المشيشي يسعى لترميم صورته المهتزة بحملة ضد الفساد

الاعتقالات طالت وجوها بارزة منها وزير البيئة والشؤون المحلية مصطفى العروي، الذي أقيل إلى جانب مدير ديوانه وعدد من المسؤولين وسط تباين الآراء في الشارع التونسي بشأن هذه الحملة.
الثلاثاء 2020/12/22
المشيشي يسجل نقاطا سياسية

أطاحت قضية النفايات المستوردة من إيطاليا بوزير تونسي أقالته الحكومة قبل أن يتم توقيفه إلى جانب عدد كبير من المسؤولين البارزين، في حملة يقول متابعون إن رئيس الحكومة هشام المشيشي يعد المستفيد الأبرز فيها من أجل تجاوز الوضعية الصعبة التي يواجهها الرجل إثر تداعيات الزيارة الأخيرة التي قادته إلى فرنسا والضغوط التي يواجهها من قبل حزامه السياسي.

تونس – أوقفت السلطات في تونس مساء الأحد وصباح الاثنين عددا من المسؤولين الكبار في الدولة، إلى جانب وزير البيئة والشؤون المحلية بعد ساعات من إقالته على خلفية صفقة النفايات مع إيطاليا التي أثارت جدلا واسعا.

ويرى مراقبون أن الإيقافات التي طالت مدراء كبار في وزارة البيئة قد تكون سلاحا بيد رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي، لتلميع صورته المهتزة في الداخل لاسيما في ظل الضغوط التي يقاومها من قبل حزامه السياسي المكون من حركة النهضة الإسلامية وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة، علاوة على تداعيات زيارته الأخيرة إلى فرنسا.

وطالت الاعتقالات وجوها بارزة أبرزها وزير البيئة والشؤون المحلية مصطفى العروي، الذي أقيل الأحد إلى جانب مدير ديوانه وعدد من المسؤولين وسط تباين الآراء في الشارع التونسي بشأن هذه الحملة.

ورجّحت تقارير محلية أن تُسفر هذه الحملة عن سقوط رؤوس أخرى سيطلبها القضاء للتحقيق معها في صفقة النفايات.

ومن بين هذه الأسماء التي تحدثت عنها وسائل إعلام محلية وزير البيئة الأسبق شكري بن حسن، وعدد من كوادر الوزارة.

وقالت رئاسة الحكومة التونسية عشية الأحد إن “هشام المشيشي قرر إعفاء مصطفى العروي من مهامه وتكليف وزير التجهيز والإسكان والبنية التحتية كمال الدوخ بالإشراف على وزارة البيئة والشؤون المحلية بالنيابة”، وذلك قبل إيقافه بساعات. ولم توضح الحكومة أسباب الإقالة.

وتحقق السلطات في شبهة احتواء شحنة نفايات قادمة من إيطاليا عبر ميناء سوسة لمواد ذات مخاطر عالية على البيئة والصحة العامة.

ووجهت لجنة تحقيق في البرلمان اتهامات للشركة المستوردة والمتخصصة في تدوير النفايات، بنشر معلومات مغلوطة حول الشحنة التي تضم 1200 طن من النفايات موزعة على  270 حاوية.

ويرى مراقبون أن هذه الإيقافات تكتسي أهمية سياسية حيث يتطلع رئيس الحكومة إلى ترميم صورته لاسيما بعد الزيارة التي أداها إلى فرنسا، وتركت انطباعات سلبية لدى التونسيين إثر تصريحات مثيرة للجدل بشأن الهجرة والإرهاب.

ومن جهته وجه النائب ياسين العياري تحية إلى رئيس الحكومة قائلا “المشيشي تصرف بمثالية ودون ضجيج حيث أقال الوزير المتورط في فساد الصفقة دون ضجيج وقام بما يجب فعله دون تزويق أو اختلاق نظرية مؤامرة أو تتفيه للوقائع (..) هذه أول نقطة مضيئة لحكومتك، فهي تصنع تقاليد جديدة للدولة التونسية”.

وقال المحلل السياسي منذر ثابت إن “هذه الحملة الجديدة لا تخلو من طابع سياسي كغيرها من الحملات المماثلة (..) لقد نجح المشيشي في تسجيل نقطة سياسية”.

منذر ثابت: المشيشي نجح في تسجيل نقطة سياسية من خلال الإيقافات الأخيرة
منذر ثابت: المشيشي نجح في تسجيل نقطة سياسية من خلال الإيقافات الأخيرة

وأوضح ثابت في تصريح لـ”العرب” “غالبا ما يُوظف ملف مقاومة الفساد الذي يتفرع عنه الإصلاح الهيكلي لنظام الحوكمة سياسيا، إما لإبراز انتصار طرف ما على حساب طرف آخر أو تسجيل نقاط سياسية في سياق حملة انتخابية سابقة لأوانها (..) وبالتالي الإصلاحات الهيكلية التي من شأنها أن تحد من ظاهرة الفساد لم تحصل حتى الآن”.

وأضاف أن “صفقة النفايات مرتبطة بمسألة الأمن القومي لأن النفايات حاملة لأضرار بيئية وصحية (..) لذلك هي قضية مستعجلة ولا يمكن ترحيلها رغم أن تونس تشهد إضرابا للقضاة”.

وعلى صعيد آخر، تتخوف أوساط تونسية من أن تعمق أزمة الثقة لدى الشارع في الطبقة السياسية في ظل استشراء الفساد وعجز الأطراف الفاعلة عن مكافحته بشكل جدي رغم تواتر بعض الحملات.

وقال ثابت إن “خطورة هذه القضية تكمن حتما في إمكانية أن توسع الهوة بين التونسيين والطبقة السياسية (..) الوضع الاقتصادي لا يسمح بالتمادي في معارك جانبية والمزيد من استشراء الفساد بموازاة ذلك (..) فإن ذلك سيخلف انطباعا سلبيا جدا لدى الشارع في هذه الطبقة السياسية”.

وأضاف أن “هناك إصلاحات هيكلية مطلوبة حتى من قبل بعض المانحين الدوليين لاسيما في بعض المؤسسات على غرار الخطوط الجوية”.

وأُثيرت صفقة النفايات الإيطالية لأول مرة في مطلع نوفمبر الماضي بعد أن أعلنت الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات عن فتح تحقيق إداري بعد وصول 282 حاوية نفايات من روما لأنها لا تتطابق مع نوعية النفايات الواردة في ترخيص الشركة الخاصة للتدوير التي قامت باستيرادها.

وقال مدير الوكالة بشير يحيى آنذاك إن الجمارك في مدينة سوسة الساحلية (شرق) ضبطت خلال يونيو ويوليو سبعين حاوية “كبيرة” ثم 212 أخرى تضم نفايات تم توريدها من قبل شركة خاصة تونسية.

وبعدما أوضح أن هذه الشركة حصلت في مايو على ترخيص لتدوير النفايات البلاستيكية والبقايا إثر عملية الإنتاج، قال إنه تبيّن للجمارك أن التراخيص لا تتطابق مع نوعية النفايات.

وأضاف أنه تم إخطار السلطات بالوزارات المعنية فتم وقف عملية التوريد ومنع دخول الحاويات للأراضي التونسية وفتحت وزارة البيئة تحقيقا إداريا في الموضوع.

وأكد مدير عام البيئة وجودة الحياة في وزارة البيئة الهادي الشبيلي أن “هذه الحاويات تحمل نفايات منزلية وهذا ممنوع (..) والشركة لا تملك التراخيص للتصرف في هذا الصنف في النفايات”.

وأضاف “هذا النشاط لا يتطابق مع التشريع الوطني ولا المعاهدات الدولية”.

وقررت السلطات التونسية إرجاع الحاويات إلى إيطاليا في يوليو، لكنها لا تزال في ميناء سوسة، وفقا للمصدرين.

4