المغربية فاطمة بوهراكة تنقب في ما هو مجهول من الشعر النسائي العربي

الباحثة تسبر أغوار تاريخ عريق لشاعرات استطعن أن يخلدن أسماءهن كرائدات تركن بصمة في أقسى الظروف الاجتماعية.
الاثنين 2021/08/09
ثلاثية بحثية لإنصاف شاعرات رائدات

الرباط – توجت الشاعرة والباحثة والموثقة المغربية فاطمة بوهراكة مسارا بحثيا بدأته منذ العام 2007 في مجال التوثيق البيبلوغرافي بمنجز ثامن رائد وفريد هو “الرائدات في طباعة أول ديوان شعري نسائي عربي فصيح”، الذي تممت به ثلاثية توثيقية هي الأولى في مجالها في المكتبة العربية.

وجاء هذا التتويج لمسيرتها التوثيقية في حقل الشعر النسائي المعاصر حصرا، مستكملة مهام البحث في البيبلوغرافيا الشعرية العربية لتاريخ شعراء في عدة بلدان عربية تقدمها تباعا ضمن مشاريع ثقافية توثيقية مقبلة.

والثلاثية ضمت كتاب “100 شاعرة من العالم العربي: قصائد تنثر الحب والسلام”، وهو كتاب توثيقي تضمن نصوصا عن الحب والسلام لشاعرات من أغلب الوطن العربي، مترجما إلى الفرنسية والإنجليزية والإسبانية بهدف التعريف بالهوية الشعرية لشاعرات عربيات، لإكسابه بعدا عالميا وحضاريا.

كما تضمنت الثلاثية “موسوعة الشعر النسائي العربي المعاصر (1950 – 2020)” الذي جمع بين دفتيه 1011 شاعرة من مبدعات حرف الضاد خلال الأعوام السبعين الماضية، وهدفت منه الباحثة إلى التوثيق لشاعرات هذا العصر، والتعريف بمنجزهن الشعري، وإغناء المكتبة العربية بهذه النوعية من الكتب التي تعرف ندرة واضحة.

وفي حين تفتقر المكتبة العربية إلى هذا النوع من التخصيص البحثي، أتت هذه الثلاثية وتحديدا الكتاب الذي تمم السلسلة البحثية “الرائدات في طباعة أول ديوان شعري نسائي عربي فصيح” لتكون من أبرز الأعمال البحثية الجادة والهادفة، التي سبرت أغوار تاريخ عريق لشاعرات استطعن أن يكتبن أسماءهن بأحرف مذهبة، كرائدات تركن بصمة في أقسى الظروف الاجتماعية التي كانت تعاني منها المرأة العربية.

 وفي ظل الافتقار إلى المراجع وندرة المصادر في العمل البحثي، استطاعت بوهراكة أن تميط اللثام عن أسرار ومعلومات تنشر للمرة الأولى عن شاعرات لم ينصفهن التاريخ الشعري نظرا إلى غياب التوثيق في هذا المجال أو لصعوبة الوصول إلى المصادر.

وهذا ما تشرحه الباحثة في مقدمة كتابها إذ تقول “يأتي كتابي هذا المعنون ‘الرائدات في طباعة أول ديوان شعري نسائي عربي فصيح’ ضمن هذه الثلاثية التوثيقية، لكنه أكثر تخصيصا، فقد حددت مساره بصفة الريادة الشعرية والإخراج الطباعي عند جيل الشاعرات المعاصرات بين سنوات 1867 و2010. إن صفة الريادة في طباعة أول ديوان نسائي داخل أي قطر من أقطارنا العربية في تلك المرحلة ليس بالأمر الهين، بل يتطلب إصرارا وجهدا كبيرين لكي يخرج إلى حيز الوجود، لأن سياسة التطرف والمغالاة في المجتمع وأسلوب الخنق العائلي المتمثلين في إسكات صوت المرأة الشعري وإلجامه، ووضع القيود والحواجز أمام إبداعها، جعلت هذه الأقلام النسائية مكبلة وعاجزة عن طباعة ما تفيض به مشاعرها، لهذا لم نجد سوى قلة من الشاعرات اللواتي ظفرن بطبع دواوينهن، بعد أن تمكنّ من مواجهة هذه الضغوطات، والتغلب عليها، والقفز على الحواجز المجتمعية المقدسة، فحالفهن الحظ في طبع أعمالهن الشعرية”.

وتضيف الباحثة “لقد أكسبتني رحلتي البحثية وعمليات الحفر والتنقيب في منجز شاعرات هذه الحقبة، وتحديدا في أوائل دواوينهن المطبوعة، الحصول على الكثير من المعلومات القيمة التي سيجدها القارئ بين دفتي العمل. كما توصلت إلى مجموعة من المعطيات والقواسم المشتركة بين الشاعرات الرائدات”.

ويعد هذا الكتاب البحثي عملا توثيقيا وتأريخيا مهما في الشعر النسائي المعاصر، ليس فقط لأنه قدم للمكتبة الشعرية البيبلوغرافية فكرة جديدة سباقة في التنقيب عن درر مجهولة، بل لأنه استطاع استعادة أسماء باذخة في العطاء الشعري النسائي غيبها النسيان والإهمال لسنوات طوال.

 واحتوى الكتاب قصائد غير منشورة ومخطوطات قيمة بخط يد الشاعرات وصورا نادرة ومنها ما ينشر للمرة الأولى كصورة الأميرة السعودية الشاعرة سلطانة عبدالعزيز السديري، إلى جانب صور تنشر للمرة الأولى لقبور بعض الشاعرات الراحلات في بلدانهن، بالإضافة إلى معلومات خاصة وحصرية لم يشهدها أي توثيق أو بحث شعري.

كما أن المجهود الذي أنجزته بوهراكة في تتبع آثار الشاعرات والتنقيب المضني وإزالة غبار التاريخ عن شخصيات كان لها أثر كبير في الشعر المعاصر، هو ما ميز هذا الإصدار، إذ يحتاج إنجازه إلى تضافر جهود كثيرة من باحثين أو مؤسسات.

وتضمن كتاب الرائدات عشرين شاعرة رائدة من معظم الدول العربية كن سباقات في نشر أول ديوان، نذكر منهن صاحبة الريادة فيهن جميعا وهي اللبنانية وردة اليازجي من خلال ديوانها “حديقة الورد” الذي طبع عام 1867 في بيروت.

“ثلاثية التوثيق الشعري النسائي العربي المعاصر” قيمة ثقافية شعرية توثيقية مضافة إلى الإصدارات العربية، فهي مرجع نادر موثوق مبني على صدقية عرفت بها بوهراكة، وتعد مع سابقاتها من الأعمال التوثيقية للباحثة خارطة طريق ذات نهج أكاديمي بحثي لكل طالب معرفة وثقافة وعلم في زمن الشح الثقافي والأدبي.

واحتفاء بما قدمته الباحثة للثقافة العربية وتقديرا لمجهوداتها كرّمت بوهراكة بروائع شعرية في ديوان صدر حديثا وطُبع في مصر بعنوان “فاطمة بوهراكة المرأة المؤسسة” وشارك فيه 36 شاعرا وشاعرة من العالم العربي.

15