"اللعبة 2".. دراما خفيفة تعتمد على ذكاء الجمهور

راهن الجزء الثاني من مسلسل “اللعبة” على خلطة من الكوميديا المعتمدة على النكت والتهكّم عليها في الوقت ذاته، مع البساطة الشديدة في الأداء واللعب على ذكاء المتلقي، ما سمح له بالهروب من مساحة النقد التي تعرّضت لها الأعمال الكوميدية الأخيرة، حيث حاولت جرّ الجمهور إلى الضحك قهرا.
القاهرة - ينطلق المسلسل المصري “اللعبة 2” الذي يلعب بطولته الثنائي هشام ماجد وشيكو، من فكرة إدمان الألعاب الإلكترونية ومحاولة التعافي من سطوتها، التي قد تدفع الإنسان إلى فقدان وظيفته وكرامته والعيش عالة على الآخرين بأسلوب كاريكاتيري، يعتمد على المبالغة الشديدة التي وصلت إلى استحداث دار لتأهيل مدمني الهواتف المحمولة، شبيهة بالمؤسسات العلاجية المتخصّصة في علاج الإدمان.
ويدور العمل حول الثنائي “مازو” المدرّس السابق (هشام ماجد)، ووسيم “ويسو” (شيكو) مدير فندق سابق اللذين يهجران الألعاب الإلكترونية بعد دخولهما في تحدّ مع صديق سابق لهما في مرحلة الطفولة انتهى بانتحاره، قبل أن يتبيّن لهما أن زوجتيهما تمارسان اللعب في السر منذ عام ونصف العام، فيقرّران العودة مجدّدا متحدّيان بعضهما البعض.
ويميل العمل إلى الكوميديا المسلية التي تبتعد عن التصنّع بالحركات الصوتية والشكلية المبالغ فيها، والمزج بين مخاطبة الجيل الجديد الذي يعيش بين جنبات العالم الإلكتروني ونوستالجيا الجيل القديم الذي ارتبط أكثر بالألعاب التقليدية، عبر تصميم لعبة فريدة من نوعها تعتمد على فرض تحديات على المشاركين فيها، كإدخال بقرة إلى المنزل أو إقامة عيد ميلاد في شارع عام، أو حتى النوم ليلة في دولاب الملابس، أو خروج سيدة بشارب وزينة كاملة في الوقت ذاته. وتلك التحديات شبيهة بألعاب الورق الكلاسيكية التي كان يتعرّض فيها المهزوم لتلبية جميع أوامر الفائزين.
مفارقات يومية

"اللعبة 2" تمكّن من خطف أنظار الجمهور وتصدر معدلات المشاهدة، رغم عرضه على منصة رقمية
وفّر العمل أيضا جرعة للجمهور التقليدي الذي لا يعشق الألعاب سواء التقليدية أو الإلكترونية، بمفارقات المواقف الحياتية المعتادة التي يعيشها أغلب البشر يوميا، كصراعات اتحاد ملاك الوحدات السكنية أو خداع مشاهير اليوتيوب لمتابعيهم عبر الحركات الرياضية المعتمدة على الخداع البصري لآلات التصوير الحديثة.
ويعتمد “اللعبة 2” على كوميديا الموقف مع إكسائه قدرا من العفوية المطلقة والتناقضات العنيفة، بين وسيم وزوجته “إسراء” (ميرنا جميل) التي تولّت إدارة الفندق بعده، وتهاجم طريقة إدارته السابقة التي اتسمت بالتسيّب وفقدان الحسم أمام كل الموظفين وتنعته دائما بالفاشل، وفي ذات الوقت تهديه جوائز التكريم التي تحصل عليها على اعتبار أن وراء كل امرأة عظيمة رجلا.
وما يميّز النكتة في “اللعبة” هو الاعتماد على مبدأ النيران الصديقة، فبدلا من ترك الفرصة للجمهور للانتقاد أو السخرية من سخافة بعض الجمل الحوارية يتم نقدها من قبل باقي الممثلين في المشهد ذاته، مع طريقة تصوير للمخرج المتخصّص في الكوميديا معتز التوني الذي اعتمد على تجميع الأبطال في غالبية المواقف ليردّوا على بعضهم البعض، فيشيدون بالنكات الجيدة وينتقدون القديمة المملة.
ويجنح العمل إلى المفاجأة غير المتوقعة التي لا تخطر على بال الجمهور واحترام ذكائه، خاصة في مشاهد عودة ويسو إلى العمل كمدير لفندق شديد الرداءة مملوك لنفس صاحب عمله السابق، ويقع في حارة ضيقة لا يمكن دخولها إلاّ بمركبة “توك توك”، ويتضمّن كما غير مسبوق من المهازل بتعاطي المواد المخدرة وممارسة الدعارة.
ويفتح وسيم غرف الفندق واحدة تلو الأخرى ليجد في إحداها كأس أفريقيا المفقود منذ حريق اتحاد الكرة المصري قبل ثماني سنوات، وبجوارها غرفة تشهد عملية جراحية لنقل أعضاء، وعربة فول وطعمية تتسيّد المطعم الذي لا توجد فيه أدوات مائدة، حيث جرت سرقتها.
ولا يمنع ذلك من وجود بعض الكوميديا المفتعلة في تحدّي عدم الضحك الذي تضمنته اللعبة بين فريقي وسيم ومازو، واعتمدت على التلاعب بالنكت القديمة أو الجمل المتوارثة، مثل فكهاني مات من الخوخ بدلا من الخوف، وبين الحياة والموز بدلا من الموت، أو الشجار بين وسيم وزوجته الذي تضمن تركيبات لغوية متنافرة مثل “كفاية خداع وحب وعشق” أو “كيف توفقين بين اللعب والعمل؟”.
ويحمل العمل أيضا قدرا من المحاكاة الساحرة لـ”إكليشيهات” راسخة في الأعمال الفنية المحلية التي تحتاج تراكما ثقافيا فنيا لالتقاط مغزاها، كالحديث عن وحشة الأب لأبنائه رغم فراقهم منذ دقائق أو حجم الاستعدادات الضخمة لعودة مازو إلى اللعب الإلكتروني، التي يتم تكرارها في أي عمل يدور عن مهمة ما لأبطاله من طريقة ربط الحذاء وارتداء الساعة اليدوية، وحديث الزوجات المستمر عن ضرورة تأمين مستقبل الأولاد حتى وإن كان عمرهم لا يتجاوز عدة أشهر.
ولم يخل العمل من التلميحات الجنسية المعتادة في أنماط الكوميديا الجديدة، لكن بطريقة ملتوية تشبه الكلمات المتقاطعة، فلا يكتمل المعنى المقصود إلاّ باكتمال المشاهد للكلمة الناقصة في الحوار، وهو أسلوب يتّبعه الثنائي هشام وشيكو منذ ظهورهما في السينما ونقلاه معهما إلى الأعمال الدرامية التي يشاركان فيها.
أسلوب مسرحي

تضمن العمل سخرية من ذوي الأوزان الثقيلة عبر المطالبة بمنعهم من استقلال المصعد أو حجم ظهورهم في كادرات كاميرات التصوير، أو التنمر على جماهير نادي الزمالك التي هاجمت العمل بسبب لافتة مكتوب عليها “القاضية ممكن”، وهي جملة قالها عصام الشوالي المعلق الرياضي في نهائي دوري أبطال أفريقيا قبل هدف الأهلي في مرمى الزمالك مباشرة، وبسببها تعرّض جمهور الأخير لموجة تهكم واسعة.
ويطغى على “اللعبة 2” شكل كوميديا المسرح كثيرا فيبدو ظاهرا أن بعض الجمل ارتجالية ولم تكن ضمن السيناريو الأصلي، وهو ما أكّده الفنان الكوميدي محمد ثروت، أحد أبطال العمل، الذي قال “إن الإفيهات (النكات) التي تضمنها تم الاتفاق عليها بين أفراد فريق المسلسل بجلسات التدرّب المشتركة بينهم قبل التصوير، واختيار أفضل أفيه يمكن قوله وحذف غير الجيد، وهو أسلوب شبيه ببروفات المسرحيات الكوميدية”.
وشهد العمل مشاركة الفنانة رانيا يوسف كإحدى اللاعبات وزوجة وسيم الثانية، رغم افتقارها للطابع الكوميدي، لكن توظيفها كان مفيدا بفتحها المجال للسخرية من جاذبيتها للرجال، خاصة في مشاهد زيارتها لزوجها في السجن بعد القبض عليه على خلفية أحد تحديات اللعبة الذي تضمن إبطال مفعول قنبلة بمدينة ملاهي، كما فتحت المجال لإظهار القدرات التمثيلية لمحمد ثروت الذي كان يحاول التحرش بها بصريا ولفظيا بحركات وتعبيرات مضحكة.
وما يميز الجزء الثاني من العمل ذكاء مؤلفيّه أحمد سعد والي وإبراهيم صابر في الاستجابة لردود أفعال الجمهور وتلبيتها، فالجزء الأول من “اللعبة” تضمّن نقدا لأداء الممثلين ميّ كساب وأحمد فتحي، بوصف الأولى بالعصبية التي تنفعل دون مبرّر، والثاني بالأداء الرتيب الممل، قبل أن يتم تهذيب أدائهما ليصبحا أكثر هدوءا ونضجا في رسم صورة لاعبين يفتقران بشدة إلى الذكاء والقدرة على التصرّف.
وتضمّن العمل انتقادات صارخة لازدواجية المواطن مع القيم الدينية، كالموظف الحكومي الذي يرفض تلقي الرشوة وفي الوقت ذاته يشهد زورا من أجل مبلغ مالي بسيط، أو الحكم على الأشخاص من الناحية الشكلية فقط كإثارة الشكوك في بعض البشر لمجرد أن ملامحهم شبيهة بالصورة الذهنية الدارجة عن المجرمين، وبعض الإخلالات القانونية التي تجعل لصا خطيرا ينجو من العقاب، لمجرد مرور عقدين على اكتشاف آخر جرائمه.
ويمثل التوزيع الكمي لمساحة الإضحاك في “اللعبة 2” أحد العناصر الأساسية التي تميّزه، فلم ينفرد الثنائي البطولي بالجمل الحوارية الأفضل كالمعتاد، ما جعل تركيبة الطرافة داخله متنوّعة وثرية ومستمرة في أغلب الوقت، خاصة الفنان سامي مغاوري الذي أبدع في تجسيد دور المسن الذي تزوّج أخيرا من عجوز وأنجبا طفلا وزوجته حامل بثلاثة تواءم، وقرّر العودة إلى اللعب مجدّدا لتأمين
مستقبل أبنائه، والفنان إسماعيل فرغلي الذي أدّى دور رجل يدرس في الجامعة قرابة ربع قرن، وينغمس مع جيل الشباب في الملابس والغناء وتحديات اللعب.
وتحمل نهاية المسلسل قدرا كبيرا من السذاجة بعد انقسام المواطنين لفريقين كل منهم يشجّع مازو ووسيم، ورصد جائزة نقدية مليونية لمن يضبط أي منهما، ليتّضح في النهاية أن وراء كل التحديات التي استمرت على مدار 30 حلقة شقيق صديق الطفولة الذي انتحر بسبب خسارة اللعب، وكان ينّفذ في الأصل خطة من أجل الانتقام.
يمثل “اللعبة 2” محاولة لإنتاج دراما خفيفة مغايرة للسائد تلبي غالبية الأذواق، فتلقفها الجمهور وتابعها رغم بثها على منصة إلكترونية وليس على قناة فضائية كالمعتاد، بل وتطوّع كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بتنفيذ جزء ثالث بتحديات جديدة، ليثبت العمل أن الدراما الكوميدية يمكنها الاعتماد على النكتة في الأساس الأول وليس المفارقات، ولكن شريطة صياغتها بذكاء.