المعارضة المصرية تستجيب للحوار الوطني وسط حالة من الترقب

طالب البرلماني وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني في مصر أحمد الشرقاوي بمنح الفرصة للحوار الذي أطلقه الرئيس عبدالفتاح السيسي، داعيا المعارضة إلى المشاركة بجدية وانتظار النتائج، مشيرا إلى أنه يتفهم مخاوف البعض من القوى السياسية خاصة من ناحية حرية طرح بعض الملفات الحساسة وطلب ضمانات للمشاركة.
القاهرة - تباينت ردود الفعل بين القوى السياسية المصرية بعد أن أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي الدعوة للحوار الوطني؛ حيث عبر فريق عن تفاؤله وأمله في تجاوز فترة طويلة من إغلاق المجال العام والسياسي، وآخر شكّك في الجدية والجدوى النهائية. وهو تباين لا يزال مطروحا على الساحة المصرية رغم مضي نحو ستة أشهر على دعوة السيسي وثماني اجتماعات من الجلسات التحضيرية التي عقدها مجلس أمناء الحوار.
وقال البرلماني وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني أحمد الشرقاوي في حوار مع”العرب”، بشأن كواليس ومستقبل هذه الخطوة التي يمكن أن تفتح الفضاء العام، إن الدعوة إلى الحوار في مجملها إيجابية للغاية ومطلوبة، وهناك من رآها متأخرة سياسيا، لكنها في نظره “واجبة لفك قيود العمل السياسي في مصر، وفتح المجال العام؛ فإجراء الحوار ونتائجه المرجوة منه سوف يحدثان تغييرا حقيقيا في الملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية”.
وأضاف أنه يقدر الآراء التي عبرت عن تخوفها بخصوص جدية الحوار من عدمه، قائلا “أنا من بين هؤلاء الذين تنتابهم مثل هذه الهواجس قبل الحوار وأثناءه، لكن دعونا نحكم على الخطوات التي تمت بالفعل ونقيس بها مدى الجدية من خلال ما يجري داخل اجتماعات الحوار الوطني نفسه، بدءا من اختيار مجلس الأمناء الذي تشاركت فيه المعارضة مع السلطة في التكوين والاختيار، ومقررو اللجان النوعية ومقررو المحاور الرئيسية (السياسية والاقتصادية والاجتماعية) التي تقاسمتها القوى المعارضة والمؤيدة للحكومة، ما يُحدث توازنا في الحوار ذاته”.
وأوضح لـ”العرب” أن “الأهم من كل هذا أن يتم الحوار بشكل جدي ووفق توازن حقيقي داخل جلسات الحوار نفسها، والتي ستبدأ قريبا، وهي أهم من المسائل الإجرائية والتحضيرية السابقة التي تولاها مجلس الأمناء وتم إعلانها أولا بأول”.
أحمد الشرقاوي: من المهم أن يتم الحوار بشكل جدي ووفق توازن حقيقي
وقال “دعونا ندخل الحوار ونتابع الجلسات ونشارك بجدية وننتظر النتائج”، مضيفا “ليس لدينا سوى دخول غمار الحوار لنُحدث التغيير المرجو في الملفات السياسية والحيوية”.
ورددت قوى معارضة أن السلطة المصرية دعت إلى هذا الحوار لكونها “مأزومة” وتعاني من ضغوط داخلية بفعل سخط شعبي ناتج عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وأخرى خارجية تتعلق بملف الحريات وحقوق الإنسان، الأمر الذي أجبر الرئيس السيسي على الدعوة إلى إجراء حوار وطني.
شراكة حقيقية أم شكلية
وأكد أحمد الشرقاوي أن مصر تعاني أزمة اقتصادية طاحنة، تأثيراتها واضحة على المواطنين، وأن المناخ السياسي العام غائم ولا توجد فيه أدنى فرصة لممارسة الحياة السياسية الطبيعية، سواء الحزبية أو النيابية بكل مكوناتها، والمجال العام يعاني أزمة في حرية الرأي والتعبير والحريات العامة في الإعلام.
وأضاف عضو مجلس النواب المصري “من يقول إننا بخير في هذا الصدد يرتكب جريمة النفاق، بالتأكيد الدعوة إلى الحوار محاولة جادة ونأمل أن تظل جادة لتعديل هذه الأوضاع وإيجاد حلول حقيقية لأزماتنا الطاحنة التي تعددت أسبابها، ونظن أنها ناجمة عن سياسات اقتصادية غير صحيحة انتهجتها الحكومات المتعاقبة منذ فترة طويلة”.
وتابع “من هنا يتجلى دور الحوار، ونأمل أن تُحدث نتائجه التغيير المطلوب بشكل واضح”.
ويشارك الشرقاوي في عضوية مجلس أمناء الحوار الوطني كأحد ممثلي المعارضة، ويواجه موقفه الداعم للحوار الوطني تساؤلات عن مدى حرية المعارضة في طرح رؤيتها والتعبير عنها داخل كواليس الجلسات المغلقة ومدى الاستجابة لمطالبها.
وتعليقا على هذه المخاوف قال الشرقاوي “نتشارك كمعارضة مع الجانب الآخر في إدارة كل شؤون الحوار، ولن نقبل بالأساس أن تكون الشراكة شكلية وليست حقيقية، وفي كل قرارات مجلس أمناء الحوار، وكانت هناك مقترحات مقدمة من القوى السياسية قبيل كل جلسة، غير أن القرار النهائي لمجلس الأمناء تتشارك فيه المعارضة مع الموالاة على منضدة مجلس الأمناء”.
وتحدث الشرقاوي عن آلية اتخاذ القرار داخل مجلس الأمناء قائلا “وُضِعت لائحة للعمل داخل مجلس الأمناء لإدارة الحوار وبها قاعدة التوافق في قرارات المجلس الموضوعية، أما القرارات الإجرائية فقد نلجأ فيها إلى التصويت، وهو ما لم يحدث إلا نادرا في بعض القرارات الإجرائية فقط، لكن الموضوعية منها تسري عليها قاعدة التوافق، ولا تصويت على أي قرار موضوعي”.
الضمانات بين المتاح والمأمول
وطالبت الحركة المدنية الديمقراطية (معارضة) بعدد من الضمانات للمشاركة في الحوار، من بينها الإفراج عن معتقلين سياسيين ومسجونين في قضايا الرأي، حيث يرى معارضون أن وتيرة الإفراجات بطيئة وغير كافية، مع ضرورة المشاركة في إدارة الحوار من خلال مجلس الأمناء.
وقال الشرقاوي تعليقا على توافر هذه الضمانات من عدمها “إن هناك ضمانتين مهمتين توافرتا بالقدر المناسب حتى الآن، الأولى الإفراج عن مسجونين سياسيين ومعتقلي قضايا الرأي، وهي ضمانة القوى السياسية ومن غير اللائق أو الملائم أن تدخل هذه القوى حوارا وبعض كوادرها محبوسة على ذمة قضايا رأي أو ذات خلفيات سياسية، وقرارات العفو الرئاسي التي تزامنت مع جلسات مجلس أمناء الحوار في الفترة الماضية عبرت عن تحقيق نسبي للضمانة الأولى”.
ويرى الشرقاوي أن الضمانة الثانية تتمثل في المشاركة في الإدارة و”تحقق ذلك عبر مجلس الأمناء الذي أبدت أطراف المعارضة والموالاة رضاء كبيرا عنه بالنسبة إلى المقررين والمقررين المساعدين، ويتم اتخاذ خطوة بعد أخرى لتحقيق الضمانات التي قد تتحقق أو لا تتحقق، لكن يتم الحكم عليها مع كل مرحلة نجتازها”، مضيفا “حتى الآن تم تنفيذ الضمانات بشكل مُرْضٍ لكل من قوى المعارضة والموالاة”.
وأثارت عملية اختيار المقررين والمقررين المساعدين اعتراضا وتحفظا من الحركة المدنية بعد استبعاد الكثير من مرشحيها، وعقدت مؤتمرا صحافيا عبرت فيه عن اعتراضها على عدم تحقيق التوازن بين عناصر الموالاة والمعارضة، ورأت أن الإخلال به يمثل تراجعا عن التعهدات، وهو ما استجابت له السلطة لاحقا.
وعلّق الشرقاوي على ذلك قائلا “هذه إجراءات ومواقف في منتصف العمل لكن المحصلة النهائية هي ما ذكرته والتي لا يجوز الحكم فيها إلا على النتائج الفعلية لكل مرحلة من مراحل الحوار”.
حوارات جانبية
وستنطلق مرحلة عمل لجان الحوار الوطني قريبا، وغير معلوم حتى الآن هل ستعتمد على استقبال الأشخاص ذوي المقترحات والرؤى أم ستكون هناك عضوية لجان ثابتة؟
وأكدت مصادر قريبة من الحوار لـ”العرب” أن هذه النقطة محل مناقشات جانبية بين السلطة والمعارضة، لأن عدم وجود قوام واضح وثابت لعضوية اللجان يجعل الأمر مفتوحا وغير محدد وقد يؤثر على مُخرجات الحوار.
وأكد النائب البرلماني أحمد الشرقاوي أن “هذه المسألة محل نقاش واسع، لكن القاعدة الأساسية أن تطرح المعارضة والموالاة أفكارهما ورؤاهما، ويطرح الخبراء والمتخصصون أفكارا ورؤى بشأن كل موضوع، إذ لم تحدد اللائحة فكرة عضوية اللجان بشكل واضح، وهل هي ثابتة أم ما يسمى عضو لجنة، لكن ثمة تمثيلا للمتحدثين بشكل متوازن في جلسات الحوار نفسها، وينبغي أن تُمثل فيها المعارضة بشكل متوازن مع الموالاة، والقسمة حسب عدد الأفكار والرؤى وليس الأوزان النسبية لأصحابها خارج إطار الحوار الوطني”.
وتتخوف قوى معارضة من أن يفضي مثل هذا التشكيل الفضفاض للجان إلى نتائج غير محددة المعالم، ما يتسبب في حلول رمادية يخضع تفسيرها لرؤية كل طرف.
وأوضح الشرقاوي أن التقسيم حسب الأفكار وليس الأعداد سيؤدي إلى نتيجة واحدة لأن هناك معارضة وموالاة ولن تشارك كل العناصر المُعارِضة في الحوار الوطني إلا من لديهم رؤى واضحة بخطوط وملفات محددة ومن يمتلكون مقترحات تشريعية ومقترحات أخرى بقرارات تنفيذية حتى تتبلور جملة من النتائج الواضحة لتكون أفكار المعارضة في مواجهة أفكار السلطة في كل موضوع.
الحركة المدنية الديمقراطية طالبت بعدد من الضمانات للمشاركة في الحوار، من بينها الإفراج عن معتقلين سياسيين
وأشار إلى أن تشوهات تحدث عندما يكون الحوار غير محدد أو غير منضبط، والعبرة بما تطرحه المعارضة، والفرصة التي ستحظى بها مساوية للفرصة والطرح والمدة التي تتاح لمؤيدي السلطة في عرض وجهة نظرهم، فهذا حوار بين طرفين، أحدهما مؤيد والآخر معارض، ولا مجال لجعل الحوار غائما.
التفاؤل يسبق التشاؤم
وتحوم التقديرات حول ما سيحققه الحوار الوطني من نتائج ملموسة على مستوى الحياة السياسية أو حتى بالنسبة إلى قطاعات عريضة من الشعب المصري على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، ونسب حدوث هذا التغيير يراها من يغلب عليهم التفاؤل جيدة، بينما من يغلب عليهم التشاؤم يقولون إنها معدومة، لكن أحمد الشرقاوي يرى من داخل الحوار الوطني أن التغيير ممكن.
وقال لـ”العرب”، “ينبغي العمل بجدية، فقد نصل إلى نتائج أكبر من المتوقع، وكل نتيجة تُحرز في الملف السياسي والاقتصادي والاجتماعي هي إضافة إلى مصلحة الوطن بشكل حقيقي ومباشر ومؤثر”.
وعلق الشرقاوي على بعض الآراء التي ترى أن المعارضة المصرية يتم استخدامها كديكور لتجميل وجه السلطة في مشهد يبدو مصطنعا، قائلا “إن تحقيق الضمانة الأولى التي تحولت إلى هدف في حد ذاتها والمتمثلة في الإفراج عن المسجونين هو مكسب للمعارضة والقوى السياسية والوطنية، ومكسب للدولة المصرية أيضا، ونعتبره من نتائج الحوار الوطني، وتحولت هذه الضمانة إلى نتيجة مهمة تُضاف إلى رصيد صندوق الحوار الذي نتمنى أن تتجمع فيه أرصدة أخرى بتعديلات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة”.
وبين الترقب والحذر تسري همهمات وتكهنات ومخاوف تتوقع أن ينفض سامر الحوار الوطني عقب انتهاء عقد قمة المناخ بمصر في نوفمبر المقبل، وتتراجع السلطة عن وعودها وقد تحدث مستجدات أخرى.
وشدد عضو مجلس أمناء الحوار الوطني في هذه النقطة على أن كل صاحب قرار مسؤولٌ عن قراراته ومواقفه، والمعارضة المصرية لم تعترض على الحوار، واستجابت له بقلب مفتوح وعقل نابه لعدم تضييع الفرصة على الوطن للخروج من أزماته، وليس علينا إلا السعي وتقديم ما نقدر عليه لصالح هذه الدولة وهذا الشعب.
وأضاف “لو أن البعض يرى إمكانية حدوث تراجع في وقت معين، بالتأكيد الخاسرون في هذه المسألة هم المنسحبون والمتراجعون، وللأسف الشديد ستتأثر الدولة المصرية تأثرا سلبيا بهذا التراجع إذا حدث”.
مرحلة عمل لجان الحوار الوطني ستنطلق قريبا، وغير معلوم حتى الآن هل ستعتمد على استقبال الأشخاص ذوي المقترحات والرؤى أم ستكون هناك عضوية لجان ثابتة؟
وقال “شخصيا لا أتوقع مثل هذا التراجع، وبهذه الحدة التي يتصورها البعض من المتشائمين، فحسابات المنطق قبل السياسة تؤكد أنه لا يجوز لأحد ولن يرغب أحد في التراجع عن الحوار قبل الخروج بنتائج وتنفيذها على أرض الواقع”.
ولفت إلى إمكانية الحديث أو الاختلاف حول مدى نجاح نتائج الحوار من عدمه، مرتفع أو متوسط أو منخفض، لكن بالتأكيد سيُنتج ذلك مُخرجات، وكل منتج للحوار يتم التوافق عليه بين كل القوى سيمثل إضافة نوعية إلى الحياة السياسية.
ويعد النائب أحمد الشرقاوي ضمن نواب قلة دخلوا مجلس النواب في انتخابات 2020، بشرعية شعبية مباشرة بعيدة عن القوائم المغلقة المطلقة لأحزاب الموالاة، أو شبهات المال السياسي، ومن القلة المحسوبة على المعارضة داخل البرلمان.
وقال الشرقاوي بشأن موقف المصريين من الحوار إن “الأغلبية الكاسحة من الشعب المصري لا تهتم سوى بالنتائج وعندما يستشعر الشعب أن ثمة نتيجة حقيقية وإيجابية لأي عمل سيهتم بمتابعته، وتزداد نسب الاهتمام في حالة خروج نتائج مرحلية من الحوار الوطني وترجمتها إلى قرارات تنفيذية أو تعديلات تشريعية، تُحدث أثرا وتغييرا مباشرا في المجتمع”.
وذكر الشرقاوي أنه يدلي بقوة عند طرح القضايا في مجلس النواب، مضيفا “لا أكترث بقلة عدد المعارضة في مواجهة الغالبية الكاسحة، ولكن الصوت المسموع من الجميع وأصحاب القرار قد يأتي أحيانا بنتائج أقوى من كتل ومجموعات كبيرة العدد”.
وختم النائب قائلا “الأهم من ذلك أن يكون هناك أداء قوي في كل الملفات وبعناية، ومن المؤكد أن الأمر سيكون أكثر إيجابية في حالة وجود كتلة نيابية معارضة ذات قوة تصويتية تؤثر على اتخاذ القرار، لكن هذا ما جرى وعلينا أن نؤدي دورنا كما طلبته منا الجماهير عندما وثقت في منحي أصواتها لأمثلها تحت قبة البرلمان”.