المدنيون مجردون من الصلاحيات داخل مجلس السيادة السوداني

الخرطوم – تصاعدت الانتقادات الموجهة لممثلي المكون المدني داخل مجلس السيادة الانتقالي من قبل قوى محسوبة على الثورة في وقت تدور فيه نقاشات حول إدخال تعديلات عليه، وهي من النقاط الخلافية داخل تحالف قوى الحرية والتغيير كمظلة تحوي قوى مدنية رئيسية، في ظل محاولات جهات مدنية أخرى الحصول على حضور فاعل داخل سلطة اتخاذ القرار.
وفشل التحالف الحكومي في تسمية مرشح (أو مرشحة) بديل عن عضو المجلس السابقة عائشة موسى التي قدمت استقالتها منذ شهر احتجاجاً على تهميش المدنيين داخل المجلس، ولم يجر التوافق على كيفية اختيار الممثلين الجدد وسط حالة تشظّ أصابت هياكل التحالف بانقسامه إلى أحزاب منتمية للمجلس المركزي وأخرى تقود لجنة الإصلاح الفنية.
وتسبب الخلاف حول رغبة كل حزب في أن يكون على رأس السلطة حال جرى الالتزام بتبادل السلطة بين المدنيين والعسكريين داخل المجلس في تجميد تعديل على الأعضاء كان مقررا في فبراير الماضي تزامناً مع تشكيل الحكومة الجديدة.
وطالب سياسيون من “تجمع القوى المدنية” المنضوي تحت سقف تحالف الحرية والتغيير الأحد باستبدال المدنيين الخمسة داخل مجلس السيادة لضعف أدائهم أمام قيادات المجلس العسكري وتنازلهم عن العديد من الصلاحيات، وعدم المشاركة الفاعلة على مستوى اتخاذ القرارات أو دعم الحكومة في ظل أزمات عدة مرت بها مؤخرا.
وقالت القيادية بتجمع القوى المدنية ميرفت حمد النيل إن المبادرة لديها تعليقات عديدة على أداء المدنيين في مجلس السيادة، بدءاً من موافقتهم على منح كافة الصلاحيات لرئيس المجلس بالمخالفة للوثيقة الدستورية التي منحت تمييزا فقط على مستوى رئاسة الاجتماعات، إلى مساهمتهم في تمرير لائحة داخلية جرى فرضها لخلق منصب نائب رئيس مجلس السيادة دون نص الوثيقة الدستورية أيضاً.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن هذا التغيير أدى إلى اختلال موازين القوى داخل المجلس، وأضحت قوة العسكريين مهيمنة حيث تمتعوا بصلاحيات واسعة ويترأسون غالبية اللجان المنبثقة عن المجلس، بسبب تنازل المدنيين عن السلطات المتاحة لهم في الوثيقة الدستورية، وهو ما أفرز وجود سلطة تشبه النظام العسكري.
ويقول مراقبون إن تنازلات المدنيين داخل مجلس السيادة ليست وليدة اللحظة، وما فجر الخلاف حالياً أن قوى الحرية والتغيير لم تكن لها مواقف مساندة لعائشة موسى التي مثلت “تجمع القوى المدنية” في المجلس السيادي، ولم يعلق التحالف الحكومي على أسباب استقالتها التي جاءت على هوى قوى تأمل أن تكون الاستقالة بوابة لوجودها في المجلس.
ويشكل دخول الحركات المسلحة على خط معادلة الحكم داخل مجلس السيادة بوجود ثلاثة ممثلين عن الجبهة الثورية أحد العوامل التي تجعل القوى المدنية لديها رغبة في البحث عن نوايا ومواقف الأعضاء الحاليين وتحسين وضعها داخل المجلس عبر اختيار قياديين جدد ينتمون إلى الأحزاب الكبيرة، وفي القلب منها حزب الأمة القومي لتمرير أجندته السياسية والحفاظ على توازن قوي ومشترك مع الحركات.
وثمة حسابات متعارضة لأحزاب تخوض الآن مفاوضات في أكثر من ملف، منها تشكيل المجلس التشريعي والتوافق على اختيار قيادات في مناصب قضائية شاغرة.
وتدور معركة داخل قوى الحرية والتغيير بشأن تحديد رأس التحالف واختيار بديل للحزب الشيوعي الذي يدفع باتجاه توظيف مقاعد المدنيين لتكون ضمن الملفات التي من الصعب حسمها، وقد يؤدي الأمر في النهاية إلى بقاء الأوضاع على ما هي عليه.
وأكدت ميرفت حمد النيل أنه لم يجر التوافق بعد داخل التحالف الحكومي على تعديلات محددة على الأعضاء المدنيين بمجلس السيادة، لأن المسألة تخضع لدراسات من جانب لجان مختلفة تحاول الوصول إلى صيغة توافقية مشتركة، لكن الفشل في اختيار بديل لعائشة موسى يبرهن على وجود صعوبات بشأن التوافق على باقي الأسماء.
وأوضح القيادي بقوى الحرية والتغيير نورالدين بابكر أن التحالف شكل لجنة لتقييم عمل أعضاء المكون المدني داخل مجلس السيادة، وكان من المفترض أن تخرج بنتائج نهائية قبل قرار تشكيل الحكومة، غير أنها رأت الاستمرار في التقييم إلى حين اتخاذ قرار التعديل الذي من المفترض أن يأتي بالتزامن مع تعديلات على مستوى الولاة.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الخلاف ليس على الأشخاص الذين يمثلون المكون المدني في المجلس، لكن هناك رؤية بأن أداء المدنيين بات دون المستوى، بالتالي فالقرار النهائي سيأتي عبر التقرير الوارد إلى المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير.
وأشار إلى أن المكون المدني رأى ضرورة الانتظار للتعرف على ما ستؤول إليه المفاوضات بين السلطة الانتقالية والحركة الشعبية شمال جناح عبدالعزيز الحلو، ففي حال نجاحها سيكون هناك تمديد جديد للمرحلة الانتقالية، وتسلم المدنيين للسلطة قد يتأخر أيضاً لفترة أخرى.
ويرى متابعون أن توقف المفاوضات يسهم في ضغط المكون المدني على نظيره العسكري لتسليم رئاسة المجلس في نوفمبر المقبل، لأن هناك دعما دوليا لمضاعفة دور الشق المدني على حساب العسكري لنجاح التجربة الديمقراطية في السودان.
ويصب انغماس المدنيين في خلافاتهم لصالح العسكريين الذين يحاولون لملمة صفوفهم بعد أن تحدث رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بشكل علني عن وجود خلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع، وأن تصاعد الحملة من قوى مختلفة لا ينفصل عن التحالفات التي دشنتها بعض الأحزاب مع المكون العسكري باعتباره الطرف القوي في المعادلة الحالية.
ويشكل إعلان حمدوك عن خارطة طريق جديدة للتعامل مع الأزمات وصمت المكون العسكري أحد الأبعاد الخفية التي قد تكون سبباً في تصاعد وتيرة الهجوم على المدنيين في مجلس السيادة بالتزامن مع دعاوى إقالة الحكومة، ما يقود إلى خلاف آخر من المتوقع أن تحسمه القوى المدنية التي التزمت بالوثيقة الدستورية ولم تعترض على تمديد رئاسة المكون العسكري لمجلس السيادة بعد التوقيع على اتفاق جوبا للسلام.
وشدد نورالدين بابكر، وهو أيضَا الناطق الرسمي باسم حزب المؤتمر السوداني، على أن نشاط الحكومة ورغبتها في التعامل مع الأزمات يدفعان إلى ضرورة اختيار قيادات مدنية لديها فاعلية داخل مستوى مجلس السيادة وتستطيع أن تساير تحركات الحكومة وتكون عوناً لها في تحركاتها الداخلية والخارجية.