المبالغة في تطبيق العقوبات لا تساهم في تغيير سلوك الأطفال

تصاعد وتيرة تهديد الآباء للأبناء يزيد من منسوب كذبهم وتسترهم على مشكلاتهم.
الاثنين 2021/11/29
حرمان الطفل من اللعب مع إخوته لا يكون دائما الحل الأمثل

يجمع خبراء علم النفس والاجتماع والتربية على أن تطبيق العقوبات بشكل مبالغ فيه يؤدي إلى نتائج عكسية بدل أن يساهم في تغيير سلوك الأطفال إلى الأفضل، ويرى الخبراء أنه كلما زاد تهديد الآباء زاد عدد المرات التي يكذب فيها الأطفال ويخفون المشكلات التي من المفترض أن يتم حلها معهم. وينصح الخبراء بضرورة الإلمام بفنيات التعامل السليم لإيقاف السلوك غير المرغوب به.

عمان ـ يؤكد خبراء علم النفس والتربية أن تطبيق العقوبات بشكل مبالغ فيه لا يضر بعلاقة الوالدين بطفلهما فحسب، بل إنه أيضا أداة غير فعالة لتغيير السلوك، فالعقوبات لا تدعم السلوك الإيجابي لدى الأطفال ولا تعلمهم ما يجب عليهم فعله. بالإضافة إلى ذلك، كلما زاد تهديد الآباء، زاد عدد المرات التي يكذب فيها الأطفال ويخفون المشكلات التي قد يحتاجون إلى المساعدة فيها.

ويرى الخبراء أن طرق عقاب الطفل تختلف تبعا لمتغيرات كثيرة، مثل الموقف وطبيعة شخصية الطفل وعمره، كما أن أساليب العقاب المختلفة لا تتساوى في تأثيرها على الطفل. وأكد الخبراء أن عقاب الطفل الصحيح هو فقط ما يؤثر إيجابا عليه. أما الأساليب الأخرى كالضرب والشتيمة والتعنيف غير المبرر، ليس لها أي تأثير إيجابي بل على العكس تؤذي نفسية الطفل.

وقالت أخصائية الاحتياجات الخاصة والعلاج السلوكي أمل الكردي إن العقاب، بمعناه المبسط، يشتمل على استخدام وسيلة رادعة لإيقاف سلوك غير مستحب لشخص ما بغض النظر عن عمره أو جنسه، شريطة ألا تكون هذه الوسيلة مسببة لضرر نفسي أو جسدي أو كليهما.

ولأجل الوصول إلى وضع عقاب رادع وغير مؤذ، قالت الكردي إنه لا بد من الإلمام بفنيات التعامل السليم لإيقاف السلوك غير المرغوب به أو الحدّ من حدوثه قدر الإمكان على أقل تقدير.

الخبراء يوصون الأمهات في حال استخدمن ركن العقاب كوسيلة لتأديب أطفالهن بالحرص على أن يكون المكان قريبا منهن، وعدم إطالة الفترة التي يجلس فيها أطفالهن لوحدهم

ونصحت الكردي بعدم معاقبة الطفل لإرضاء الآخرين مشيرة إلى أنه بحكم طبيعة الحياة الأسرية التي تقتضي التواصل بشكل مستمر، ينجم عن ذلك كثرة الانتقادات للأطفال، فنرى الأب أو الأم عند سماعه أي ملاحظة عن طفله يقوم فورا بمعاقبته وأمام الجميع حتى يثبت لأصحاب الانتقاد أنه يحسن التربية ولا مجال بأن يسمح لطفله بالخطأ.

وأشارت إلى أن ذلك يحدث كسرا لمشاعر الطفل بالدرجة الأولى، وربما يلحق به أذى نفسيا يطارده لأعوام طويلة. وأوضحت أن التصرف السليم في هكذا موقف هو تحلي الوالدين بالصبر وضبط النفس والتكلم مع الطفل على انفراد دون لفت الأنظار لما يحدث وتوعيته بالمشكلة وشرحها له إن وجدت فعلا، والسماح له بالدفاع عن نفسه وإبداء رأيه وتفسير سلوكه قدر الإمكان.

وكشفت دراسة أميركية نُشرت في يوليو 2017 أن محاولة تهذيب سلوك الأطفال من خلال ضربهم وصفعهم على الوجه يمكن أن يؤثر سلبا على حالتهم المزاجية والسلوكية، ويجعلهم أشخاصا عدوانيين في مراحل متقدمة من العمر.

وأشارت الدراسة التي أجراها فريق من الباحثين بجامعة ميسوري الأميركية، إلى أن “الأثر الذي يتركه الضرب على تعديل سلوكيات الطفل يكون لحظيّا، ويخلف آثارا أخرى سلبية في المستقبل، وأن الأطفال الذين يعاقَبون بشدة يكونون أكثر عدوانية لدى بلوغهم سن 10 إلى 11 عاما، كما أنهم يكونون أيضا أقل إظهارا للسلوكيات الإيجابية مثل مساعدة الآخرين”.

وحذر الباحثون من أن طريقة تعامل الآباء مع أطفالهم في سن مبكرة يمكن أن يكون لها تأثير طويل الأمد على سلوكهم في مرحلة الشباب؛ إذ ينبغي على الكبار تشجيع الأطفال على تنظيم مشاعرهم في سن مبكرة، والامتناع عن ضربهم، خصوصا على الوجه.

وقال الخبراء إن الطفل في عمر الأربع سنوات لا يزال في هذه المرحلة يكتشف العالم من حوله، ولذلك لا يمكن أن يكون العقاب طريقة التعامل الأولى مع أخطائه، فهو لم يخطئ متعمدا، ويحتاج من الوالدين الإرشاد وتوجيه النصح أكثر من مرة ليتعرف على الطريقة الصحيحة للتعامل مع الأشياء.

الطفل في عمر الأربع سنوات لا يزال في هذه المرحلة يكتشف العالم من حوله، ولذلك لا يمكن أن يكون العقاب طريقة التعامل الأولى مع أخطائه

أما الأطفال في الأعمار الأكبر فيخطئون لأسباب أخرى، منها الرغبة في إثبات الذات والشخصية، وخاصة في الأفعال التي تكون عكس إرادة الأمهات. كما أن شعور الطفل بالوحدة أو قلة الانتباه من الأم، يجعله يرتكب المزيد من الأخطاء التي يعرف جيدا أنها أخطاء ومع هذا يرغب في إثارة انتباهها. إضافة إلى رغبة الطفل في معرفة رد فعلها وطريقة تعامله معها في وقت الخطأ، بعدها يمكنه التعامل معها من هذا المنظور. وقد تكون كل هذه الأسباب وغيرها دافعا لارتكاب الطفل أخطاء كثيرة في الأعمار المختلفة، لكن المقياس الحقيقي هو كيفية تعامل الآباء والأمهات مع هذه المواقف واختيار العقاب المناسب في حالة اضطرارهم لذلك، ويرى الخبراء أن العقاب يجب أن يكون آخر الحلول وليس أولها.

وينصح الخبراء الأم قبل عقاب الطفل بالتأكد من القيام بمناقشته حول الخطأ الذي ارتكبه، والتأكد من اقتناعه أولا بأن ما فعله كان تصرفا غير ملائم، لذلك فإن نبرة الصوت وطريقة الكلام مع الطفل هي ما تجعله منفتحا على النقاش والاستماع لها، بالإضافة إلى ترك مساحة أولا له للتعبير عن موقفه من الفعل الذي ارتكبه، بعدها يمكن للأم البدء في اختيار واحد من أساليب العقاب تبعا للموقف.

ويرفض بعض خبراء التربية استخدام ركن أو كرسي العقاب كأداة متكررة  لتأديب الطفل، رغم أنها طريقة يعتمدها الكثير من التربويين، وينصحون بعدم استخدامها بكثرة وفي كل المواقف. ويرون أن هذه الطريقة لا تصلح إلا عندما يكون الطفل في حالة عصبية شديدة لا يمكنه النقاش وقتها، أو يمكن استخدامها في المدارس في أوقات الاعتداء والضرب التي تحدث بين الأطفال، فالمعلمة لن تكون لديها المساحة الكافية للقيام بأساليب أخرى.

ويوصي الخبراء الأمهات في حال استخدمن ركن العقاب كوسيلة لتأديب أطفالهن بالحرص على أن يكون المكان قريبا منهن، وعدم إطالة الفترة التي يجلس فيها أطفالهن لوحدهم، وحثهم على التفكير في خطئهم في ذلك الوقت، أي جعل هذا الركن مخصصا للتفكير في الخطأ بدلا من أن يكون ركنا يشعرون فيه بأنهم منبوذون. وكذلك التركيز على الأخطاء في كل مرة يعاقبن فيها أطفالهن والتركيز على الخطأ وليس على من قام به، فالأطفال يتأثرون نفسيا ويعتبرون أنفسهم منبوذين عندما يقلل الآخرون منهم بسبب ارتكابهم الأخطاء، فهناك فرق كبير بين أن تقول الأم لطفلها: “الضرب فعل سيئ”، وأن تقول  له “أنت سيئ لذلك ضربتك”. على الأمهات أن يركزن دائما على الخطأ وانتقاد الخطأ والتفكير في الخطأ وهو ما يجعل الأطفال ينضجون ويكبرون وهم واثقون من أنفسهم حتى مع ارتكاب الأخطاء، فكل البشر يخطئون وهذا ما يجب على الأطفال أن يعرفوه، المهم هو تصحيح ما نخطئ فيه.

17