الكذب نسمة معنويات

اعتدنا أن نتبادل الأكاذيب في غرة أبريل كهدايا سمجة نعتقد أنها تسلينا لكنها في الحقيقة كالبصل تبكينا على حالنا دون حزن.
الحقيقة أن يوما واحدا للكذب لا يكفينا.. فنحن نكذب في الصباح والمساء، نكذب على زوجاتنا وكيف كنا دونجوانات قبل أن نقابلهن وعرفنا أجمل النساء في شبابنا، ونقدم أنفسنا لهن أبطالا نحل المشاكل والعطل وعطب الحياة.
هن كذبهن جامح.. ألم تسلب عقول الشباب في الحارة والجامعة والشغل، وخطبها الطيار والمهندس والتاجر، ورغم ذلك رضيت بنا فتزوجتنا، لكنها صدقت شيئا واحدا وهو أنها جنت على نفسها بذلك العقد المؤبد الذي أمضته، فأنجبت به حملا على حمل.
وحين ننجب أطفالا نكذب أمامهم، فندعي أننا كنا "الأشطر" في الفصل وفي المدرسة، لا أحد منا رسب رغم أن مهننا وضيعة اليوم، وكنا المشاغبين دائما فلا يسلم منا حتى أعتى المعلمين والأساتذة ونروي لهم بطولات ارتعشت منها فرائسنا في الحقيقة حين سمعناها.
أطفالنا هم أيضا يكذبون.. ليتواصلوا معنا وربما ليتجنبوا العقاب ويكذبون ليتفاخروا.. هنيئا لهم إلى أن يصبح الكذب دواءهم حين يكبرون.
نحن نكذب على زملائنا في العمل ونكذب على أعدائنا قبل أصدقائنا الجدد في المقهى وأمام البوليس والقاضي والبقال والجزار وبائع السمك، ننسج لهم قصصا قصيرة ولا نترك لهم مجالا ليمسكوا بكذبتنا.
حتى أمهاتنا،لا يسلمن من كذبنا، وربما فينا من يوبّخ نفسه لو تحدث مرة صادقا أو وعد ووفى، حينها سيصحى من وهمه اللذيذ.
الكذب ضروري في العمل الإبداعي وهو السلاح الحقيقي لكل شاعر وأديب وسينمائي فأشعر الناس أكذبهم، وأغرب الروايات تلك التي يفوق فيها الخيال خطوط الواقع وحدوده.
وفي تعريفهم للكذب، يقولون إنه تلاعب بالوقائع وربما بالعقول.
القادة والسياسيون بدورهم فنانون في الكذب لأنهم قادرون على جرنا لتصديق كذبهم الذي يجعلنا نصنع من الطين طوبا ورديا، ربما إذا مسكوا سياسيا صادقا في وطننا عزلوه خوفا من مكائده.
حتى التاريخ كذب علينا فدهن هزائمنا وانكساراتنا بالزبدة التي تذوب مع طلوع الشمس، ونفخ في انتصاراتنا حتى سكرنا بلا كؤوس مترعة.
وبعيدا عن عصا القيم الأخلاقية، نحن نحتاج إلى الكذب كما نحتاج إلى الهواء والماء وكسرة الخبز.. يرفع معنوياتنا لنستعيد توازننا النفسي والمعنوي لنمشي في الشارع ونذهب إلى العمل، نحن نكذب لنعيش.
نكذب حتى على أنفسنا بسبب التوتر الداخلي الذي يعيش فينا لذلك نحتاج إلى حماية أنفسنا.
إذا توقفنا عن الكذب ربما سننهزم ونحن نحتاج إلى طعم الانتصار.