المقارنة بين دراما الماضي والحاضر تشغل الجمهور المصري

مبالغة غير مبررة وضعف معالجة يميزان الأعمال التلفزيونية الكوميدية المصرية المعروضة في رمضان هذا العام.
الاثنين 2025/03/24
كوميديا رمضان تقع في فخ المبالغات

القاهرة - مبالغة غير مبررة وضعف معالجة مفردتان تتسم بهما الأعمال التلفزيونية الكوميدية المصرية المعروضة خلال شهر رمضان هذا العام، باستثناء مستحق للعمل الكبير "النص" الذي قدمه النجم الفنان أحمد أمين وصحبته من الموهوبين، حمزة العيلي وأسماء أبواليزيد وصدقي صخر والمخرج حسام علي والمؤلف عبدالرحمن جاويش، حيث نقل العمل الرائع المشاهدين إلى عالم النشال عبدالعزيز النص الذي تتسم شخصيته بمزيج فريد بين اللصوصية والتصدي للمستعمر البريطاني.

المسلسل الذي سجل نفسه بأحرف من نور في تاريخ الدراما المصرية، نقل لنا أدق منمنمات ثلاثينات القرن الماضي التي تدور حولها الأحداث عبر سيناريو محكم ومتقن للغاية وإخراج عالي المستوى.

وقعت معظم الأعمال الكوميدية الأخرى في فخ الاستسهال، حيث حاول النجم الكبير محمد هنيدي جاهدا من أجل إضفاء أجواء كوميدية، مستندا على خفة ظله وموهبته في مسلسله "شهادة معاملة أطفال"، ويدور حول محام كبير يتلاعب بالقانون يتعرض لحادث سير، ويظل في غيبوبة لمدة عشرين عاما ثم يفيق بعدها ليجد عالما مغايرا.

وأوراق وسيناريو المسلسل مستوحاة من فكرة رئيسية عن تحفة روبرت دي نيرو Awakening  أو "الصحوة" لكنهما لم يخدما العمل، حيث عانى من المط والتطويل والمواقف المقحمة ليظهر دون المستوى المأمول منه، رغم تاريخ مخرجه سامح عبدالعزيز من الأعمال الفنية الناجحة، مثل "الفرح" و"كباريه" و"صرخة نملة."

◙ مسلسل "النص" سجل نفسه بأحرف من نور في تاريخ الدراما المصرية
◙ مسلسل "النص" سجل نفسه بأحرف من نور في تاريخ الدراما المصرية

في الوقت الذي لم ينجح فيه صناع المسلسل المميز “أشغال شقه جدا” في صناعة جزء ثان بنفس المستوى المتألق للجزء الأول المذاع في رمضان العام الماضي وحقق نجاحا كبيرا، جاءت أحداث الجزء الثاني تحوي العديد من المواقف الكوميدية المفتعلة عبر خلق شخصيات شغالات المنزل.

وهو قالب دارت فيه الأحداث وهي تميل إلى المبالغات غير المبررة، مثل شخصيات الشغالة النكدية التي تندب كالآلة بلا داع، وأخرى مدمنة للمخدرات، وثالثة مؤمنة بالسحر، وتمت معالجتهن دراميا بشكل سطحي يفتقر إلى الدراسة المتعمقة لهذه الشخصيات لخلق كوميديا موقف مدروسة، إلا أن كيمياء التفاعل الكوميدي المطعمة بخفة الظل بين الفنانين هشام ماجد ومصطفى غريب فجرت الضحك في الكثير من المشاهد وجذبت شريحة كبيرة من المشاهدين لمتابعته.

أما مسلسل "عقبال عندكو" للفنانة إيمي سمير غانم والفنان حسن الرداد والمخرج علاء إسماعيل ويتحدث عن شاب وفتاة يستعدان للزواج والمواقف التي تواجههما، فقد جاء دون المستوى لركاكة التناول ومحاولات الإضحاك الفاشلة، وتعرض المسلسل لانتقادات عدة من قبل المشاهدين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ظهر ضعف الكوميديا وعدم القدرة على جذب الجمهور وإثارة تفاعله مع الأحداث.

مقاربة ومقارنة بسيطة بين هذا النوع من كوميديا الاستسهال والافتعال مع الكوميديا المصرية الأم، توضح مدى الحسرة التي تنتاب شريحة كبيرة من المواطنين، فمنذ نشأة الدراما المصرية كانت الكوميديا مثل قطع السكر التي يحلي بها الجمهور أوقاته، وهي ضيف رائع ينتظره بشغف ليطلق قهقات ضحكاته إلى أعلى مستوياتها.

استندت هذه الكوميديا على خفة الظل المعروفة عن غالبية المصريين ويشاركها في حبها كل الأشقاء العرب. فماذا إذا أضيف لها أوراق مكتوبة بعناية ومهارة وإخراج يصل إلى أعلى مستوى من المهنية والحرفية؟

في أحد حواراته التلفزيونية خلال منتصف سبعينات القرن الماضى رد الفنان عبدالمنعم مدبولي على سؤال أيهما أصعب الكوميديا أم التراجيديا؟ فقال بلا تردد “الكوميديا أصعب كثيرا، لأنها تحتاج إلى جانب موهبة الإضحاك أوراقا مكتوبة بمهارة وحرفية وهو ما لا يتوفر إلا في عدد محدود من الكتاب، وعلى النجم الكوميدي ألا يقدم عملا تافها يقوم على معالجة سطحية تفقده مصداقيته ورصيده لدى الجمهور.”

وبتوافر هذه العوامل خرجت أعمال كوميدية فائقة الجودة حفرت نفسها عميقا في ذاكرة كثيرين، وقدمت نجوما انطلقوا في مجال الفن، وأبدعوا في السينما والدراما، مثل النجم عادل إمام الذي تفجرت موهبته غير المسبوقة عقب النجاح الأسطوري لعمله الكبير "أحلام الفتى الطائر" الذي بثه التلفزيون المصري عام 1978 ليستمر بعده متربعا على عرش النجومية ولا ينازعه أحد نحو أربعة عقود.

◙ مقارنة بسيطة بين كوميديا الاستسهال والافتعال من جهة والكوميديا المصرية الأم من جهة أخرى توضح مدى حسرة المشاهدين

علاوة على حشد كبير من النجوم "سوبر ستارز" بلغة هذه الأيام أمثال فؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي ومحمد عوض وسعيد صالح ومحمد صبحي ومحمد رضا ومسير غانم ويونس شلبي، وغيرهم من الأجيال اللاحقة.

على الرغم من الإمكانات البسيطة التي توافرت لصناع كوميديا في ما يعرف بـ"الزمن الجميل"، مقارنة ببذخ الإنتاجات الكوميدية الحالية، فإن أعمالهم جاءت من العيار الثقيل بحق، واتشحت بروعة صناعها ودلت على جلسات تحضير وبروفات لا حصر لها، وعرق وجهد كبيرين بذلا في صناعتها للوصول إلى مستوى مرتفع من الدقة في معالجة العمل فنيا، مع الاحتفاظ بمساحات للنجوم تسمح لهم بالارتجال استغلالا لموهبتهم وما تفرزه من إبداعات وليدة اللحظة بلا خروج عن السياق الدرامي للعمل.

وقادت كتيبـة من كبار المخرجين الأعمال الكـوميدية مستعينة بعباقرة في الكتـابة الـدرامية إلى الخلود بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث قدم المخرج الكبير محمد فاضل عـددا من الأعمال الكوميدية المهمة، مثل “نجم الموسم” وهـو مستوحى مـن الأسطورة الإغريقية بجماليون، ولعب بطولته الفنان محمد رضا في رمضان عام 1977 وجسد فيه شخصية حنفي الونش.

وقدم في رمضان من العام التالي له العمل الكوميدي الكبير "أحلام الفتى الطائر" من تأليف وحيد حامد، والذي فاجأ الجمهور برائعة كوميدية أخرى، وهي “أبنائي الأعزاء شكرا”، وكتبها عصام الجنبلاطي وسمحت للفنان عبدالمنعم مدبولى بالانتقال إلى مرحلة مختلفة من إبداعه الفني.

13