اللامبالاة شعور غامض يشبه الوقوع في الحب

يعرّف بعض المتخصصين في علم النفس اللامبالاة بأنها شعور يشبه تماما الوقوع في الحب. فخوض تجربة اللامبالاة هو السبيل الوحيد لمعرفة ماهية هذا الشعور، مثله مثل الحب. ومن المفارقات التي تجعل من اللامبالاة (الفتور أو عدم الاكتراث) إحساسا فريدا من نوعه هو أنه شعور “اللاشعور”، أي أنه تعبير جامد عمّا يمكن أن يعانيه الفرد كرد فعل على خسارة شيء مهم في حياته أو افتقاده الدافع والمحرك لفعل شيء أو حتى انتظاره وترقّبه، وخاصة حين تركن المشاعر في زاوية بعيدة عن النفس وتقفل أبوابها عليها، فتترك تعبيرا بليدا على ملامح الوجه.
الأربعاء 2016/05/04
الشخص اللامبالي يشعر دائما بالملل في مكان العمل

تؤكد الأبحاث النفسية الحديثة أنه يتوجب على أي شخص أن يعيش مشاعر معينة خاصة بشيء ما، وأن يدخل في مرحلة التجربة الفعلية كي يقيّم شعور اللامبالاة من وجهة نظره الشخصية ويحاول، وفق ذلك، التعامل معه وتوجيه سلوكه من وحي شعوره هذا.

ويرى الدكتور ليون أف. سيلتزر، أستاذ علم النفس في كوينز كوليدج بجامعة مدينة نيويورك ولاية كليفلاند الأميركية، أن مع الشعور باللامبالاة فإن الأمر يختلف بعض الشيء، فهو يشبه شعور الواقع تحت التخدير، وقد لا نتعرف عليه أو نميّزه بالرغم من تجربتنا له، وهو أيضا شعور مرادف لعدم الاكتراث، وعدم الاستجابة للأشياء أو الأشخاص، والانفصال عن الواقع.

وبدورها، تستنزف ردود الأفعال هذه طاقتنا الحيوية فتولد إحساسا بالفتور، السبات العميق وإنهاكا نفسيا وجسديا يشبه الشلل الذي يمنع القيام بعمل ما أو حتى يقتل الرغبة في القيام بأي شيء. ولهذا، يسهل أحيانا التعرف على الأشخاص اللامبالين بسبب سلبيتهم الواضحة، حيث يفتقدون إلى الدوافع والأهداف والاهتمام بمواجهة تحديات الحياة المختلفة، فهم لا يهتمون كفاية أو لا يهتمون على الإطلاق.

وفي كل مرحلة من مراحل حياتنا، قد نطرق هذا الجدار المزعج مرة أو مرات عدة، ولهذا يتوجب علينا معرفة الأسباب وكيفية التعامل مع هذا النوع من “اللاشعور”. وهل يتوجب علينا أن نركن للامبالاة إذا ما داهمتنا أم نحشد دفاعاتنا النفسية لمواجهتها والتخلص من تأثيرها السلبي علينا؟

تغيير نمط التفكير والتغلب على التصورات الخاطئة عن قيمة الذات من الخطوات الأساسية لعلاج اللامبالاة

ويشير سيلتزر إلى الدراسة التي أشرف عليها الباحثان الأميركيان جي إشيزاكي وأم ميمورا في العام 2011، والتي ترجح الإصابة باللامبالاة باعتباره ذا أساس بيولوجي أكثر منه نفسيا، حيث يعتقد أن لبعض الاضطرابات والأمراض العقلية دورا في ذلك مثل الفصام، والسكتة الدماغية، ومرض باركنسون، وأمراض الخرف مثل الزهايمر، في حين يرجعه بعض علماء النفس الآخرين إلى بعض الإشكالات التي تتعرض لها أنماط الحياة المختلفة مثل الحرمان من النوم، وسوء التغذية، وقلة ممارسة الرياضة أو عيوب عضوية مثل وجود خلل في الغدة الدرقية، كما أن الشعور باللامبالاة قد تمتد جذوره إلى أسباب نفسية منها الاكتئاب، وربما تعاطي بعض أنواع من العقاقير المهدئة أو المخدرات.

وبغض النظر عن المسببات، فإن العامل المشترك هو فقدان الشخص لأسباب سعادته أو فشله في أمر حيوي وأساسي، كفقدانه مثلا الإيمان بأشياء كان يؤمن بها ويعلق عليها آماله، وخاصة في ظل عدم وجود الرغبة والدافع لتحقيق شيء بديل أو تعويض هذه الخسارة، إذا أن الطاقة العقلية والجسدية تستنفد تماما مع ما يرافق شعور اللامبالاة أو الفتور من حدوث اكتئاب حاد، قد يعطل بدوره أي استجابة لفعل شيء أو لتغيير واقع غير مرغوب فيه.

ويرى متخصصون أن هناك بعض المؤشرات الشخصية التي توحي بمعاناة بعض الناس من شعور اللامبالاة أو عدم الاكتراث هذا، سواء أكانت عارضا واحدا أم عدة عوارض ومنها وقوع الشخص تحت تأثير الأفكار السلبية، وعدم ثقته بقدرته وكفاءته، وخوفه من محاولة القيام بأي عمل جديد وتردده أكثر من مرة بصورة غير مبررة في محاولة منه لتجنب الفشل.

وفي حين، لا يظهر هذا الشخص أي تعاطف مع الحوادث التي تصيب الناس المقربين منه، فإنه أيضا لا يبدي أي تعاطف مع الكوارث والتغيرات التي تحدث على المستوى المحلي أو العالمي، والاكتفاء بموقف المتفرج أو حتى الساخر الذي يبدو وكأنه يعيش في غرفة زجاجية تفصله عن العالم الخارجي وما يحدث فيه.

وهنالك تفاصيل يومية أخرى لا تقل أهمية عن ذلك، مثل الشعور بالملل الدائم في مكان العمل، وعدم الرغبة في قضاء أوقات طيبة مع الأهل أو الأصدقاء كمشاهدة عرض مسرحي أو الذهاب إلى مطعم مفضل، وبدلا من ذلك فإن هؤلاء الأشخاص يفضلون الانشغال بأداء أعمال غير مهمة وغير مثمرة لقتل أوقات الفراغ، كممارسة ألعاب الفيديو والجلوس مطولا أمام شاشة التلفزيون أو الكمبيوتر من دون هدف محدد بل والاستمتاع بتناول الأطعمة غير الصحية من دون أي شعور بالذنب، وسط تعاظم الشعور بالملل واللامبالاة.

هناك بعض المؤشرات الشخصية التي توحي بمعاناة بعض الناس من شعور اللامبالاة أو عدم الاكتراث هذا، سواء أكانت عارضا واحدا أم عدة عوارض

ويقدم سيلتزر بعض الحلول لمن يعتقد أنه واقع تحت تأثير شعور اللامبالاة ويجد مشقة في التخلص منه. ولكن قبل ذلك، يؤكد متخصصون على أهمية تغيير المرء لطريقة تفكيره أولا إذ أن معالجة ما يدور في الرأس من أوهام يقع في سلم الأولويات، فإخضاع النفس إلى تغيير نمط التفكير والتغلب على الأوهام والتصورات الخاطئة عن قيمة الذات يعتبران من الخطوات الأساسية لما يمكن أن يكون عليه العلاج بعد ذلك.

ولعل أهم شيء يمكن الاشتغال عليه خلال هذه المرحلة من العلاج هو تغيير نظرتنا إلى الماضي بكل إخفاقاته وتجاربه الفاشلة ومحاولة تجاوزها أو معالجة أوجه القصور فيه وتجاوز كل الرسائل السلبية التي كوناها عن أنفسنا بسبب هذا الفشل، وتقدير ما حدث بصورة غير واقعية، إذا لا يزال هناك الكثير من الفرص والتجارب التي ينبغي أن نخوضها ويمكن أن يكتب لها النجاح مع إزالة حاجز الخوف هذا.

وفي حين، يمثل تجاوز الخطوة الأولى للخروج من الأزمة النفسية الأساس القوي الذي ستقوم عليه الخطوات المقبلة، فإن النجاح يمكن أن يتحقق ولو تدريجيا وهو لا يقع ضمن دائرة المستحيل، فكل ما في الأمر أن الظروف ستتغير وطريقة التعاطي مع المتغيرات هذه ستحدد نجاحا جديدا أو التمسك بفشل قديم.

21