرشفته لذلك فإن البعض باتوا يقومون بجمع التراث دون منهجية

حول رؤيته لأفضل سبل العمل في مجال صون وإحياء التراث، قال إبراهيم سند، إنه من المهم أن يمتلك من يتصدون للعمل في مجال التراث، رؤية منهجية تمكنهم من القيام بواجبهم في أفضل صورة، مؤكدا أن الباحث الذي لا يمتلك رؤية منهجية علمية تضيع كل جهوده وتُصبح بلا فائدة.

واقترح الخبير البحريني أن يكون العمل في مجال التراث وصونه عملا جماعيا، وأن يتم دمج المبادرات الفردية بهذا المجال في مشروعات مؤسسية لكي يتحقق ما نُريده ونطمح إليه نحو صون وإحياء التراث العربي.

وحول الجهود البحرينية في مجاليْ صون وإحياء التراث، قال إن الاهتمام بالتراث في البحرين بدأ في خمسينيات القرن الماضي، عبر جهود فردية، وأنه منذ السبعينيات وصولا إلى حدود الثمانينيات بدأ الاهتمام الرسمي من قبل الدولة بالتراث يتزايد، وخاصة في عام 1983، عندما تم تأسيس إدارة للتراث بعد أن كانت تتبع وزارة الإعلام آنذاك.

وأوضح بأن تلك الإدارة قدّمت العديد من الدراسات والإصدارات، وساهمت في توثيق التراث البحريني، إلى جانب قيامها بتنظيم المهرجانات التراثية التي ساعدت على إحياء التراث ونقله للأجيال، وهي جهود متواصلة حتى اليوم. واعتبر أن العرب لا يمتلكون إستراتيجيات ثابتة وقويّة تُحدد المسار العام لعملية صون وإحياء التراث، وأن هذا هو حال البحرين وكل الدول العربية.

تجربة شخصيّة

حح

حول تجربته الشخصية في حقل التراث، ورؤيته لأكثر الموضوعات والمؤلفات رواجا في هذا المجال، قال سند إنه عمل طوال مسيرته الممتدة لعقود في جمع مواد التراث الشعبي من حرف وصناعات تقليدية، وأدب شعبي، وكل ما يتعلق بالثقافة الشعبية، خاصة المعنيّة بالطفل.

ولفت إلى أنه خلال تلك المسيرة وجد أن أكثر تلك الموضوعات رواجا، وأكثر الكتب انتشارا هي المعنية بالأزياء، والكتب الموجهة للأطفال، مثل كتب الحكايات الشعبية والأغاني والأهازيج والألعاب السحرية.

وحول أكثر الكتب أهمية فيما أنتجه وشارك فيه من مؤلفات، قال إن كتاب “النقدة” الذي صدر كنتاج عمل جماعي، هو أحد الكتب المهمة في هذا المجال.

ووصف هذا الكتاب، بأنه حصيلة بحث ميداني على مستوى مدن وقُرى البحرين، ويتناول “النقدة” وهي حرفة تراثية تُعد من أبرز عناصر التطريز في الملابس النسائية البحرينية، والتي وجدوا فيها تشابها مع حرف مماثلة بالعالم العربي، مثل “التلي” في كل من مصر والأردن وتونس.

يُذكر أن إبراهيم سند، هو أحد أبرز الاختصاصيين في التراث في وطنه البحرين، وقد قدّم الكثير من المؤلفات في مجال الموروث الثقافي والشعبي، إلى جانب ما يكتبه من كتابات وأعمال أدبية موجهة للأطفال، والتي تتنوّع ما بين قصص ومسرحيات، إضافة إلى بحوثه العلمية في حقل التراث والتي نال عنها العديد من الجوائز والتكريمات؛ كان من بين أحدثها فوزه بشخصية العام للتراث الثقافي لعم 2023، من جائزة الشارقة الدولية للتراث، وغير ذلك من الجوائز المحلية والخليجية والعربية التي حاز عليها، تقديرا لإسهاماته في حقلي التراث وأدب الطفل.

13