المستثمرون يُقيّمون بهدوء عقبات خطة التقشف العُمانية

برنامج الإصلاح الاقتصادي مفتاح إعادة تمويل ديون الدولة ودفع عجلة النمو إلى الأمام.
الخميس 2021/06/03
مواجهة التحديات طريق الإصلاح الوحيد

تراقب أوساط المستثمرين بهدوء ارتدادات العقبات التي ظهرت مؤخرا بوضوح على برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تتبعه سلطنة عمان، وأجمع محللون على أن أغلب هؤلاء أبدوا مرونة وتفهما لما يحدث خاصة وأنهم على قناعة بأن ذلك يفرض عليهم التوقف مليا لإعادة تقييم الآفاق المستقبلية لمناخ الأعمال في البلد الخليجي.

مسقط - يأمل الكثير من المستثمرين أن تكون العثرات التي تعترض الحكومة العمانية في طريق تنفيذ برنامج التقشف مجرد كبوة بعد احتجاجات نادرة للعمانيين على البطالة، حيث تعهد السلطان هيثم بن طارق أن يوفر 32 ألف فرصة عمل وبدعم شركات القطاع الخاص.

ولم تتسبب هذه الخطوة في أي انخفاض كبير في سعر السندات العمانية، وقال مستثمرون إن بعض المرونة في التعديل المالي أمر متوقع لضمان الاستقرار الاجتماعي في بلد شهد أيضا احتجاجات بسبب الوظائف والفساد في 2011.

وقال شريف عيد مدير المحافظ بشركة فرانكلين تمبلتون للاستثمارات “رد فعل السوق يعكس تفهما أن الإصلاح الجاد لاسيما ما يتعلق منه بالضرائب في منطقة السوابق فيها محدودة سيواجه عقبات لكنه لم يخرج عن المسار بشكل كبير”.

وأضاف لوكالة رويترز “في الأجل القصير من المتوقع حدوث تعديلات محسوبة خاصة أنها قد تمس عوامل اجتماعية”.

وفي نهاية الأسبوع الماضي كان عائد السندات الحكومية العمانية المستحقة في 2047 يبلغ 6.9 في المئة أي أعلى قليلا من 6.7 في المئة قبل الاحتجاجات. وفي مارس من العام الماضي بلغ العائد ما يقرب من 12 في المئة عندما تسبب انتشار فايروس كورونا في انهيار أسعار النفط الخام.

شريف عيد: رد فعل السوق يعكس تفهم أن الإصلاحات تحتاج وقتا

ويرى محللون أن تدابير التقشف العمانية التي تم الكشف عنها العام الماضي ضرورية للحفاظ على قدرة البلاد التي تعاني من شح السيولة المالية على الاستفادة من أسواق السندات العالمية وذلك قبل استحقاق ديون تبلغ قيمتها نحو 11 مليار دولار هذا العام والعام المقبل.

وتعد عمان من أضعف الدول من الناحية المالية في منطقة الخليج ومن أكثرها عرضة للتأثر بتقلبات أسعار النفط الذي كان يمثل حوالي ثلث الناتج المحلي الإجمالي في 2019.

ومنذ انهيار سعر النفط في 2014 قفز معدل الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 15 في المئة في 2015 إلى 80 في المئة العام الماضي، بينما تباطأت فيه خطط السلطنة لتنويع الإيرادات بعيدا عن قطاع النفط وتقليل الإنفاق على القطاع العام المترهل.

وبثت الخطة المالية متوسطة الأجل التي أعلنت في أكتوبر الماضي، وتضمنت استحداث ضريبة القيمة المضافة، الطمأنينة في نفوس المستثمرين ما ساعد مسقط في تدبير مليارات الدولارات عبر إصدار سندات والحصول على قروض هذا العام.

وقالت زينة رزق المديرة التنفيذية لإدارة أصول الدخل الثابت لدى أرقام كابيتال “عمان وفرت مستويات مريحة من المعلومات منذ أواخر 2020 دعمت السوق كما دعمتها أسعار النفط البالغة 70 دولارا للبرميل، وهو ما أدى إلى تقليل فارق التمويل بدرجة كبيرة”.

وأضافت “كذلك دبرت عمان معظم احتياجاتها لتمويل الموازنة هذا العام وهو عامل داعم أيضا”.

وتعتزم مسقط تقليل العجز في الموازنة من أكثر من أربعة مليارات ريال (10.4 مليار دولار) في 2020 أي 15.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 537 مليون ريال في 2024 وهو ما سيعادل 1.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتتوقع وزارة المالية أن تبقى نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي عند 80 في المئة بحلول 2024 لكنها قالت إنها “كان من الممكن أن تقفز إلى 128 في المئة لولا الخطة المالية متوسطة الأجل”.

وتهدف السلطنة إلى زيادة الإيرادات غير النفطية إلى 35 في المئة من إجمالي الإيرادات في السنوات المقبلة ارتفاعا من 28 في المئة العام الماضي.

ولا تسمح الخطة المالية لفترة من الوقت ببدء خطوات لها حساسيتها الخاصة مثل فرض ضريبة على الدخل الشخصي لأصحاب الدخول المرتفعة والتي قالت السلطنة إنها تدرس فرضها في 2022 فيما سيمثل الخطوة الأولى من نوعها في منطقة الخليج.

ومع ذلك ففي حين يبدو أن الاضطرابات التي نشبت الأسبوع الماضي قد هدأت بعد رد فعل أمني شديد فهي علامة على أن مساعي عمان لاحتواء العجز في موازنات الدولة والديون قد تتباطأ لاستيعاب تداعيات المطالب الخاصة بالوظائف.

ووفقا لبيانات البنك الدولي ارتفع معدل البطالة في عمان إلى مستوى قياسي بلغ 5 في المئة العام الماضي وتجاوزت البطالة بين الشباب 10 في المئة.

وقال سكوت ليفرمور كبير الاقتصاديين للشرق الأوسط بمجموعة أكسفورد إيكونوميكس البحثية “كان من المستبعد أن يكون الطريق إلى التدعيم المالي سلسا وستؤدي التنازلات التي قدمتها السلطات إلى تباطؤ وتيرة التعديل”.

وقال طارق حق خبير سياسات التوظيف بالدول العربية في منظمة العمل الدولية إن “السلطنة بحاجة إلى تطوير سياسة توظيف للأجلين المتوسط والطويل”. وأضاف “توفير الحكومة للوظائف كاستجابة طارئة ليس بديلا مستداما لإصلاح أكثر شمولية لسوق العمل وهو ما يحتاج للاقتران بإصلاح هيكلي للاقتصاد العماني بشكل أعم”.

مؤشرات اقتصادية سلبية

80 في المئة معدل الدين العام بنهاية 2020
15.8 في المئة نسبة العجز في الموازنة العامة
5 في المئة معدل البطالة بين العمانيين

وبالإضافة إلى استحداث ضريبة القيمة المضافة وزيادة أسعار المياه والكهرباء تدريجيا هذا العام خفضت السلطنة إنفاقها المدني والعسكري في 2020 وخططت لمزيد من التخفيضات في موازنة العام الجاري.

لكن المستثمرين ووكالات التصنيف الائتماني أخذوا بالفعل في اعتبارهم إلى حد كبير توقع الموازنة بين هذه الإصلاحات الطموح والضغوط الاجتماعية والاقتصادية.

وذكرت وكالة فيتش الشهر الماضي أن التوقعات سلبية للسلطنة التي تقل تصنيفاتها لدى وكالات التصنيف الكبرى كلها عن التصنيف الاستثماري وذلك بسبب “مخاطر تواجه التنفيذ المتواصل لخطط التدعيم المالي في ضوء السياق الاقتصادي والاجتماعي الصعب”.

ويؤكد ليفرمور أن مسقط ربما تستخدم الإنفاق الحكومي في التخفيف من بعض التداعيات الاجتماعية لجهودها من أجل تنويع الإيرادات غير أن مسار الإصلاحات لن يتغير.

وأوضح أن السلطات العمانية ليس أمامها خيار يذكر سوى الحفاظ على الالتزام بالتعديل المالي متوسط الأجل رغم أنه قد يحدث بعض التعديل الطفيف لكيفية تحقيق ذلك.

ومع ذلك قال بعض المستثمرين إنه سيتعين مراقبة الأسلوب الذي سترد به عمان على أي اضطرابات اجتماعية وتحديات اقتصادية أخرى مراقبة دقيقة.

وقال سيرجي درجاتشيف مدير الصناديق لدى يونيون إنفستمنت “المستثمرون قيّموا خطة التدعيم متوسطة الأجل في عمان بارتياح نسبي لأنها أتاحت بعض التخفيف قصير الأجل للأرقام المالية”.

لكنه استدرك بالإشارة إلى أن عمان تواجه أيضا مخاطر أخرى منها توقعات صعبة لقطاع السياحة وضغوط تضخمية كلها بالتوازي مع الوضع على صعيد الوظائف وهو ما يتعين مراقبته.

11