المشاعر السلبية اختيار حر أم حقيقة بيولوجية

الأربعاء 2014/04/09
المتفائل والمتشائم كلاهما ضروريان للحياة فالأول يخترع الطائرة والثاني يخترع مظلة الهبوط

المتشائم يشتكي من الرياح والمتفائل يتمنى أن تغير اتجاهها والواقعي يضبط أشرعته، هذا هو التعريف التاريخي المبسط لمواصفات الشخصيات السلبية والإيجابية، بحسب أدوارها في الحياة ومصائرها التي ترسمها بإرادتها أو رغما عنها.

تمثل النظرة الإيجابية والإقبال على الحياة والاعتقاد بإمكانية تحقيق رغبات المستقبل، مفاهيم مشتركة لفكرة التفاؤل، وهي تقوم على حقيقة نظرية مفادها أن ردود أفعال الناس وتصوراتهم عن المستقبل القريب أو البعيد تتأثر في الأساس باعتقاداتهم وطريقة قراءتهم لعواقب الأمور أو النتائج المحتملة لأحداث الحاضر. وفي المقابل، فإن مفهوم التشاؤم يعتمد على قراءة مغايرة يقوم بها بعض الأفراد لتقصي أحداث المستقبل؛ حيث يتم تركيز الانتباه على الاحتمالات السيّئة للأحداث المقبلة، هذه الأحداث التي تكتسب من وجهة نظرهم السلبية سمة الاستمرارية.

والمتشائم، كما يعرفه، جبران خليل جبران، لا يرى من الحياة سوى ظلها، إذ أن الجانب المشرق من الحياة قلما يسترعي اهتمام هؤلاء الذين لا يجدون ما يشجعهم على التفاؤل، وهم سجناء الأحداث المؤلمة والصور الصادمة التي يصادفونها في حياتهم اليومية، أو الأخبار المحبطة التي يطالعونها في الصحف ووسائل الإعلام الأخرى.

وتؤكد الدكتورة مارلين برايس ميتشل، أستاذة في علم النفس التنموي وباحثة في مجال التنمية الإيجابية للشباب في “جامعة ميتشيغان” الأميركية، أن التشاؤم أو السلبية تتسبب في حدوث عوارض جانبية خطيرة على حياة الأفراد بصورة غير مباشرة، وهي تشبه كثيرا التدخين السلبي الذي يؤثر في صحة أفراد غير مدخنين صادف مرورهم في غرفة مشبعة بدخان سجائر آخرين.

السلبية قد تدمر العلاقات الاجتماعية وتحدث أذى دائما في مشاعر الفرد، الذي يتبنى هذه النظرة السلبية كأسلوب حياة.

أما الدكتور راج هوناتان، أستاذ مساعد في قسم التسويق وإدارة الأعمال بـ”جامعة تكساس” الأميركية، فيرى أننا نستطيع تمييز الأفراد السلبيين عن غيرهم عندما يتعلق الأمر بتوقعاتهم عن المستقبل وإنجازاتهم المهنية مقارنة بأقرانهم وزملائهم، كذلك مدى ثقتهم بنتائج أعمالهم وخططهم وماهية مشاعرهم حيال كل هذه الأمور.

من خلال التجارب والأبحاث الميدانية، تبيّن أن معظم الناس يميلون إلى التشاؤم وانتقاد الذات أو"جلدها"

ومن خلال التجارب والأبحاث الميدانية، تبيّن أن معظم الناس يمــيلون إلى التشاؤم وانتقاد الذات أو “جلدها” ولا يجدون في نصف الكأس إلا جانبه الفارغ، ولهذا فهم يمــتلكون نظرة رمادية عن القــادم من أيـــامهم .

ويؤكد الدكتور هونتان على أن الأفكار السلبية تأتي بشكل عفوي، فهي تتمثل في أهداف عميقة الجذور وتنبع من رغباتنا وقيمنا في الحياة، ولا يمكن بأية حال التغاضي عنها أو التظاهر بعدم وجودها، لأن هذا الخيار من شأنه أن يزيد الأمور سوءا.

والأفضل من هذا أن نختبر مدى جدية أهدافنا ورغباتنا ومدى صلاحيتها للعيش في ظروف يفرضها علينا الواقع الحاضر؛ فالأهداف الكبيرة أو الرغبات المبالغ فيها والتي لا تكون على مقاس الواقع قد تشكل عبئا على صاحبها، هذا العبء يتمثل في صعوبة تحقيقها وربما استحالة الوصول إليها حتى مع مرور الزمن، وهذا هو تحديدا ما يغذي سلبيتنا.

بعض الناس لا يبذلون جهدا في إخفاء إحباطهم وتشاؤمهم طيلة الوقت، حيث يفقدون السيطرة على كبح مشاعرهم هذه، كما قد يتضايقون حتما من محاولة تدخل البعض، وخاصة المقربين منهم والذين يحاولون حملهم على تلطيف مزاجهم والنظر إلى الأمور بصورة إيجابية.

ربما يكون المتشائمون على حق من الناحية العلمية، إذ أن الأبحاث الأخيرة أثبتت أن الوقوع تحت تأثير المشاعر السلبية ليس اختيارا حرا بل هو حقيقة بيولوجية.

وبحسب متخصصين، فإن المشاعر السلبية التي تسيطر على بعض الناس تكمن أساسا في تكوينهم البيولوجي، وهذا ما يفسر عدم قدرتهم على تلطيف حدتها أو ترويضها. وتعد الدراسة التي أجراها متخصصون في جامعة ولاية ميتشيغان الأميركية، الأولى من نوعها التي تثبت بالأدلة البيولوجية أن فاعلية مناطق معينة في الدماغ تقل بصورة واضحة لدى الأشخاص المتفائلين أو الإيجابيين، بينما تزيد حدتها لدى المتشائمين.

ويرى الدكتور جيسون موزر، أستاذ علم النفس المساعد في جامعة ميتشيغان والمشرف على الدراسة، أن هذه هي المرة الأولى التي يستطيع فيها البحث العلمي التوصل إلى حقيقة سمة التفاؤل والتشاؤم في الأفراد، وذلك من خلال قراءة متأنية لبيانات الدماغ.

وتفسر هذه النتائج مدى المعاناة التي يواجهها بعض الناس، الذين ليس بيدهم حيلة للبقاء إيجابيين في مواجهة ظروف ومواقف صعبة في الحياة، كما أن الضغوط التي يواجهونها من قبل الأصدقاء والمقربين والتي تحثهم على النظر إلى الأمور بصورة إيجابية، قد تزيد من معاناتهم، حيث يتولد لديهم صراع نفسي بين مشاعرهم الحقيقية ومحاولة التأقلم معها وترويضها إرضاء للآخرين.

السـلبية قد تدمر العــلاقات الاجـــتماعية وتحدث أذى دائما في مشـــاعر الفرد، الذي يتبنى هذه النــظرة السلبية كأسـلوب حياة

واستمدت الدراسة نتائجها من خلال تجارب أجريت على مجموعة من السيّدات، إيمانا من الباحثين بأن المرأة تعاني بمعدل الضعف من أعراض القلق النفسي المصاحب لحالات التشاؤم، مقارنة بالرجل.

يضيف الدكتور موزر، لا يمكننا بعد ذلك أن نطلب من الأشخاص السلبيين تغيير نظرتهم للحياة ببساطة وبمجرد إبداء النصح لتركهم يواجـــهون مشاكلهم منفردين، بل يتوجب علينا مساعدتهم في إيجاد حلول بديــلة واستراتــيجيات مختلفة لحل مشاكلهم، فالتغيير الذي ننشده فيهم قد لا يكون واقعــيا.

عموما، تقول الحكمة إن المتفائل والمتشائم كلاهما ضروريان للحياة؛ فالأول يخترع الطائرة والثاني يخترع مظلة الهبوط!!

21