الكراهية مفهوم معقد يعرضنا إلى خسائر نفسية واجتماعية

الكراهية قد نوجّهها إلى مرتكبي الجرائم الجنائية، والملحدين، والساسة، وجماعات من الأقليات وصولا إلى مشعلي الحرائق الإرهابية في جميع أنحاء العالم، ولكنها تظل مفهوما معقدا من العسير التعاطي معه من دون التعرض إلى خسائر نفسية أو اجتماعية.
ويشير الدكتور فرانك مالأندرو، أستاذ علم النفس الاجتماعي في كلية نوكس وعضو جمعية علم النفس الأميركية، إلى أن اعتبار الآخرين في معسكر الخصوم أو المؤيدين هو إحدى أهم الأولويات في حياة الإنسان منذ القدم، وعلى أساس هذا التصنيف الذي يكون ظالما في أغلب الحالات قد يبني الإنسان تصوراته عن هذا العالم ويحدد مديات علاقته بالآخرين سواء أكان في بيئته المحلية الضيقة أم العالم ككل بعد أن أصبح قرية متاحة.
وقرر علماء النفس عددا من المثيرات المعرفية لتحديد ما إذا كان شخص ما هو “واحد منا” أم لا، فنحن نرى في قيمنا الأخلاقية تفوقا واضحا على قيم (الآخر) ولهذا نتضامن أكثر مع المجموعة التي ننتمي إليها بصرف النظر عن نواياهم، وهذا يتيح لنا التنمّر على الآخرين لمجرد اختلافنا معهم من منظور قيمهم التي تخالفنا.
وتشير بعض الدراسات إلى أن الأمر قد لا يبدو بهذه الصورة في الحياة الواقعية، إذا قد نتشابه بصفات مشتركة مع أفراد مجموعة لا ننتمي إليها في جدول تصنيفاتنا المسبقة، وتحديدا من منظور وجهات نظرنا في الأحداث الدولية أو ردود أفعالنا حول سلوك بعض الأفراد المرفوض في محيطنا الاجتماعي، لكن المشكلة تكمن في إصرارنا في أغلب الأحيان على “التقاط” ما يستهوي قناعاتنا من الأحداث التي تذهب في اتجاه معين وتجاهل ما يتعارض معها، بمعنى أن إيماننا بمعتقداتنا راسخ ولا يهتز بسهولة حتى مع وجود أدلة تؤكد تعارضه مع الحقائق، وهذا ما يسميه علماء النفس بالانحياز الوهمي للمعتقدات.
الأفراد يميلون إلى تبني قناعات أفراد أسرهم ثم قناعات المجموعة الاجتماعية التي يتشاركون معها في البيئة ذاتها
وطوّر عالم النفس الأميركي هنري تاجفيل بحثا يتعلق بالصورة النمطية للمجموعات المختلفة، مشيرا إلى أن الأفراد يميلون إلى تبني قناعات أفراد أسرهم في المحل الأول ثم قناعات المجموعة الاجتماعية الضيقة التي يتشاركون معها في البيئة ذاتها، وبمجرد الحكم على أفراد جماعة معينة بصورة سلبية سواء أكانت من وجهة نظر دينية وثقافية وقومية أم غير ذلك من التصنيفات المسبّقة، يصبح من الصعب التعامل مع أي من أفرادها بمنظور متجرد حتى وإن أثبت سلوكه في مواقف معينة عكس ذلك.
كما أن اللقاء في حد ذاته مع شخص لا يتطابق مع صورتنا النمطية قد يثير قلقنا، بسبب خشيتنا من انفضاح مشاعرنا المستترة التي ستظهر عاجلا أم آجلا في سلوكنا تجاهه، بل وأكثر من هذا، نحاول الابتعاد عنه خشية التأثر بأفكاره ووجهات نظره بطريقة قد تقوّض دعائم معتقداتنا الراسخة.
ويرى متخصصون في علم النفس الاجتماعي، أننا نستطيع أن نستخدم عددا غير محدود من التصنيفات الفئوية لإسباغ أحكامنا المسبّقة على الغرباء، إلا أن العرق والدين يمثلان أكثر المعايير استخداما ورواجا، وهما المصدر الأول لعدد من المشاكل الاجتماعية على مرّ التاريخ البشري.
لذلك، يؤكد هنري تاجفيل أنه أصبح أكثر تشاؤما من ذي قبل من إمكانية تغيير الطباع البشرية في الحكم المسبق على الآخرين، لكنه يجد بعض الأمل في تعزيز الثقافة والمعرفة والعمل على السيطرة على ردود أفعالنا تجاه الآراء التي تخالف توقعاتنا وقناعاتنا، وهذا الأمر يتطلب وقتا ليس بالقصير.