الكويت تكشف التراث الفني للأولين في الجزيرة العربية

تحف نادرة لمجموعة الصباح الآثارية تحكي تاريخ العرب القديم.
الخميس 2025/02/20
الفن مرآة تعكس الجذور الحضارية للعالم العربي

تزخر الجزيرة العربية بتاريخ مشترك عريق، تثبته العديد من العناصر الآثارية، وخاصة منها الفنون القديمة التي تتجسد بشكل أساسي في المنحوتات والآلات الفنية وصولا إلى فنون الكتابة والأدب، إذ لطالما كان الفن والإبداع من الروابط القوية التي تجمع بين شعوب المنطقة. وفي هذا الصدد تسلط الكويت الضوء على هذه الروابط من خلال معرض للفنون القديمة في شبه الجزيرة العربية.

افتتحت بالكويت، الأربعاء، فعالية نظمتها دار الآثار الإسلامية، تحت عنوان “فن الجزيرة العربية قبل الإسلام: تراث الأولين”.

وتأتي هذه الفعالية ضمن فعاليات الاحتفال بالكويت عاصمة للثقافة العربية لعام 2025، مسلطة الضوء على تراث جنوب الجزيرة العربية في الحقب الزمنية القديمة من خلال الأعمال الفنية النادرة لمجموعة الصباح الآثارية، والتي تعود ملكيتها إلى الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح، وزوجته الشيخة حصة صباح السالم الصباح، المشرف العام لدار الآثار الإسلامية.

تاريخ العرب القديم

الفعالية تحتفي بصفحة مهمة من تاريخ الجزيرة العربية، وتكتشف ملامح الفنون التي سبقت ظهور الإسلام

غطت الفعالية والمعرض المصاحب لها، العديد من جوانب تاريخ الفنون التي تشكلت وصقلت بفضل تاريخ العرب القديم، إذ كشفت جوانب أساسية ارتكزت عليها الممالك العربية القديمة التي تشكل هوية شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، حيث تعود التحف المعروضة إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد.

 كما ركزت الفعالية على الكتابة واللغة في الممالك القديمة في شمال وجنوب الجزيرة العربية، فضلا عن العلاقات والشبكات التجارية البرية والبحرية مع الإمبراطوريات المجاورة كالإمبراطوريتين الفارسية والرومانية، موضحة أهمية العلاقات السياسية والاجتماعية والتجارية بين شعوب جنوب الجزيرة العربية والشرق الأدنى القديم، والتي تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد.

وخصصت قاعة تبرز الدور الاجتماعي للمرأة في جنوب شبه الجزيرة العربية من خلال التحف الفنية المعروضة، وإبراز جماليات الفنون الأصيلة والرموز الدينية والتصويرية، وفنون صناعة الحلي، والعناصر المعمارية، وبعض المقتنيات الأثرية الأخرى التي تشير إلى الازدهار الفني والتنوع الثقافي والثقل الأدبي الذي امتد لعصور وعقود من الزمان.

ونقل بيان عن الشيخة حصة صباح السالم الصباح، المشرف العام لدار الآثار الإسلامية والشريك المالك لمجموعة الصباح الآثارية، ما ذكرته عن ولادة مجموعة الصباح الآثارية، حيث قالت “إن الرحلة بدأت بعنصر الدهشة. دهشة بجماليات الفن والتاريخ، تحوّلت إلى روح مشبعة بحب المعرفة والعطاء، تلك الروح شكلت رؤية ثقافية فاعلة أدتْ إلى ولادة مجموعة الصباح الآثارية.”

وأضافت “هذه رحلة زوجي ورفيق دربي ناصر صباح الأحمد الصباح (1948 – 2020)، رؤية تمخض عنها تأسيس دار الآثار الإسلامية عام 1983، في البداية، توجه ناصر نحو الشرق القديم لاستكشاف تأثيرات الثقافات القديمة على الفنون الإسلامية التي كان يكن لها كل إجلال. ولكن، في النهاية لم يكنْ عليه البحث بعيدا لاكتشاف جذور الفن الإسلامي في مجموعته. فقد وجدها هنا، في مهد الإسلام، في أرض جنوب الجزيرة العربية القديمة؛ في فنون المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان؛ وبالطبع، في تراث اليمن العريق.”

الأعمال الفنية روابط اجتماعية وفكرية وجغرافية وتكشف التنوع الثقافي والتاريخ الفني المشترك عن القيم والهوية الجامعة للشعوب

وقد جاءت فعالية “فن الجزيرة العربية قبل الإسلام: تراث الأولين”، نتيجة البحث والمعرفة بين جامعي التحف، وعلماء الآثار، ودعوة لزوار دار الآثار الإسلامية بالكويت، لتوسيع مداركهم حول تاريخ المنطقة وفنونها وثقافتها. وكذلك من خلال الآثار التي تزدان بها أروقة معرض الدار، كما مثلت الفعالية منصة لاستكشاف التراث الغني لجنوب الجزيرة العربية، والتماهي مع تراث الأولين، وتواتر تأثيره على فن وثقافة اليوم.

وقد ضمت قاعات العرض ما يربو عن 104 تحفة نادرة تعود لعصور ما قبل الإسلام، من مجموعة الصباح الآثارية أبرزها لوح نذري منحوت من حجر المرمر عليه إهداء من وزير مملكة معين إلى الإله سحر (الجوف، اليمن) والذي يعود إلى الفترة 650 – 600 قبل الميلاد، وتمثال نادر آخر من البرونز على شكل وعل مثبت على قاعدة نقش عليه إهداء إلى الإله القتباني حوْكم والذي ينحدر من مدينة مريمة القديمة – جنوب مأرب – في الفترة 700 – 650 قبل الميلاد.

وفي كلمته بحفل افتتاح الفعالية، قال وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب عبدالرحمن بداح المطيري، إن هذا الحدث الثقافي البارز يأتي في إطار احتفاء دولة الكويت بتاريخها العريق، وحرصها الدائم على إبراز الموروث الثقافي والحضاري الذي يشكل هويتنا العربية والإسلامية، فالجزيرة العربية، كانت منبعا للإبداع الفني والثقافي منذ أقدم العصور واليوم.

وأضاف بأن هذه الفعالية تحتفي بصفحة مهمة من تاريخ الجزيرة العربية، وتكتشف ملامح الفنون التي سبقت ظهور الإسلام، ومن خلالها يمكن التعرف على إبداع الأجداد الذي وثق حياتهم وتاريخهم وبيئتهم في أعمال فنية خالدة كشفت عن عمق الوعي الجمالي لدى الإنسان العربي آنذاك حيث عبرت تلك الفنون عن مختلف جوانب حياتهم وتركت لنا شواهد مدهشة تدل على مدى تقدمهم ورقيهم الفني.

وأكد على أن الكويت بحملها لقب “عاصمة الثقافة والإعلام العربي 2025″، تجدد التزامها الراسخ بدعم الثقافة العربية وتعزيز حضورها في المحافل الدولية فهذا الاختيار مسؤولية تفرض مواصلة العمل على ترسيخ الهوية العربية والإسلامية في وجدان الأجيال القادمة وإبراز القيم الثقافية التي تجمعنا كأمة واحدة.

التنوع الثقافي

Thumbnail

من جانبه قال الأمين العام للمجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب، الدكتور محمد خالد الجسار، في كلمته بافتتاح الفعالية، إن اختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية وعاصمة للإعلام العربي، يأتي تأكيدا للعمق الثقافي والدور المحوري، والاهتمام التاريخي والحضاري الذي تكرّسه الكويت من قلب مؤسساتها الثقافية إلى العالم العربي كافة، وفي مقدمتها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الذي يحمل مسؤوليات تجلت في بناء جسور ثقافية بين مختلف البلدان من مشارق الأرض إلى مغاربها.

ونوّه بجهود المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب خلال العقود الخمسة الماضية في دعم القطاع الثقافي بكامل تفرعاته، واستحضر بداية التعاون بين المجلس الوطني ودار الآثار الإسلامية في عام 1983، ووصف ذلك التعاون بأنه مثّل نقطة تحول فارقة في خارطة الفن والثقافة الكويتية، وأكد على أن هذا التعاون لم يكن مجرد تعاون مؤقت أو رؤية قصيرة المدى، بل امتد هذا التعاون الميمون حتى يومنا هذا، وأنه في هذه الفعالية، يجدد المجلس تعاونه مع مجموعة الصباح الآثارية، ومشاركة المقتنيات النادرة، واستحضار التاريخ العربي القديم وحفظه بذات الشغف الذي يضيء المراكز الثقافية الكويتية.

من جانبها، قالت المشرف العام لدار الآثار الإسلامية الشيخة حصة صباح السالم الصباح، والأمين المساعد لقطاع الآثار الإسلامية بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب “نحتفي بإحدى أهم المحطات الثقافية التي تشهدها الكويت، بتسلمها شعلة عاصمة الثقافة والإعلام العربي للعام 2025،” مؤكدة على أن هذا الاختيار يأتي تتويجا لمكانتها المرموقة في مجال الثقافة والفن في الوطن العربي.

وفي حديثها عن الفعالية، قالت إن الفن ومنذ العصور القديمة في شبه الجزيرة العربية، كان – ولا يزال- مرآة تعكس الجذور الحضارية للعالم العربي. وتجسد الأعمال الفنية روابط اجتماعية وفكرية وجغرافية، حيث يبرز التنوع الثقافي والتاريخ الفني المشترك عنْ القيم والهوية التي تجمع الشعوب تحت فلك واحد، موحدا لغتها، ومشاركا ثقافتها، ومحافظا على إرثها.

وتحدثت كذلك عن الشيخ  ناصر صباح الأحمد الصباح (مالك مجموعة الصباح الآثارية)، الذي كان شغوفا بجمع التحف والبحث في تاريخها والنظر في أبعادها وجمالياتها، وخاصة الفنون الإسلامية والتي كان مولعا بها بعد دراسته في القدس الشريف، ومنْ هناك كانتْ بدايات تذوقه لعظمة التصاميم المعمارية وجمال الزخارف الإسلامية، وقدْ تحولتْ رؤياه إلى واقع عندما اقتنى أول قطعة في السبعينات وتوسعتْ لتصل إلى أكثر منْ 30 ألف تحفة فنية متنوعة تروي شغف رجل عشق الفن وشارك الجمال وروائع التاريخ.

يذكر أن دار الآثار الإسلامية بالكويت، هي منظمة ثقافية تقوم على مجموعة فنية كويتية خاصة يملكها الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح (1948 – 2020) مؤسس مجموعة الصباح الآثارية وزوجته المشرف العام لدار الآثار الإسلامية والمؤسس المشارك الشيخة حصة صباح السالم الصباح.

ومنذ إنشائها، نمت دار الآثار الإسلامية من مجموعة خاصة إلى مؤسسة ثقافية معترف بها دوليا. وتشمل الأنشطة الرئيسية لدار الآثار الإسلامية تنظيم محاضرات ومواسم ثقافية، ومعارض متنقلة، وأنشطة فنية وثقافية متنوعة تتواصل على مدار العام، إلى جانب الإصدارات من دوريات وبحوث علمية متعلقة بالفنون والآثار، وبرامج الترميم، ومشاريع البحث والتنقيب عن الآثار.

13