المنجمون في التسلل

ونحن على أبواب عام جديد، لا أعرف كيف سيتصرف العرافون والمنجمون والفلكيون الروحانيون ممن تعودوا خلال السنوات الماضية على ملء الشاشات والراديوهات وصفحات الجرائد والمجلات بما يقدمون من تنبؤات وتكهنات حول الأحداث المنتظرة، وماذا سيقولون عن طالع 2021 بعد أن أربك كوفيد – 19 حساباتهم في 2020، وفضح عجزهم عن التنبؤ مسبقا بما جرّه ذلك الفايروس إلى العالم من خسائر طالت أرواح البشر ومصالح الدول وجمدت الأنشطة الإنسانية على جميع الأصعدة وفي مختلف البلدان.
أعرف أن العرافة شغلانة ازدهرت منذ عقود نتيجة قلق الساسة وهواجس نجوم الفن وصراع الضرائر في البيوت الثرية والحروب الخفية على النفوذ والثروة، وأن العرافين يستغلون فترة آخر كل عام ميلادي لقراءة فنجان العام الذي سيليه، وأن العراف الواحد يمكن أن يقدم ألف احتمال لأحداث ستجري في جميع البلدان ومختلف المجالات، فإذا حصل وأن أحد تلك الاحتمالات تحقق بالفعل، جعل منه دليلا كافيا على أنه يمتلك أسرار الغيب وأنه نوستراداموس العصر، دون أن يحاسب نفسه على أن 999 ذهبت أدراج الرياح، فلا هي في العير ولا في النفير، كما يقال.
والمثير للضحك أن العرافين عادة ما يحددون عدد كبار السن أو المرضى من الحكام أو الفنانين مثلا، ويعلنون: وفاة زعيم عربي، أو رحيل فنان معروف، وإذا كانت لديهم معلومات عن قصة حب يعيشها أحد النجوم، سيزعمون التنبؤ بزوجه، وإذا كان متزوجا سيتحدثون عن طلاقه، وإذا كان أحد السياسيين قد تراجع في عمليات سبر الآراء، سيدعون أن الكواكب أخبرتهم بأنه مقدم على فشل في الانتخابات، وإذا كانت هناك دولة تعاني من أزمة فهم أمام خيارين إثنين إما أن تستفحل أو تنفرج، وإذا كان هناك نظام منبوذ فمن الطبيعي أن يتحدثوا عن كوارث ومصائب تنتظره، وبالطبع، لا بد من بهارات من نوع زلزال يضرب إيران وتركيا وأعاصير تصيب المحيط الهادي أو الهندي، مع نجاح العلماء في اكتشاف دواء ناجع لمرض غير محدد.
وبالمناسبة، كان لنا في تونس عراف شهير بجنوب البلاد اسمه الطالب عمار توفي في العام 1985، كان محل تجارته المتواضع في مدينة توزر يستقطب كبار السياسيين ومنهم الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك الذي زاره في العام 1983، وسمع منه أن عليه ألا ييأس من الوصول إلى الحكم، لأنه سيأتي اليوم الذي يصبح فيه رئيسا لبلاده، وقد اعترف شيراك بذلك في حديث بثه التلفزيون الفرنسي في العام 1995.
لكن شهرة الطالب عمار التي طبقت الآفاق جعلته قبلة الجنرالات الأفارقة الساعين للانقلاب من أجل الحكم في بلدانهم خلال عقدي السبعينات والثمانينات، ويبدو أن أحدهم قد أزعجه بكثرة الاتصالات، فما كان منه ذات يوم إلا أن بادره قائلا: اذهب ونفذ فإنك الزعيم لا محالة، ولما سأله المقربون منه: لماذا دفعت بالرجل إلى الهاوية؟ أجاب: أمامه خياران: إما أن ينتج ويصبح رئيسا ويعود لي بهدية ثمينة، أو أن يفشل ويلقى عليه القبض ويعدم فأستريح من إلحاحه.
ولكن الطريف في الموضوع أن الجنرال نفذ الانقلاب وأصبح رئيسا لبلاده.