المقاومة وداعش والهزارة ثالوث يهدد حكم طالبان

ينتظر أن تعلن طالبان الجمعة عن تركيبة الحكومة الأفغانية الجديدة، وسط ترقب محلي ودولي لمدى التزامها بتعهداتها السابقة وكيفية تعاملها مع الملفات الأمنية والاجتماعية التي قد تمثل خطرا على أركان حكمها في واقع إقليمي شديد التعقيد.
كابول - أعلنت حركة طالبان الخميس أنها قريبة من تشكيل حكومة جديدة، فيما يتوقف تثبيت أركان حكمها على طريقة تعاملها مع ثالوث يهدد “استقرار” إمارتها الجديدة.
ويأتي الإعلان عن الحكومة الجديدة المتوقع الجمعة، بعد أيام على الانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية من أفغانستان الذي أنهى أطول حروب الولايات المتحدة مع انتصار عسكري للحركة الإسلامية.
وتتجه كل الأنظار الآن لمعرفة ما إذا كانت طالبان ستتمكن من تشكيل حكومة قادرة على إدارة اقتصاد خربته الحرب وتحترم تعهدات الحركة بحكومة “جامعة”.
وقالت طالبان في وقت سابق إنها ستسعى إلى تشريك كل الحساسيات الأفغانية في الحكومة المرتقبة، إلا أن مراقبين لن يأخذوا عنها هذا على محمل الجد.
وتعهدت الحركة الإسلامية باعتماد نهج أكثر ليونة مما كان عليه حكمها بين 1996 و2001، لكن عليها الآن أن تتحول من مجموعة متمردة إلى سلطة تتولى الحكم.
ومن أجل الحكم يتوجب على السلطات الجديدة التعامل مع تهديدات منتظرة، إذ أن سيطرة الحركة على العاصمة الأفغانية كابول ومعظم محافظات البلاد لا تعني بالضرورة انتهاء المعارك التي لم تتوقف منذ 1979.
كل الأنظار تتجه الآن لمعرفة ما إذا كانت حركة طالبان ستحترم تعهداتها الدولية بتشكيل حكومة جامعة
ومازالت هناك جيوب مقاومة في جبال بنجشير في الشمال، وتنظيم داعش خرسان في الشرق، وجماعات عرقية ومذهبية تناصب طالبان العداء في أكثر من محافظة خاصة في الغرب والشمال.
ويقود المقاومة أحمد مسعود ابن الزعيم الطاجيكي أحمد شاه مسعود، أحد قادة المقاومة الأفغانية ضد السوفييت، والذي قاتل طالبان خلال حكمها الأول، وقتل قبل يومين من تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
ويتحصن أحمد مسعود في محافظة بنجشير (شمال)، ذات الجبال الوعرة، والغالبية الطاجيكية (نحو 37 في المئة) والتي عجزت طالبان عن اقتحامها خلال 5 سنوات من حكمها الأول (1996 - 2001).
ويمكن أن يتحول وادي بنجشير إلى معقل للمعارضة المسلحة لحكم طالبان، على غرار “تحالف الشمال”، الذي ضم قوميتي الطاجيك والأوزبك (نحو 9 في المئة)، في المحافظات الشمالية.
لكن طالبان يبدو أنها استفادت من تجاربها السابقة، وتتفاوض حاليا مع أحمد مسعود، لدخول محافظة بنجشير دون قتال، وفي نفس الوقت تحشد قواتها على أطراف المحافظة لاقتحامها في حال فشلت المفاوضات.
وفرص طالبان للقضاء على “المقاومة الوطنية” عسكريا ليست مضمونة، إذ سبق لها وأن أخفقت من قبل في اقتحام وادي بنجشير، كما فشل السوفييت قبلها.
وتوجد مديريات أخرى في محافظتي ننغرهار ولقمان، شرق كابل، خارج سيطرة طالبان، غير أنها لا تشكل نقاط مقاومة حصينة وقد تسقط في يد طالبان خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة، إلا إذا تلقت دعما عسكريا من “المقاومة الوطنية” أو من الخارج.
فإذا قررت دول الجوار (طاجكستان، أوزبكستان، وتركمانستان، وإيران وباكستان والصين) بالإضافة إلى روسيا، أو الدول الغربية دعم “المقاومة الوطنية”، فإن حكم طالبان لن يعرف الاستقرار بسهولة.
ويشكل تنظيم داعش خرسان أخطر تهديد وجودي لحركة طالبان، بالنظر إلى استخدامه نفس الأساليب القتالية، ويجيد القتال في الجبال والأماكن الوعرة.
وتشكل التنظيم من عناصر منشقة من حركة طالبان ذاتها في 2014، عندما شاع خبر وفاة الملا عمر مؤسس الحركة، بينما أخفى قادتها الخبر طيلة عامين من وفاته في 2013.
وبحسب تقارير إعلامية، فإن تنظيم داعش خرسان يضم ما بين 1500 و2200 عنصر، بينما تتحدث مصادر أخرى عن آلاف، خاصة بعد انضمام مقاتلين من طالبان باكستان إليه، فضلا عن جنسيات أخرى قدمت من العراق وسوريا.
وخاضت طالبان أكبر وآخر معاركها الرئيسية في محافظة جوزغان، في الشمال على الحدود مع دولة تركمانستان، صائفة 2018، حيث أعلنت خلالها مقتل 150 عنصرا من داعش واحتجازها 130 آخرين، بينما فضل 150 تسليم أنفسهم للقوات الحكومية.
وقال حينها ذبيح الله مجاهد الناطق باسم طالبان “ظاهرة داعش الخبيثة انتهت تماما، وتحرر الناس من عذاباتها في إقليم جوزغان”.
إلا أن داعش خرسان مازال يسيطر على مديرية خوكي، بمحافظة كونار (شرق) على الحدود مع باكستان، وبالأخص إقليم وزيرستان، معقل طالبان باكستان.
كما أن داعش يملك خلايا نائمة في كابول، وتجلى ذلك في الهجوم الذي استهدف مطار كابول الخميس الماضي وخلف العشرات من القتلى بينهم جنود أميركيون.
وهناك ترقب أيضا حول كيفية تعامل طالبان مع شيعة أفغانستان والذين يتركزون في غرب البلاد بمحافظة هرات، التي تقطنها قبائل الهزارة (نحو 9 في المئة)، التي تدعمها إيران.
وسقطت هرات في يد طالبان دون مقاومة شديدة، وتحدث خبير مجلس الشؤون الدولية الروسي كيريل سيمونوف عن مشاركة بعض تشكيلات الهزارة في الأعمال القتالية إلى جانب طالبان.
ورغم تبني طالبان خطابا معتدلا تجاه القوميات والمذاهب المختلفة، إلا أن هناك توجسا لدى شيعة الهزارة من تشدد طالبان، التي يتحدر أغلبية عناصرها من قومية البشتون السنية (ما بين 40 إلى 50 في المئة)، التي تمثل أكبر قومية في البلاد.
طالبان تسعى إلى تشريك كل الحساسيات الأفغانية في الحكومة المرتقبة، إلا أن مراقبين لن يأخذوا عنها هذا على محمل الجد
واتهمت منظمة العفو الدولية، في تقرير صدر مؤخرا، حركة طالبان بتعذيب وقتل عدد من أقلية الهزارة في محافظة غزني (جنوب شرق) في يوليو الماضي.
ومع ذلك يحاول شيعة أفغانستان أن يكونوا جزءا من السلطة القائمة حتى ولو كانت على رأسها طالبان، وهو توجه تدعمه إيران.
وسبق أن دعت طهران حكومة كابول السابقة في 2020 إلى ضم الميليشيات الشيعية في الجيش الأفغاني، وقال وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف إن مقاتلي ميليشيات الهزارة “أفضل قوات بخلفية عسكرية” يمكن استخدامها ضد تنظيم داعش في أفغانستان.
وجندت إيران منذ سنوات الآلاف من الهزارة الأفغان ضمن ميليشيات شيعية للقتال في سوريا، وأشهرها لواء فاطميون، الذي يضم نحو 3 آلاف مسلح، بينما يقول الإيرانيون إن أعدادهم تصل 14 ألفا.
وإذ أخفقت طالبان في التعامل بحكمة مع الهزارة، أو دخلت في صراع طائفي مع جارتها الغربية إيران، فقد نشهد نقل لواء فاطميون من سوريا إلى أفغانستان لقتال الحركة بشكل مستقل أو بالتحالف مع قوميات أخرى خاصة الطاجيك، الذين توجد بينهم أقلية من الشيعة.
ويشير متابعون إلى أن طالبان قد تسعى إلى احتواء الصراع المذهبي مع الهزارة ضمن ضوابط محددة، على الأقل في المرحلة الأولى التي تسعى فيها لتثبيت أرجلها في الحكم، وضمان اعتراف دولي بها كسلطة شرعية لأفغانستان، خاصة من دول الجوار بما فيها إيران.