المفردات الزخرفية متشابهة بين القط العسيري والفن الإسلامي

التجريد يعد من أهم سمات الفن الإسلامي، وهو القاعدة الأساسية التي قام عليها فن التصوير الإسلامي، فجاء مقيدا بسبب تحريم التشخيص في الإسلام.
الخميس 2023/02/16
زخارف شبيهة بالفن الإسلامي

القاهرة- ذكرت دراسة سعودية أن هناك تشابها في المفردات الزخرفية من حيث التجريد بين زخارف الفن الإسلامي وزخارف القط العسيري بمنطقة عسير، وأن القيم الفنية والجمالية للزخارف الإسلامية وزخارف القط العسيري تلتقي في نقاط مشتركة، منها التجريد والتكرار والوحدة والتنوع والإيقاع، وأن العقيدة الإسلامية أثرت على الزخارف الشعبية في السعودية.

وسعت الدراسة التي أعدتها الدكتورة مسعودة عالم جان قربان، الأكاديمية بجامعة الملك سعود، والباحثة يسرى سعيد القحطاني، بالجامعة نفسها وحملت عنوان “التجريد بين زخارف الفن الإسلامي وزخارف القط العسيري في منطقة عسير.. دراسة مقارنة”، وجرى النشر العلمي لها ضمن بحوث سلسلة المؤتمرات العلمية لكلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصر المصرية، إلى توضيح أوجه التشابه والاختلاف في مفهوم التجريد بين الزخارف الإسلامية وزخارف القط العسيري بمنطقة عسير في السعودية. وكذلك تسليط الضوء على جماليات الزخارف الإسلامية والزخارف الشعبية بعسير، كما عملت على توضيح أثر الفن الإسلامي على الفنون الشعبية في المملكة.

وأوضحت الدراسة أن الفن الإسلامي من المصادر التي تتميز بتنوع وثراء المفردات الزخرفية وتفردها بحلول إبداعية لمعالجة المساحات الشكلية لجميع مجالات الفنون الإسلامية. وأشارت إلى أن الفنان المسلم أبدع في إنتاجه الفني مستمدا فكره من روح العقيدة الإسلامية، وأخضع كل أشكاله الزخرفية لفلسفة الفكر الإسلامي مما كوّن لنا مصدرا غنيا ورافدا حضاريا يحمل في طياته لغة بصرية وشكلية مغايرة تحمل قيما فنية وجمالية وخصائص تميزها عن غيرها من الفنون.

◙ القط العسيري قد يكون امتدادا زمنيا لزخارف الفن الإسلامي بالرغم من الفارق الزمني بينهما نظرا لوجود تشابه في سماتهما

وأكدت أن التجريد يعد من أهم سمات الفن الإسلامي، وهو القاعدة الأساسية التي قام عليها فن التصوير الإسلامي، فجاء مقيدا بسبب تحريم التشخيص في الإسلام، وأصبح ذي نزعة تجريدية، فهو لا يقوم على المحاكاة من الطبيعة، حيث اتجه الفنان المسلم إلى خلق عالم من العلاقات التجريدية، فأصبحت له القدرة على تخليص الصيغ المشتركة بين العناصر والجزيئات.

وبيّنت الدراسة تأكيد الفنون الإسلامية على التجريد لما يضفيه من روحانية على الأعمال الفنية والمعمارية التي تضم التصاميم الزخرفية التي تتكون من عناصر متنوعة.

وبحسب الدراسة، فإن العمارة الإسلامية تُعد من أبرز المجالات في الفن الإسلامي التي كانت تزخر بالزخارف الإسلامية المجردة سواء كانت هندسية أو نباتية، وأنه منذ أن ظهر المسجد أخذ الفن المعماري الإسلامي عموما، وفن الزخرفة الإسلامية خصوصا، طريقهما إلى النمو والازدهار، فحين تطلبت العقيدة بيوتا لممارسة العبادة، سرعان ما أصبحت تلك البيوت مجالا للتفنن والإبداع.

واعتبرت الباحثتان أن التزيين الديني في الإسلام يُعبر عن روحانية مؤكدة جسدها إبداع الفنان المسلم، فهو يربط السكون باللانهائية، ويشكل حلقة وصل بين العالم المادي والعالم المطلق، من خلال النماذج التزيينية المنسجمة، والألوان البراقة التي تظهر تقنية متقدمة للتعبير عن الكمال المركزي ووسيلة للوصول إلى الجمال السامي.

ولفتت الدراسة إلى أن المسلمين أبدعوا في بناء وتزيين معمارهم الديني والمدني مثل القصور في العصور الإسلامية التي بدأت في الاستقرار منذ العهد الأموي، وأن معمار المسلمين بدأ يظهر للعيان هنا وهناك وأصبحت له هوية معروفة تختلف من حيث الأسلوب والطراز عن ذلك الذي وجد في البلدان التي تم فتحها، واستخدمت الكتابات والأشكال الهندسية والنباتية لتكوين الزخارف والنقوش المعمارية والتي أصبحت ميزة تنعم بها العمارة الإسلامية أكثر من غيرها.

◙ المتأمل للمفردات الزخرفية في القط العسيري يجد أن الطبيعة كانت هي مصدر الإلهام الأول
المتأمل للمفردات الزخرفية في القط العسيري يجد أن الطبيعة كانت هي مصدر الإلهام الأول

ورصدت مظاهر الاهتمام بتزيين العمارة في البيوت التقليدية بمنطقة عسير جنوب السعودية، وهو ما يطلق عليه فن “القط العسيري”، الذي يزين العمارة الداخلية، وهي زخارف مجردة ومستلهمة من بيئة المنطقة التي تعد غنية بتراثها التشكيلي المميز، وبيئتها الفريدة وتضاريسها المتنوعة التي ساهمت بشكل مباشر في تشكيل فنون ونقوش شعبية لها خصوصيتها.

وبحسب الدراسة، فقد أسهم عمق تاريخ منطقة عسير في تميزها بتراث غني، يضفي عليها طابعا خاصا من الزخارف الشعبية، والتي تميزت بتنوع إيقاعات النظم الشكلية، والخطية واللونية، لتمثل فنا مستقلا له دلالاته الفنية والرمزية.

وكما تقول فصول الدراسة، فإن المتأمل للزخرفة التقليدية بمنطقة عسير السعودية، يجدها تتسم بالتجريد، ما حولها من رموز الطبيعة إلى أشكال هندسية مجردة، نظمت في شرائط زخرفية متنوعة زين بها الثلث الأخير لحوائط المنازل من الداخل.

ومن المعروف أن هذا الفن الشعبي الذي اشتهر باسم “القط العسيري”، قد سجل كتراث قومي عالمي في منظمة اليونسكو عام 2017.

ونجد أن التجريد سمة مشتركة بين الزخارف الإسلامية والزخارف الشعبية في العمارة الداخلية بمنطقة عسير، وهذا ما سعت الدراسة لتسليط الضوء عليه وتوضيح أوجه التشابه والاختلاف في التجريد بين الزخارف الإسلامية والزخارف الشعبية في العمارة بمنطقة عسير.

◙ الفن الإسلامي من المصادر التي تتميز بتنوع وثراء المفردات الزخرفية وتفردها بحلول إبداعية لمعالجة المساحات الشكلية لجميع مجالات الفنون الإسلامية

وتدل الدراسة على أن زخارف القط العسيري فن لا يعرف له تاريخ زمني محدد، وهي زخارف تمتاز بعمق هندسي تجريدي يندر أن تجد له مثيلا في المجتمعات التي تحاذي منطقة عسير. وأن زخارف القط العسيري من الفنون الشعبية التي تبدعها النساء في المنطقة وهو فن مقتصر على النساء فقط، حيث يأتي دور المرأة بعد انتهاء الرجل من بناء المنزل، فتقوم بتجميليه وزخرفته من الداخل ويكون ذلك على مراحل فتبدأ أولا بمعالجة أسطح الحوائط بطبقة جصية وبعد جفافها تقمون بإعداد الألوان من مكونات البيئة، وذلك لتوفر المواد الأساسية لصنع هذه الألوان، إذ تعد منطقة عسير مادة غنية بتوفر النباتات والأحجار الملونة. فاللون الأخضر يؤخذ من نبات البرسيم، واللون الأصفر من الهرد، واللون الأحمر من حجر المشقة، واللون الأزرق من النيلة، واللون الأبيض من الجص، واللون الأسود من الفحم، واللون الأصفر من قشر الرمان، وتسحق جميعها ويخلط كل لون على حدة مع الصمغ العربي المستخرج من الأشجار ليكون أكثر ثباتا وتماسكا.

وتوقفت الدراسة عند استخدام نساء عسير لأدوات بدائية لنقش الزخارف على الحوائط فيستخدمن شعر الضأن وذيول الماعز والريش فرشا للطلاء، إضافة إلى استخدام قطع القماش بعد لفها على رؤوس أعواد من الخشب ثم تربط بخيط فتصبح جاهزة للطلاء، ويكون عدد الفُرَشِ بعدد الألوان فتخصص كل فرشاة للون مستقل حتى لا تختلط الألوان.

والمتأمل للمفردات الزخرفية في القط العسيري يجد أن الطبيعة كانت هي مصدر الإلهام الأول، حيث حاولت النساء محاكاة وترجمة ما يحيط بهن من نبات وجماد وصياغته كمفردات رمزية، تتسم بالتلقائية، وأنه عند النظر إلى زخارف القط العسيري نجدها لا تخلو من الخطوط بأنواعها المختلفة فقد برعت الفنانة الشعبية في استخدامها للخطوط المتنوعة لتكوين تصميمها للزخرفة، ومن هنا فإن الخطوط تعتبر من أهم العناصر المستخدمة في زخارف القط العسيري.

ورأت الدراسة أنه من خلال المقارنة بين المفردات الزخرفية في الفن الإسلامي والمفردات الزخرفية في القط العسيري، وجد تشابه كبير من حيث السمات الشكلية من خلال توظيف الوحدات الهندسية والنباتية والكتابية في شرائط زخرفية، واشترك الفن الإسلامي والقط العسيري في أنهما يعتمدان على مبدأ التجريد والتحوير لعناصر البيئة الطبيعية فيحولانها إلى رموز قائمة على توظيف خطوط ونقاط وأشكال هندسية مجردة، وأن القط العسيري قد يكون امتدادا زمنيا لزخارف الفن الإسلامي بالرغم من الفارق الزمني الكبير بينهما نظرا لوجود تشابه كبير في سماتهما.

14