المشجعون الموظفون ظاهرة تنتعش في مصر وتتطور عربيا

تلقّى مشجع مصري عرضا من أجل قيادة مشجعي ناد كبير ينشط في الدوري السعودي لكرة القدم، وهو ما فتح باب التأويلات وأثار الكثير من الجدل لاسيما وأن ظاهرة "المشجعون الموظفون" باتت تنتعش بشكل لافت في منافسات الدوري المصري وتتطور في جل الدوريات العربية.
القاهرة - إعلان صغير لمشجع شهير لنادي الاتحاد السكندري في مصر كشف فيه عن تلقيه عرضا لتشجيع ناد سعودي، أثار الكثير من الجدل على تحول تشجيع فرق كرة القدم العربية من هواية إلى مهنة تدر على صاحبها الكثير من المال، بل وتوفر له أحيانا فرصة للاحتراف الخارجي أيضا.
كان عادل شَكَل أحد أشهر مشجعي الكرة في مصر وقاد مشجعي نادي الاتحاد في الإسكندرية لسنوات طويلة بجانب مشاركته في قيادة مشجعي المنتخب المصري في بعض البطولات الأفريقية المجمعة، قد أعلن قبل أيام عن تلقيه عرضا للسفر إلى المملكة العربية السعودية لتشجيع ناد يلعب في دوري المحترفين هناك دون أن يكشف عن اسم النادي.
قال شَكَل (اسم شهرته ويشير إلى اختلاق المشكلات) إن القصة بدأت قبل فترة حين كان في بث مباشر على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك حيث تواصل معه شخص سعودي عرف منه أنه يعمل إداريا بأحد أندية دوري المحترفين، وعرض عليه قيادة مشجعي النادي، وبعد أن أبدى موافقته تلقى عرضا رسميا من النادي السعودي الذي لم يُفصح عن اسمه خوفا من أن تتسبب الجلبة في إلغاء التعاقد.
هذا الإعلان فتح الباب واسعا أمام نقاشات حول جدوى تحول التشجيع من هواية يمارسها البعض للترفيه والتنفيس عن مشاعر غضب مكتومة بسبب ضغوط العمل والحياة، إلى مهنة تدر لممارسها دخلا منتظما والتزاما مستمرا بما يملى على ذلك المشجع “الموظف” من إدارة النادي الذي يشجعه. كما ألقى الضوء على لجوء بعض إدارات الأندية العربية إلى استخدام المشجعين المدفوعين مقدما لتوجيه بوصلة جماهير تلك الأندية للهجوم على لاعب أو مدرب معين، أو الدفاع عن غيره حسبما تقتضي مصالح تلك الإدارات.
◙ ظاهرة المشجع الموظف بدأت في المنطقة العربية عبر بوابة الكرة المصرية وتحديدا في فترة الولاية الثانية لمدرب منتخب مصر الراحل محمود الجوهري
ظاهرة المشجع الموظف بدأت في المنطقة العربية عبر بوابة الكرة المصرية حسبما يقول لـ”العرب” إيهاب النحاس، مدير قطاع الناشئين في نادي البنك الأهلي أحد أندية الدوري المصري الممتاز، وتحديدا في فترة الولاية الثانية لمدرب منتخب مصر الراحل محمود الجوهري عام 1997، حيث بدأ في استقطاب أبرز مشجعي الكرة المصرية لتشجيع منتخب الفراعنة ومنحهم أموالا شهرية من جيبه الخاص، قبل أن يشارك بعض نجوم المنتخب في دفع المكافآت الشهرية لهؤلاء.
كان الجوهري يهدف من وراء إقدامه على تلك الخطوة إلى تفادي ما حدث في ولايته الأولى عام 1988، وصدام الجماهير معه أو مع بعض اللاعبين بإيعاز من لاعبين آخرين تجاهل استدعاءهم للمنتخب، فكانت بعض جماهير الكرة تحضر إلى مباريات منتخب مصر للهتاف ضد الجوهري وبعض نجوم الفريق، وتهتف في نفس الوقت بأسماء النجوم المستبعدين.
بمرور الوقت تحولت مبادرة الجوهري إلى حق مكتسب للعديد من المشجعين المخلصين لفرق الدوري المصري، خصوصا المتفرغين منهم الذين يقيمون بشكل دائم داخل الأندية الجماهيرية، ما يعني أنهم لا يملكون مصادر للدخل سوى من التشجيع، وكانوا من قبل يحصلون على بعض الأموال والمزايا من اللاعبين والمدربين بشكل ودي، لكن بعد خطوة الجوهري تحول الودي إلى رسمي.
وأكد إيهاب النحاس أن الأندية الجماهيرية انقسمت إلى قسمين في طريقة الدفع للمشجعين المشاهير، ففي الأندية التي يرأسها رجال أعمال تولى هؤلاء الدفع للمشجعين من أموالهم الخاصة لضمان ولائهم الشخصي لهم، وتفادي الوقوع في مخالفات مالية بحكم أن الأندية الرياضية تخضع لرقابة مالية من وزارة الرياضة والجهاز المركزي للمحاسبات، واكتسب المشجعون خصوصا في أندية الإسكندرية لقب “العيّاشة” التي تعني أنهم يعيشون مما ينفقه عليهم النادي ورئيسه رجل الأعمال.
أما الأندية التي لا يرأسها رجال أعمال فلجأت إلى تعيين المشجعين “الأكثر إلحاحا” في وظائف صورية داخل النادي كي تتمكن إدارة النادي من صرف رواتب شهرية لهم بشكل قانوني لا يضعهم في مشاكل مع الجهات المعنية بالرقابة.
اللجان الإلكترونية
تطورت الأمور لاحقا مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، ولجأت بعض الأندية المصرية إلى توظيف شباب من الجمهور ضمن ما بات يعرف باللجان الإلكترونية للدفاع عن إدارة النادي ومواقفها في مواجهة الأندية المنافسة، وأحيانا لاحتواء غضب جماهير النادي نفسه أو في مواجهة تمرد لاعب أو مدرب.
نجحت بعض الأندية على رأسها الأهلي في تكوين العشرات من اللجان الإلكترونية التي ضمت خليطا من المشجعين والإعلاميين، تقاسموا العمل ما بين إنشاء صفحات خاصة بهم على مواقع التواصل، ساعد النادي في ترويجها لجذب عشرات الآلاف من المتابعين، واستخدمها في توصيل وجهة نظر الإدارة في المواقف المختلفة، وبين التفاعل الإيجابي المنظم مع ما يكتبه الفريق الأول من اللجان لحرمان المعارضين للإدارة أو المشجعين الغاضبين من ترويج رؤيتهم المخالفة لمضمون تلك المنشورات.
هناك مثل عربي يقول إن “من يربي ثعبانا في بيته، لا يلومه إذا لدغه”، وهو ما حدث بالفعل في بعض الأندية التي دعمت شبابا من المشجعين ليصبحوا مؤثرين على مواقع التواصل، حين تخلت الإدارات عن بعضهم، فتحولوا إلى “لدغ” هذه الإدارات وفضح أسرارها على نفس الصفحات التي ساهمت في ترويجها من قبل، وتحول هؤلاء من سيوف في أيدي إدارة النادي إلى سكاكين حادة حول نحورها.
ووفقا لمصدر على صلة ببعض اللجان الإلكترونية، فإن معظم الأندية الجماهيرية في مصر تدفع مبالغ طائلة شهريا لمشجعين وإعلاميين من أجل توظيفهم للدفاع عن إدارة النادي، أو لتجنب هجومهم عليها، كما لجأ العشرات من اللاعبين في الأندية الكبيرة مثل الأهلي والزمالك إلى توظيف مشجعين وإعلاميين كلجان إلكترونية خاصة بهم للدفاع عنهم ضد أي هجوم من الجمهور على مستواهم الكروي، أو في مواجهة الإدارة عند حدوث خلافات معها وقت التجديد مثلا.
من مصر انتقلت عدوى توظيف المشجعين إلى السعودية التي تشهد ملاعبها تجاذبا مثيرا بين الأندية الجماهيرية لا يقل في عنفوانه عما تشهده الملاعب المصرية، خصوصا بين الأندية الأربعة الكبار: الأهلي والاتحاد في جدة والهلال والنصر في الرياض.
لجأت تلك الأندية في البداية إلى دعم روابط المشجعين عبر توفير تذاكر مجانية، وتغطية تكاليف السفر لحضور المباريات بجانب تمويل أدوات التشجيع مثل الأعلام واللافتات والميكروفونات، لكن ذلك لم يكن كافيا لاستمرار المشجعين في ولائهم للنادي، خاصة المشاهير منهم الذين يقضون معظم يومهم في حضور التدريبات والمباريات، فطورت إدارات الأندية من خلال رجال الأعمال والأعضاء المرموقين فيها تعاملها مع المشجعين إلى ما أطلقوا عليه “تحفيز المشجعين المميزين” وهم قادة الروابط والأشخاص الذين يضيفون أجواء حماسية في المدرجات، وهؤلاء يحصلون على مكافآت أو مبالغ من الأندية أو من أعضاء شرف النادي.
لم يصل الأمر في المملكة، بحسب معلومات حصلت عليها “العرب”، إلى درجة صرف رواتب شهرية منتظمة للمشجعين، وإن كانت هناك عقود مؤقتة توقع مع بعضهم للعمل كمسؤولين عن التشجيع أو تنظيم الجماهير في الفعاليات الكبرى مثل البطولات القارية أو الدولية التي تشارك فيها الفرق المختلفة أو المنتخب الوطني.
ولا توجد أدلة على وجود ظاهرة “المشجعين الموظفين” في باقي دول الخليج، لكن هناك الكثير من الأندية لا تملك قواعد جماهيرية كبيرة، تلجأ إلى تقديم وجبات جيدة وإجراء سحوبات على هدايا قيمة تصل إلى سيارات فخمة من أجل إغراء الجمهور بالذهاب إلى الملاعب وتشجيع الفريق.
والمفارقة أن معظم من يستجيبون لتلك الإغراءات يكونون من الهنود ومواطني دول شرق آسيا من المقيمين في الدولتين طمعا في الفوز بوجبة ساخنة أو الفوز بهدية قيمة، ما يضيع على الأندية ميزة التشجيع، لأن هؤلاء يجلسون صامتين طوال المباراة، وأغلبهم لا يشجعون ولا يفهمون في كرة القدم، لأنها ليست لعبة شعبية في بلادهم.
ولا توجد ظاهرة المشجعين المدفوع لهم في معظم الدول العربية، لكن الأمر لا يخلو من دعم إدارات بعض الأندية الكبيرة أو الاتحادات المحلية للمشجعين لتغطية تكاليف شراء تذاكر المباريات، وتكاليف السفر والإقامة لتحفيز المشجعين على مؤازرة الفريق في مبارياته الخارجية.
أما في أوروبا فالوضع مختلف كليا خصوصا في الدوريات الكبرى، حيث لا تكتفي الأندية الكبيرة بدفع أموال لمشجعيها وإنما تعتمد معظم الأندية على جماهيرها في تغطية نفقاتها الضخمة من خلال مبيعات التذاكر التي تصل أسعارها إلى أرقام كبيرة تبدأ من 30 يورو للمباريات المحلية غير المهمة وتصل إلى ألف يورو في مباريات دوري أبطال أوروبا، وفي بعض الدول الهامشية مثل روسيا وتركيا يتم دعم روابط المشجعين بشكل غير رسمي، فتلجأ بعض الأندية إلى تغطية تكاليف السفر والتذاكر أو تقدم مكافآت رمزية للجماهير المميزة.
مفاجأة مدوية
كشفت إحصائية جديدة عن مفاجأة مدوية تتعلق بأعداد الحضور الجماهيري للمباريات في بطولات الدوري المحلي في جميع أنحاء العالم بطلها الدوري الأميركي للمحترفين. ورغم أن كرة القدم ليست اللعبة الشعبية الأولى في الولايات المتحدة فإن الحضور الجماهيري للمباريات ارتفع بشكل ملحوظ خلال مباريات الموسم الماضي 2023 – 2024.
وبحسب إحصائية أعدها موقع “ترانسفير ماركت” الشهير المتخصص في بيانات اللاعبين والأندية، فإن الدوري الأميركي يأتي في المرتبة الثانية من ناحية الحضور الجماهيري على المدرجات. ويتصدر الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم هذه القائمة حيث بلغ عدد الحضور الجماهيري لمبارياته في الموسم الفائت حوالي 14 مليون متفرج، مقارنة بـ12.1 مليون متفرج للدوري الأميركي.
◙ من مصر انتقلت عدوى توظيف المشجعين إلى السعودية التي تشهد ملاعبها تجاذبا مثيرا بين الأندية الجماهيرية
ويتفوق الدوري الأميركي على بقية الدوريات الكبرى في أوروبا وهي الألماني والإسباني والإيطالي والفرنسي رغم أنها تضم كبار الأندية في العالم وأكثرها شهرة مثل ريال مدريد وبرشلونة وبايرن ميونخ وبوروسيا دورتموند وباريس سان جرمان وميلان وإنتر ويوفنتوس.
وأرجع موقع “فوتبول بوم1” هذا الإنجاز إلى وجود النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي في صفوف إنتر ميامي والذي جذب انتباها إعلاميا عالميا واهتماما جماهيريا لمشاهدة اللاعب الذي يصفه كثيرون بأنه الأفضل في التاريخ وهو يخوض مواسمه الأخيرة في عالم الساحرة المستديرة.
قد يلاحظ أي مشاهد لأكثر الدوريات الأوروبية العدد الهائل من الجماهير حتى وإن كانت المباراة بين فريقين ضعيفين من الناحية الفنية على أرضية الملعب. ويشتمل هذا الجمهور على الكبار والصغار من الرجال والنساء من مختلف الجنسيات، كما يلاحظ أن غالبية الجمهور يرتدون ما يرمز للفريق الضيف أو المستضيف.
وتتزين الملاعب كل سبت وأحد بهذا الكم من الزاد البشري الذي يضفي على المباريات متعة وإثارة، ولعل الجمهور دائما ما يكون متعة أي لقاء في كرة القدم، خصوصا كونها لعبة حماسية تحتاج إلى التشجيع للمزيد من الإبداع من اللاعبين، وهناك فرق كثيرة في أوروبا تعتمد على الجمهور بالدرجة الأولى لتحفيز اللاعبين، لذلك فإن عقوبة لعب أي فريق بدون جمهور تعد عقوبة رادعة وقوية ومؤثرة في أي فريق خصوصا إذا كانت المباراة تجري على أرضه.