الكراهية مفهوم معقد يعرضنا إلى خسائر نفسية واجتماعية

يبرز خطاب الكراهية كقاسم مشترك وكعنصر فاعل في نشرات الأخبار التي نتابعها على التلفزيون أو التي نقرأ مقتطفات منها في الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي. وتؤجج الكراهية معظم خلافاتنا الشخصية مع الأقارب أو الغرباء ضمن سياق الحياة اليومية، حيث يسيء بعضنا للآخر في بعض الأحيان لمجرد عدم التطابق في وجهات النظر بشأن كراهيتنا لأشخاص أو جماعات معينة أو حتى أفكار نجدها لا تتناسب وطريقة تعاطينا مع الأحداث المحلية والعالمية المتسارعة.
الأربعاء 2016/07/20
الكراهية تؤجج معظم الخلافات الشخصية مع الأقارب أو الغرباء

الكراهية قد نوجّهها إلى مرتكبي الجرائم الجنائية، والملحدين، والساسة، وجماعات من الأقليات وصولا إلى مشعلي الحرائق الإرهابية في جميع أنحاء العالم، ولكنها تظل مفهوما معقدا من العسير التعاطي معه من دون التعرض إلى خسائر نفسية أو اجتماعية.

ويشير الدكتور فرانك مالأندرو، أستاذ علم النفس الاجتماعي في كلية نوكس وعضو جمعية علم النفس الأميركية، إلى أن اعتبار الآخرين في معسكر الخصوم أو المؤيدين هو إحدى أهم الأولويات في حياة الإنسان منذ القدم، وعلى أساس هذا التصنيف الذي يكون ظالما في أغلب الحالات قد يبني الإنسان تصوراته عن هذا العالم ويحدد مديات علاقته بالآخرين سواء أكان في بيئته المحلية الضيقة أم العالم ككل بعد أن أصبح قرية متاحة.

وبالتالي، فإن واحدة من أقدم السمات الإنسانية وأكثرها ضررا، هي السهولة التي يتبعها الناس في وضع وتصنيف “الآخر” وفق فئات معدة مسبقا، فيمثل الدين والقومية والانتماء السياسي ووجهات النظر بشأن الأحداث الدولية، مرتكزات أساسية لتكوين صورة متكاملة عن أشخاص نقابلهم للمرة الأولى ويأتي في إطار سلسلة معقدة من العمليات العقلية، التي ستحدد مستوى الثقة والتعاون والتفاهم الممكن بين الطرفين.

وقرر علماء النفس عددا من المثيرات المعرفية لتحديد ما إذا كان شخص ما هو “واحد منا” أم لا، فنحن نرى في قيمنا الأخلاقية تفوقا واضحا على قيم (الآخر) ولهذا نتضامن أكثر مع المجموعة التي ننتمي إليها بصرف النظر عن نواياهم، وهذا يتيح لنا التنمّر على الآخرين لمجرد اختلافنا معهم من منظور قيمهم التي تخالفنا.

وتشير بعض الدراسات إلى أن الأمر قد لا يبدو بهذه الصورة في الحياة الواقعية، إذا قد نتشابه بصفات مشتركة مع أفراد مجموعة لا ننتمي إليها في جدول تصنيفاتنا المسبقة، وتحديدا من منظور وجهات نظرنا في الأحداث الدولية أو ردود أفعالنا حول سلوك بعض الأفراد المرفوض في محيطنا الاجتماعي، لكن المشكلة تكمن في إصرارنا في أغلب الأحيان على “التقاط” ما يستهوي قناعاتنا من الأحداث التي تذهب في اتجاه معين وتجاهل ما يتعارض معها، بمعنى أن إيماننا بمعتقداتنا راسخ ولا يهتز بسهولة حتى مع وجود أدلة تؤكد تعارضه مع الحقائق، وهذا ما يسميه علماء النفس بالانحياز الوهمي للمعتقدات.

الأفراد يميلون إلى تبني قناعات أفراد أسرهم ثم قناعات المجموعة الاجتماعية التي يتشاركون معها في البيئة ذاتها

وطوّر عالم النفس الأميركي هنري تاجفيل بحثا يتعلق بالصورة النمطية للمجموعات المختلفة، مشيرا إلى أن الأفراد يميلون إلى تبني قناعات أفراد أسرهم في المحل الأول ثم قناعات المجموعة الاجتماعية الضيقة التي يتشاركون معها في البيئة ذاتها، وبمجرد الحكم على أفراد جماعة معينة بصورة سلبية سواء أكانت من وجهة نظر دينية وثقافية وقومية أم غير ذلك من التصنيفات المسبّقة، يصبح من الصعب التعامل مع أي من أفرادها بمنظور متجرد حتى وإن أثبت سلوكه في مواقف معينة عكس ذلك.

كما أن اللقاء في حد ذاته مع شخص لا يتطابق مع صورتنا النمطية قد يثير قلقنا، بسبب خشيتنا من انفضاح مشاعرنا المستترة التي ستظهر عاجلا أم آجلا في سلوكنا تجاهه، بل وأكثر من هذا، نحاول الابتعاد عنه خشية التأثر بأفكاره ووجهات نظره بطريقة قد تقوّض دعائم معتقداتنا الراسخة.

ويفسر تاجفيل هذا النمط من الهروب باعتباره دليلا واضحا على أن البعض قد يؤمن بمعتقدات ويجاهر بأحقيته في تبنيها، على الرغم من أن دواخله لا ترحب بها، ولهذا فهو يخشى من أي محاولة خارجية لأحد الغرباء (من خارج نطاق المجموعة) لتقويض بناء هذه القناعات والتشكيك في سلامة هذه المعتقدات حتى وإن كان من دون قصد أو سابق تصميم.

ويرى متخصصون في علم النفس الاجتماعي، أننا نستطيع أن نستخدم عددا غير محدود من التصنيفات الفئوية لإسباغ أحكامنا المسبّقة على الغرباء، إلا أن العرق والدين يمثلان أكثر المعايير استخداما ورواجا، وهما المصدر الأول لعدد من المشاكل الاجتماعية على مرّ التاريخ البشري.

ومن ناحية أخرى، قد يضطر بعض الأفراد من دون وعي إلى الإفصاح عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية في المحافل الاجتماعية ليكسبوا ود بعض الناس وصداقتهم، متوقعين معاملة طيبة وقبولا من مجموعات يفترض أن يتشاركوا معها في هذه السمات، وينطبق هذا الأمر بصورة واضحة على الانتماء السياسي وهو يبدو أكثر رواجا في زمننا الحاضر.
ويجب ألا ننسى الدور الخطير الذي تلعبه وسائل الإعلام والإنترنت في تحديد اتجاهات الناس وتوجيهها وفق رغبات القائمين عليها، ولعل وسائل التقنية المتاحة في أيامنا هذه قد سهّلت مهمة تغيير اتجاهات الرأي العام، وربما تذهب إلى مديات أبعد من ذلك حين ترّوج لخطاب الكراهية وأغلبها يبتعد كثيرا عن الموضوعية في تناوله للقضايا الساخنة.
والأمر ذاته يفصح عن أن الناس لا يتعاملون مع هذه القضايا بالعمق المطلوب، فهم محكومون بآراء مجموعاتهم بشكل متطرّف وكأنهم بتبني هذه الآراء إنما يرفعون عن أنفسهم مسؤولية تقييم الأمور بصورة عقلانية ويتركون للآخرين حرية سحبهم إلى مستويات هشة من الحكم الظالم على (الآخر) لمجرد اختلافه عنهم.

لذلك، يؤكد هنري تاجفيل أنه أصبح أكثر تشاؤما من ذي قبل من إمكانية تغيير الطباع البشرية في الحكم المسبق على الآخرين، لكنه يجد بعض الأمل في تعزيز الثقافة والمعرفة والعمل على السيطرة على ردود أفعالنا تجاه الآراء التي تخالف توقعاتنا وقناعاتنا، وهذا الأمر يتطلب وقتا ليس بالقصير.

21