المشيشي مُستقويا بالنهضة: لن أستقيل ولن أهرب من المعركة!

النهضة تلوّح بالنزول إلى الشارع لحماية سيطرتها على الحكومة.
السبت 2021/02/13
الاعتماد على حزامه السياسي

تونس - لا تدفع التطورات المُرتبطة بالأزمة السياسية والدستورية التي تعيشها تونس منذ نحو ثلاثة أسابيع على التفاؤل بقرب الخروج منها، بل على العكس من ذلك ظهرت بوادر مواجهة خطيرة بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي الذي اختار الهروب إلى الأمام مُستقويا في ذلك بحركة النهضة الإسلامية وحليفيها قلب تونس وائتلاف الكرامة.

وتشابكت خيوط المواجهة المُرتقبة مع تصاعد التصريحات إثر تلويح حركة النهضة بالنزول إلى الشارع لدعم المشيشي، بالتزامن مع تحركات في منطقة “الكامور” جنوب البلاد ظاهرها مناوئ للحكومة وباطنها استهداف للجيش لتوريطه في هذه الأزمة.

وفيما كانت الأوساط السياسية تميل إلى إشاعة نوع من التفاؤل من خلال الإبقاء على إمكانية إيجاد مخرج للانسداد الراهن برزت إلى الواجهة معطيات سياسية جديدة لا تُبشر بالخير، عكستها تصريحات صادرة عن رئيس الحكومة هشام المشيشي.

زهير المغزاوي: استمرار هشام المشيشي رئيسا للحكومة عبث يفاقم الأزمة في البلاد
زهير المغزاوي: استمرار هشام المشيشي رئيسا للحكومة عبث يفاقم الأزمة في البلاد

وأكد المشيشي في تصريحات بثتها الجمعة إذاعة “شمس أف أم” المحلية أنه لن يستقيل من منصبه، واصفا نفسه بـ”الجندي الذي لا يهرب من المعركة”.

وأضاف أنه “ابن المؤسسات ويؤمن بها ويتوخى مسارها”، ويعتقد أن هناك واجبا تجاه البلاد وتجاه مؤسسات الدولة، لأن “إدارة الدولة مسألة جدية”، لافتا إلى أن الأزمة الحالية “تسببت في تعطيل كبير للمرفق العمومي ومصالح الدولة، ولم يعد بالإمكان المزيد من الانتظار”.

وسارع زهير المغزاوي -الأمين العام لحركة الشعب (16 مقعدا برلمانيا)- إلى الرد على هذا الموقف بالتأكيد في تصريحات إذاعية على أن “استمرار هشام المشيشي رئيسا للحكومة هو استمرار للعبث والأزمة في البلاد، باعتبار أن حكومته فقدت كل المصداقية ولا يمكن لها الاستمرار”.

وفيما اعتبر المغزاوي أن المشيشي أصبح الآن أمام خيارين، أولهما سحب الوزراء محل الشبهة وثانيهما الاستقالة، تذهب بعض القراءات إلى أن المشيشي أراد بهذا الموقف توجيه رسالة مباشرة إلى الرئيس سعيد فيها نوع من التحدي مدعوما بحركة النهضة الإسلامية.

وتستند هذه القراءات إلى تصريحات سابقة لرئيس حركة النهضة راشد الغنوشي استبق فيها تصريحات المشيشي بالتأكيد على أن “استقالة رئيس الحكومة غير واردة”، ثم تلاها تلويح الناطق الرسمي باسم هذه الحركة فتحي العيادي بالنزول إلى الشارع للدفاع عن الحكومة والدستور والبرلمان والتجربة الديمقراطية، على حد تعبيره.

وأعاد التأكيد على موقف حركة النهضة “الداعم لرئيس الحكومة والتعديل الوزاري”، مُعتبرا في تصريحات إعلامية أن عدم دعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمام الرئيس سعيد “خرق للدستور ولا يليق بتجربة البلاد”، وتابع “لن نبقى مكتوفي الأيدي وبقية الأطراف تستعمل الشارع وكل الوسائل لاستهداف التجربة الديمقراطية”.

وعلى وقع هذا التلويح بالنزول إلى الشارع تتالت الدعوات على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي من أنصار هذه الحركة الإسلامية للنزول إلى الشارع دعما للحركة ولرئيسها الغنوشي وأيضا للمشيشي وحكومته، في الوقت الذي اندلعت فيه احتجاجات عنيفة في جنوب البلاد، تخللتها استفزازات للجيش تمت أمام إحدى الثكنات.

ودفع هذا التهديد بالنزول إلى الشارع عبير موسي -رئيسة الحزب الدستوري الحر (17 مقعدا برلمانيا)- إلى التحذير من مُخطط تدميري تُعد له حركة النهضة عبر “دعوة الناس بأجهزة الدولة وإمكانياتها للخروج إلى الشارع والضغط على المجتمع للقبول بحكومة هشام المشيشي”.

وأكدت خلال مؤتمر صحافي عقدته الجمعة داخل البرلمان أن حزبها سيتصدى لهذا المُخطط التدميري وسيدعو أنصاره للخروج إلى الشارع وإعلان التعبئة العامة، محذرة من مغبة “تعطيلنا أو اعتراض طريقنا.. إياكم فإن لحمنا مر”.

تأجيج الشارع
تأجيج الشارع

ورأى مراقبون أن هذا المشهد بشقيه -السياسي (الذي يدفع نحو تأجيج الخلافات للوصول إلى المواجهة المباشرة) والميداني (الذي عكسه التلويح بالاحتكام إلى الشارع)- رد على ما جاء في كلمة الرئيس سعيد مساء الأربعاء التي جدد فيها رفضه للتعديل الوزاري المثير للجدل والذي شمل أحد عشر وزيرا نالوا جميعهم ثقة البرلمان بأغلبية مريحة في السادس والعشرين من الشهر الماضي.

واستحضر الرئيس التونسي في هذه الكلمة المقولة الشهيرة “البحر من ورائكم، والعدو أمامكم” التي جاءت في خطبة القائد العسكري طارق ابن زياد أثناء الفتح الإسلامي لشبه الجزيرة الإيبيرية (الأندلس)، ليرد بها على منتقديه وخصومه من السياسيين والحزبيين، وذلك على خلفية تفاقم أزمة التعديل الوزاري وما تفرع عنها من أزمة “أداء اليمين الدستورية”.

وقال إن “حل هذه الأزمة يكون باحترام النص الدستوري لا بالتأويلات أو الفتاوى التي في ظاهرها حق وفي باطنها تجاوز للدستور، ولا بالبحث عن مخرج قانوني مستحيل”.

وأضاف أن “كرسي الرئاسة ليس شاغرا ولا ألعب دورا رمزيا كما يدعي البعض”، كما أن “الشعب أمامكم وأنا واحد منه، والدستور وراءكم وأنا حريص على تطبيقه، فأين المفر؟”.

وختم الرئيس سعيد كلمته مخاطبا الطبقة السياسية في بلاده بالتأكيد على أنه لن يترك الدولة في مهبّ الصراعات، مضيفا أن “الدولة ليست دمية.. الدولة التونسية لها قوانينها ودستورها وسأعمل على تطبيق الدستور الذي أقسمت على احترامه ولم أحنث في العهد وفي القسم، للأسف من حنثوا في اليمين التي أدوها هم الذين يطالبون بأن يؤدي البعض هذه اليمين”.

1