المريض الإنجليزي العنيد

العناد الشخصي مقبول. بالنهاية هذه حياتك. ما هو غير مقبول هو عناد الدول، أو سياسييها.
الأربعاء 2023/02/15
بريكست ورطة من العيار الثقيل

هناك نوعان من المرضى لا يتحسّنون. لا أقصد هنا المرضى المصابين بمرض عضال لا شفاء منه.

النوع الأول، لا يذهب إلى الطبيب بالأصل. يحسّ أن صحته ليست على ما يرام، ولكنه يخاف أن يذهب ويسمع أخبارا مقلقة. التجاهل (أو الإنكار) بالتأكيد علاج نفسي لمثل هذا النوع من المرضى، لكنه ليس علاجا طبّيا يخرجه من حالته الصحية.

النوع الثاني، يذهب إلى الطبيب ويجري التحاليل ويقوم الطبيب بشرح خطورة الأمر ومشاكله إن استمر، لكنّ مريضنا عنيد لا يريد الالتزام بالأدوية والتوصيات. شهّيته المفتوحة تمنعه من إدراك خطورة الوزن الزائد ومؤشر الكوليسترول. كسله يجعله مهملا للحركة (ولا نقول الرياضة لأنها مفردة مفجعة للكسالى) الضرورية لمواجهة ارتفاع ضغط الدم. الكبد يستصرخه “رفقا بي” من الشحوم والكحول. لو وصل إلى مرحلة أخذ الدواء، فإنه يعامل الطبيب وأسرته على أساس أنه متفضل عليهم، وعادة لا يكون متابعا للجرعات في توقيتها المناسب.

ربما هو العناد. والعناد مشكلة على المستوى الشخصي والصحي، خصوصا عندما تكون الأعراض كثيرة. تمعن في إهمال صحتك، أو تمعن في إهمال الإشارات التي تقول إن البيزنس يمشي نحو الطريق الخطأ، أو تمعن في قراءة حياتك بشكل مغلوط.

العناد الشخصي مقبول. بالنهاية هذه حياتك. ما هو غير مقبول هو عناد الدول، أو سياسييها.

Thumbnail

في عطلة نهاية الأسبوع الماضية، تسرّبت أنباء عن لقاء جمع كبار السياسيين البريطانيين مع رجال أعمال ودبلوماسيين وعسكريين لمناقشة أين أوصل قرار بريكست البلاد. في البداية احتاط هؤلاء من الغضب القادم. أول بند في محضر اللقاء هو “لا عودة عن بريكست”. شيء أشبه بالذهاب للطبيب لإجراء الفحوصات وتشخيص الحالة مع افتراض أن لا مرض هناك ولا حاجة للدواء. بريكست، الذي تحقق بعد استفتاء بفارق بسيط (51.89 في المئة مع و48.11 ضد)، صار أقنوما مقدسا. الحزبان، المحافظ الحاكم والعمال المعارض، متفقان على عدم المس بالقرار والدعوة لاستفتاء آخر يسمح للبريطانيين بإعادة النظر بموقفهما بعد تراكم الأدلة على فشل بريكست.

بريكست ورطة من العيار الثقيل. هذا ليس تحليلي الشخصي، بل ما خلص إليه المجتمعون، ما أفصحوا عنه وما لا يفصحون. التراجع الاقتصادي في بريطانيا أكبر من أن يمكن تبريره بكوفيد وحرب أوكرانيا. كوفيد والحرب مسا الجميع. البروتوكول الأيرلندي، أو انهياره، قد يكون اللحظة الفارقة التي تجعل انضمام مقاطعة أيرلندا الشمالية إلى جمهورية أيرلندا أقرب من أي وقت مضى. استقلال الجمهورية الأيرلندية لم يمر عليه سوى قرن من الزمان، ولا تزال جروح الحرب الأهلية في أيرلندا الشمالية بين المؤيدين لبقاء المقاطعة جزءا من المملكة المتحدة والراغبين في توحيد الجزيرة الأيرلندية، لا تزال الجروح ندية. الوحدة الأوروبية مع اتفاق السلام الذي تم برعاية أميركية، كانا سبب انتهاء الحرب، لكن الجدل الآن أين نقطة الحدود بين المملكة المتحدة وأوروبا، في البحر أم على الحدود البرية بين المقاطعة والجمهورية. البرلمان الاسكتلندي تحرك للدعوة إلى استفتاء جديد عن الاستقلال. الأرقام تقول إن تدفق المهاجرين لم يتوقف، ومن خرج من الأوروبيين حل بدله مهاجرون من بلاد أخرى. العلاقة الآن مع أوروبا سيئة، بدلا من أن تكون منظمة وحيوية. لا يتوقف عداد سبحة الورطة.

المريض الإنجليزي عنيد ولا يريد الاعتراف. كل الأعراض لا تكفي. آلام بريكست معنا لوقت طويل قادم.

18