المعارضة الجزائرية أمام تحدي التوافق على مرشح للرئاسة

يخيّم سيناريو انتخابات العام 1999، على الانتخابات الرئاسية الجزائرية المقررة في أبريل القادم، نظير إمكانية انسحاب المترشحين من خوض السباق، نتيجة الظروف المحيطة بها، وهو ما يتشابه مع انسحاب المترشحين الستة المنافسين لبوتفليقة في الاستحقاق المذكور، بسبب ما أسموه حينئذ بانحياز الإدارة والجيش لصالح مرشح السلطة.
الجزائر - تلتقي الأربعاء في مقر حزب جبهة العدالة والتنمية الإسلامي، أحزاب سياسية وشخصيات مستقلة ومجموعة من المترشحين للانتخابات الرئاسية، من أجل بحث فرص المعارضة السياسية في بلورة موقف موحد سواء بالمقاطعة أو التوافق حول مرشح معين، لمواجهة مرشح السلطة.
ويعتبر اللقاء الذي يتوّج سلسلة من المشاورات السياسية التي أطلقها رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية عبدالله جاب الله، خلال الأسبوعين الأخيرين، الفرصة الأخيرة أمام المعارضة من أجل لملمة شتاتها أمام الآلة الانتخابية الضخمة التي تعد لها قوى الموالاة، لتمرير الولاية الرئاسية الخامسة للرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة.
واستبعدت مصادر سياسية إمكانية التوصل إلى موقف حاسم، في ظل الانقسامات وعقدة الزعامة التي تميز العديد من القادة السياسيين والمترشحين لخوض الاستحقاق، وفي نفس الوقت صعوبة تقديم تنازلات متكافئة بين الفاعلين في المشهد، لكنها أبقت إمكانية إقامة تحالفات داخلية قائمة.
وألقى الحراك الشعبي المتصاعد ضد ترشيح بوتفليقة، بظلاله على الاتصالات السياسية للمعارضة، خاصة بعد المسيرات والاحتجاجات التي عرفتها بعض محافظات البلاد والعواصم الغربية، لاسيما الحشد الشعبي الذي نظم في مدينة خراطة ذات الرمزية التاريخية، وفي ساحة الجمهورية بالعاصمة الفرنسية باريس الأحد.
وذكرت مصادر من حركة مجتمع السلم الإخوانية وحزب طلائع الحريات (قومي)، لـ”العرب”، بأن دعوة القيادات لانعقاد دورات استثنائية لمجلسيها الوطني، نهاية الشهر الجاري ومطلع الشهر القادم، هي مراجعة أخرى لدراسة ترشح كل من عبدالرزاق مقري وعلي بن فليس، وبحث التطورات المسجلة، خاصة في ظل تنامي الحراك الشعبي، ودعوات التظاهر في الـ22 و24 و27 من الشهر الحالي.
وأبقى منافسو بوتفليقة، الباب مفتوحا أمام الانسحاب من السباق، احتجاجا على الظروف المحيطة بالاستحقاق القادم، خاصة في ما يتعلق بانحياز المؤسسة العسكرية، وتسخير الإمكانيات البشرية واللوجستية لدعم مرشح السلطة، الأمر الذي سيكرر سيناريو انتخابات العام 1999، عندما انسحب المنافسون الستة وتركوا بوتفليقة يخوض السباق الانتخابي بمفرده.
وألمح رئيس طلائع الحريات علي بن فليس، إلى إمكانية سحب الترشح، وترك المسألة ليبت فيها المجلس الوطني للحزب المدعو للانعقاد خلال الأيام القليلة المقبلة، وهو نفس الانطباع الذي يسود كواليس حركة حمس، رغم تمسك عبدالرزاق مقري بخيار المشاركة في الانتخابات.
ووجّه رئيس أكبر الأحزاب الإخوانية في البلاد (حمس)، انتقادات مبطنة لمبادرة الاتصالات التي يقودها غريمه في تيار الإخوان عبدالله جاب الله، وشدّد على أن مسألة مرشح التوافق كانت بمبادرة حمس في البداية.
وانقسمت المعارضة في الجزائر، بين مقاطع للانتخابات في صورة حزبي جبهة القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وأطراف في حركة مواطنة المعارضة، فضلا عن شخصيات مستقلة، كما هو الشأن بالنسبة لرئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، والدبلوماسي والوزير عبدالعزيز رحابي، وبين مشارك كما هو الحال بالنسبة لبن فليس ومقري وبن قرينة، ومستقلين آخرين كالجنرال المتقاعد علي غديري، وغاني مهدي ورشيد نكاز.
وألمح عبدالله جاب الله، في تصريحات صحافية محلية إلى “الصعوبات التي تعتري الاتصالات التي باشرها من أجل توحيد صفوف المعارضة”، في إشارة إلى عدم استعداد بعض الأطراف لتقديم التنازلات المطلوبة، وهو ما يطرح استحالة التوصل إلى تحقيق حلم المتحدث، والاكتفاء بتحالفات ثانوية لا تفي بغرض الضغط على مرشح السلطة.
ومع ذلك شكّل دخول الحراك الشعبي غير المؤطر من طرف القوى السياسية الكلاسيكية، رقما فاعلا في معادلة الانتخابات الرئاسية، حيث أبدت عدة أطراف الاستثمار في مسلسل الاحتجاجات الشعبية ضد ترشيح بوتفليقة، لاقتناعها بإفلاس القوى السياسية، وبقدرة الشارع على حسم الصراع السياسي في البلاد، بحسب ما ألمح إليه القيادي في جبهة الإنقاذ الإسلامية المنحلة علي بلحاج، في تسجيلات صوتية له.
وفي هذا الشأن توقع الدبلوماسي والوزير السابق عبدالعزيز رحابي، “تحول الحراك الشعبي الرافض لترشح بوتفليقة إلى عصيان مدني شامل بمجرد إعلان المجلس الدستوري عن أسماء المرشحين الرسمين للرئاسيات المقبلة”، وهو ما سيحوّل الانتخابات الرئاسية إلى مأزق سياسي مفتوح على جميع الاحتمالات.
وتنتهي مهلة إيداع ملفات الترشح لدى هيئة المجلس الدستوري (المحكمة العليا)، في الثالث من شهر مارس المقبل، وتتوجه الأنظار إلى الطريقة التي سيتم بها إيداع ملف ترشح بوتفليقة، خاصة في ما يتعلق بالشهادة الطبية الصادرة عن طبيب محلف، تثبت تمتع المعني بجميع قواه الجسدية والذهنية لممارسة مهامه الدستورية، وفق ما تمليه شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية.
وبرر عبدالعزيز رحابي، توقعاته، بكون “الشعب الجزائري ضُرب في كبريائه وكرامته وشرفه، بإعلان بوتفليقة الترشح”، وحمّل مسؤولية الانزلاقات والتطورات المفتوحة لرموز معسكر الموالاة ولقيادة المؤسسة العسكرية.