المسرح والتعليم يتكاملان في عرض سوري

"كان يا ما كان" مسرحية للأطفال تنتصر فيها الطيبة على الحيلة.
الاثنين 2020/09/07
الدمى والممثلون يشتركون في تقديم الموعظة للأطفال

يهدف صناع المسرح الموجه للطفل إلى تقديم قيم إنسانية وتربوية عليا، حيث يجيء العرض عادة سندا للعملية التعليمية التقليدية، ليكون المنهجان متكامليْن في تقديم المعلومة والموعظة للأطفال واليافعين، ما ينمي عندهم ملكتي الفكر والنقد. وضمن هذا الإطار أتت المسرحية السورية “كان يا ما كان” للمؤلف والمخرج أحمد الخطيب محفّزة الأطفال على إعمال العقل في كل المجالات الحياتية حاضرا ومستقبلا.

دمشق – يتجه العرض المسرحي الأحدث لمسرح الطفل والعرائس في المديرية العامة للمسارح والموسيقى في سوريا الذي قدّم بعنوان “كان يا ما كان”، من تأليف وإخراج أحمد الخطيب، إلى تقديم قيمة تربوية من خلال حكاية بسيطة عن مدينة في مملكة يعيش فيها رجلان (سرحان وجابر)، وهما بائعان جاران في سوق شعبية يبيعان العطور والأدوية العشبية.

تمرض ابنة الملك، فيطلق المنادي في الأسواق لكي يعلن للناس عن رغبته في تقديم جائزة ألف قطعة ذهبية لمن يقدّم للفتاة دواء شافيا. ويسمع الجاران النداء، فيسرع كلاهما لتحضير الدواء وكسب الجائزة.

خدعة فاشلة

جابر كان متأكّدا من أنه سينالها، كونه يعرف كيف يجهّز الدواء وهو العراف بصنعته، في حين أن الأمر منعدم عند جاره المحتال سرحان. يعكف جابر على تحضير الدواء بمساعدة زوجته الطيبة، وينجح في ذلك. ويضعه في قارورة كي يذهب به لمعاينة الفتاة وتقديمه لها.

وأثناء ذلك يقترب سرحان، الجار الحسود الذي لا يعرف كيف يحضّر الدواء ويسرق قارورة الدواء التي وضعها جابر خارج بيته، ويضع بدلا عنها قارورة أخرى فيها دواء سيء، ويرحل بعيدا.

عبر أكثر من ستين عاما قدّم مسرح الأطفال في سوريا المئات من العروض لقامات الفن والترجمة في البلد

يخرج جابر من بيته وهو لا يعلم أن الدواء قد بُدّل، فيأخذه لابنة الملك لتشربه، فتزداد حالتها سوءا، ممّا يغُضب الملك فيأمر بجلده وسجنه ثم طرده.

يعود جابر إلى بيته منكسرا حزينا ويترك مهنة تحضير الدواء نهائيا، بينما يذهب سرحان بالدواء إلى الملك، وتشربه الفتاة فتشفى. يسر الملك بذلك ويأمر بإقامة الأفراح أسبوعا كاملا في المملكة وبأن يعطى سرحان الجائزة.

لكنّ أمرا مفاجئا يحدث لم يتوقّعه سرحان، غيّر مجريات الأحداث. فبعد فترة قصيرة عاد المرض للفتاة، فأمر الملك سرحان بأن يحضر كمية أخرى من الدواء، وكونه لا يعرف إعداد الوصفة اضطرّ للذهاب إلى جاره جابر مُتظاهرا أنه مريض ويريد الدواء ذاته، فيعطيه جابر إياه رغم أنه ترك الصنعة.
يفاجأ جابر بأن سرحان لم يشرب الدواء رغم الألم الذي يعانيه، فيطلب منه شرب الدواء، لكن سرحان يصارحه بأنه سيذهب به إلى ابنة الملك. عندها يعرف جابر بأن سرحان هو من سرق دواءه وقدّمه للملك. وهذا ما عرفه أيضا جلاد الملك الذي كان يراقب سرحان بسبب تأخّره في تحضير الدواء، فيقبض عليه ويسوقه إلى الملك الذي علم الحقيقة.

يغضب الملك، ويأمر بأن يجلد سرحان ويسجن، ثم يعطي جابر الجائزة التي أخذها من سرحان، ويطلب الملك من جابر أن يكون في قادم الأيام أكثر حرصا على عمله لكي لا يسرقه الآخرون. وتعم الأفراح في المدينة، فيرقص سكانها كبارا وصغارا مبتهجين بما حقّقه جابر لابنة الملك من شفاء.

فرح الشفاء
فرح الشفاء

واحتوى العرض الذي امتد على ما يقرب من أربعين دقيقة، لوحات راقصة وغناءً، وهما عنصران أساسيان في أي عمل فني موجّه للأطفال، كما قدّم صيغة تشاركية بين حالة الدمى والممثلين الحقيقيين على المسرح؛ بحيث ظهرت شخوص المسرحية، ممثلين ودمى، مُقدّمةً العرض بصيغة التسجيل الصوتي المسبق، وربما أثّر هذا الخيار سلبا على مستوى تفاعل الأطفال مع العرض، حيث بدا الصوت غير واضح نتيجة تعطّل جهاز الإرسال في عدة مقاطع من المسرحية. وهو ما لم يستطع الأطفال وذووهم التقاطه بشكل جيّد ممّا أربك حالة التفاعل.

ومسرحية “كان يا ما كان” من إنتاج مديرية المسارح والموسيقى السورية، وهي من تأليف وإخراج أحمد الخطيب، وتمثيل كل من أحمد الخطيب وعبير بيطار وخوشناف ظاظا وديانا الخطيب وعزيز الخطيب.

تاريخ ممتد

أنشأت المديرية العامة للمسارح والموسيقى التابعة لوزارة الثقافة السورية “مسرح الأطفال” في أواسط القرن الماضي، ليقدّم أول عروضه في شهر أبريل من عام 1961 بعد فترة وجيزة من إنشائه، وكان أول مدير له فنان الشعب عبداللطيف فتحي الشهير بشخصية أبوكلبشة.

وعلى مسرح مدرسة زكي الأرسوزي بدمشق قُدّمت، حينها، مسرحيتا “بيت الدببة الثلاثة” و”البطة ذات التاج الذهبي”.

جابر الطيب يجهز الدواء
جابر الطيب يجهز الدواء

ولاقى العرضان صدى طيبا لدى الأطفال وذويهم، ثمّ توسعت عروض “مسرح الأطفال” لتقدّم في المدارس والمراكز الثقافية والحدائق العامة وبعض الأحياء. وعمل في هذا المسرح العديد من القامات المسرحية السورية، منها إلياس مرقص ونجاة قصاب حسن وظافر عبدالواحد وميخائيل عيد.

وكما يبيّن الفنان الراحل مأمون الفرخ في كتابه الذي نشرته وزارة الثقافة السورية عام 2012، فإن بداية مسرح الطفل في سوريا كانت على أيدي “عبدالوهاب أبوالسعود، الذي يعود له الفضل في إنشاء المسرح المدرسي وكان يقدّم حوالي ستين عملا سنويا في ذلك الحين من الدهر، ثم جاء بعده، وربما عاصره كل من: رضا صافي، نجيب درويش، عبدالكريم حيدري، والأخير كان صاحب الكتابة الشعرية في مجال مسرح الأطفال، وفي عام 1983 كانت الولادة الثانية لهذا المسرح مع عدنان جودة، إذ كانت الولادة الأولى عام 1960 عندما تسلم الراحل عبداللطيف فتحي مسرح العرائس، بعد ذلك جاءت فترة الانحدار مع إنشاء الفرق الخاصة والأهلية، وعدم الاهتمام الكافي من قبل الجهات الرسمية لاعتبارها هذا النوع من المسرح من الدرجة الثانية، بل ربما العاشرة”. ‏

وخلال السنوات التي تلت التأسيس الثاني قدّمت المئات من العروض المسرحية كأعمال مستقلة أو ضمن مهرجانات وفعاليات مسرحية مختلفة.

17