الكرة وانتصارات العرب

في العالم الثالث حين يأتي "انتصار" الكرة يجد له آباء كثيرين، كل يقول أنا ساهمت فيه، وتذهب السلطة إلى اعتباره دليلا متينا على نجاح خيارها في الرهان على الشباب ودعم الرياضة والاستثمار فيها.
الخميس 2022/03/31
حين يأتي الفشل يتبرأ منه الجميع

إلى وقت قريب كان المثقفون ينظرون إلى الكرة على أنها أفيون الشعوب في استدعاء لمقولة كارل ماركس الشهيرة. وكان العقيد الليبي الراحل معمر القذافي يقدم وصفا كاريكاتيريا ساخرا حين يتساءل كيف يتداعى الناس لمشاهدة اثنين وعشرين لاعبا وهم يجرون وراء الكرة.

استمر هذا الجري، وزاد إدمان الناس في العالم العربي على مشاهدة الكرة ومتابعة أخبارها في الإعلام القديم والجديد، وبات أمل السياسيين أن تحقق منتخبات بلدانهم الانتصار تلو الانتصار لأن هذا يشعر المواطنين بالسعادة وينسيهم ولو لبعض الوقت المعاناة اليومية.

أعادت المقابلات الأخيرة المؤهلة إلى كأس العالم لكرة القدم المقرر في قطر نهاية العام نفس المشهد. وفي ظل أزمة في الغذاء وأزمة في الطاقة وارتفاع في الأسعار وضغوط المانحين لرفع الدعم، جاءت هذه المقابلات لتجدد الأمل في أن يتحقق الترشح لكأس العالم، فهو سيعطي البلد الذي يصعد فريقه إلى المونديال مهلة ثمانية أشهر كاملة من التهدئة الاجتماعية المجانية، التي لم تتم بالتفاوض مع النقابات، ولا بضخ زيادات في الرواتب أو العلاوات.

خلال هذه الأشهر، لن ترى احتجاجات في الشارع، ولن تسمع الكثير من الانتقادات على مواقع التواصل، التي ستملؤها أخبار اللاعبين والتصريحات التي تجدد الأمل في “انتصار” و”وجه مشرف” في قطر.

حظيت تونس والمغرب بهذه النعمة، فيما افتقدتها مصر والجزائر اللتان فشلتا في الأمتار الأخيرة مع أنهما في أمسّ الحاجة إليها. فمصر لا تدري كيف ستواجه شهر رمضان في هذه السنة في ظل أزمة الـ”عيش” وأزمة قمح روسيا وقمح أوكرانيا. والجزائر كان الترشح سيحل لها مشاكل كثيرة، أقلها أنه سيغمض الأعين عن أزمات السلطة وصراعاتها وقصصها، ويمد في سبات الحراك الشعبي حتى لا يقض مضجعها، ويسكت ضغوطا شعبية ستجد في هزيمة الكرة فرصة للمطالبة بالتخلص من عبء بوليساريو.

في تونس، تترد جملة لدى أغلب المعلقين في التلفزيون ومحللي الكرة، أن “انتصار” الكرة، هو “الانتصار” الوحيد الذي يُفرح التونسيين في غياب ملامح الفرح الأخرى بسبب أزمة مركّبة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا منذ 2011 وإلى الآن، خسرت فيها البلاد الكثير من عناصر استقرارها.

وفي العالم الثالث حين يأتي “انتصار” الكرة يجد له آباء كثيرين، كل يقول أنا ساهمت فيه، وتذهب السلطة إلى اعتباره دليلا متينا على نجاح خيارها في الرهان على الشباب ودعم الرياضة والاستثمار فيها، وحين يأتي الفشل يتبرأ منه الجميع ويمسحونه في أصغر مسؤول لا حول له ولا قوة.

في العالم الآخر، كرة القدم، كما غيرها من الرياضات باتت شيئا آخر، آخر همه فرح الجمهور أو تصفيق السياسيين والإعلاميين. لقد باتت عالما جذابا للاستثمارات الكبرى، وقطاعا اقتصاديا أكثر عائدات وأكثر قدرة من قطاعات اقتصادية تقليدية.

20